السبت ٣ تموز (يوليو) ٢٠٢١
بقلم خليل محمود الصمادي

الاختلاف في الوصية الواجبة

تعريف الوصية الواجبة:

هي ان يَمُوت الولَدُ في حياة أبويه أو أحدهما، ويترك وراءه أولادًا، فحينما يُتوفَّى الجَّدُّ بعد ذلك يرث الأعمام والعمات ميراث الأب، وأبناء الابن لا شيء لهم، وهذا من ناحية الميراث صحيح؛ لأن أولاد الابن لا يرثون من جدهم لأن والدهم مات قبل الجد.

غالبا ما يكون الجد حريصًا على أحفاده الأيتام فيوصي لهم، وهنا لا مشكلة، ولكن البعض قد لا يوصي إما جهلًا أو كسلَا أو ضغطًا من أبنائه المتنفذين طمعًا في حصة أكبر، ففي هذه الحالة ما الحل؟

نجد أن المشرع المدني شرَّع ما سمي"الوصية الواجبة"وألزم القضاء بها حتى وإن لم يوصِ الجد كتابةً أومشافهةً.

اختلف العلماء بها منذ القديم فأفتى ابن حزم الظاهري بوجوبها كما أفتى بها بعض الفقهاء من مختلف المذاهب في الوقت الذي أفتى بعض العلماء من المذاهب نفسها ببطلانها، والملاحظ أن السلفيين لم يفتوا بها.

الوصية الواجبة في العصر الحديث:

عند بدء تشريع الأحكام ولا سيما في مصر تعرض الفقهاء والعلماء والقضاة لهذه المسألة أكثر من غيرها وبعد دراسات مستفيضة قرروا أنَّ الوصيَّة الواجبة تُعبِّر عن افتراض وصيَّة الجدِّ أو الجدَّة للأحفاد، سواءً وُجدت في الحقيقة أم لم تُوجد، ويُلزم القاضي بالحكم بها، والقيام بتنفيذها وتطبيق مضمونها، سواءً أوصى الجدّ بها أم لم يوصِ، وصارت قانونًا بمصر منذ عام 1946، وتبعتها سورية عام 1953 وفلسطين 1962 والكويت 1971و الجزائر 1984 وفي المذهب الزيدي باليمن تسمى"الإقعاد"1976 وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.

وفي بعض البلاد لم تطبق فلم يأخذ بها المشرع السعودي بالرغم من المطالبة بها، ولا المشرع اللبناني إذ اعتبرها المشرع هناك اعتداء على حصة الغير.

حجة كل فريق:

المؤيدون لها استدلوا دليلها: قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (البقرة:180)

وقوله تعالي أيضاً: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ[النساء:11].

ومن السنة قوله (: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم» رواه ابن ماجة. فقرروا أنَّ هؤلاء الأولاد يأخذون حصة أبيهم على ألا تتعدى الثلث، لأنه لا يجوز الوصية أكثر من الثلث.
والمعارضون لها استدلوا بأن الآية السابقة (كتب عليكم...) منسوخة بآية الميراث، والحديث الشريف"لا وصية لوارث"وبما أن الوالدين يرثون فقد نسخت، واستشكلوا في"الأقربين"فبعضهم شملها بالنسخ والبعض قال النسخ فقط للوالدين.

وقال بعضهم:

* الوصية الواجبة تعارض القرآن الكريم فالميت لا يرث.

* قد يكون الأحفاد أغنياء وأعمامهم وعماتهم (أولاد وبنات الميت) فقراء، والقانون في هذه الحالة أيضاً يعطي الأحفاد جزءاً من التركة تحت مسمى"الوصية الواجبة"! مع أن أعمامهم أولى بهذا المال منهم، لأنهم أقرب إلى الميت منهم، ولحاجتهم إليه.

* هذا خرق لحكم الله ولا يجوز أن يورثوهم مالم يكن هناك وصية من الجد، وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر.

* قد يوصي الجد بثلث ماله لأحفاده الأيتام، وربما يكون الثلث أكثر مما يستحقونه وهذا إكرامٌ لهم لأن الجد أدرى بأحفاده من أي شخص كان.

* لماذا لا تطبق إلا على الأحفاد، ولم تطبق على أبناء المتوفين من غير الأبناء، كالخال أو العم الذي يموت وليس له وارث ذكر وله أولاد أخ أو أخت ممن يحق لآبائهم أو أمهاتهم بنصيب لو كانا أحياء.

هل الوصية مثل الميراث أو بينهما اختلاف؟

نعم هناك اختلاف فالوصية الواجبة قد تكون أكثر من حصة الوالد المتوفى على ألا تبلغ أكثر من ثلث التركة، ولا تكون أقل من حصة الابن المتوفى.

خلافات كثيرة في التطبيق:

بعض المشرعين يوجبون الوصية لأبناء الذكور فقط دون الإناث ثم عدل بعد ذلك للاثنين في أغلب الدول.

فالقانون المغربي فقد وافق على الوصية الواجبة لأبناء الذكور فقط ضمن قانون الأسرة عام 1958 إلا أنهم عدلوه ليشمل أبناء البنات أيضا عام 2003.

وأما المشرع السوري فلم يعطِ إلا لأبناء الذكور حتى عام 2019 فقد عدل الوصية لأبناء البنت المتوفاة أيضا، وأما قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة (279) والتي جاء فيها: إذا توفي أحد وله أولاد ابن، وقد مات ذلك الابن قبله أو معه: وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته الشرعية وصية من الميراث، وفي تفسير ذلك حرم أبناء البنت من ميراث جدهم، وربما لأن مطبقي القانون فرقوا بين الابن والابنة واعتقدوا أن منْ شرَّع القانون فرق بين الابن والابنة بلفظ"الابن"وفي اللغة يشمل الولد والبنت كقوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) فهنا الأولاد تشمل الجنسين، ومازال بعض الحقوقيين ودعاة حقوق المرأة هناك يطالبون بالتعديل أسوة ببقية الدول التي عدلت قوانينها..

واختلفوا أيضا في تفسير الأحفاد فبعضهم اعتبر الأحفاد كل حفيد كان من ذكر أو أنثى، وبعضهم اعتبرهم أبناء الذكور فقط، إذ أن ابناء البنت يسمون بالأسباط، فأخرجوا أبناء البنت المتوفاة من حصة أبيها.

وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين:

هل يرث الأحفاد جدهم إذا كان والدهم قد توفي قبل الجد؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فلماذا؟
فأجاب:

الأحفاد هم أولاد البنين دون أولاد البنات، فإذا مات أبوهم قبل أبيه لم يرثوا من الجد إن كان له ابن لصلبه أو بنون ؛ فإن الابن أقرب من ابن الابن، فإن كان الجد ليس له بنون ولو واحداً وإنما له بنات: فللأحفاد ما بقي بعد ميراث البنات، وكذا يرثون جدهم إن لم يكن له بنون ولا بنات فيقومون مقام أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين.

"مجلة الحرس الوطني" (العدد 264، تاريخ 1 / 6 / 2004)

آراء وسطية لبعض العلماء:

نختم هذا المقال برأي الشيخ محمد راتب النابلسي فلعه يكون الأقرب للمؤيدين والمعارضين:
"الصحيح أن أبناء الابن أو أبناء البنت الذين توفي والدهم قبل أبيه أو أمه لا يستحقون ميراثاً ولا وصية واجبة له، نوصي كل من توفي ولده أن يهب أو أن يوصي لأولاد ابنه أو ابنته لا سيما إن كانوا فقراء وبهذا نخرج من الخلاف، كما نوصي الأعمام والعمات أن يتقوا الله في أولاد أخيهم أو أولاد أختهم فهم ملزمون بالنفقة عليهم فإن كانوا في بلاد لا تحكم بالوصية الواجبة فليقسموا لهم عن طيب نفس من مال جدهم أو جدتهم، وإن كانوا في بلاد تحكم بالوصية الواجبة ألا يضيقوا عليهم وأن يجيزوهم بما حكم به القضاء لهم.

والله تعالى أعلم".
فوائد لغوية:
في اللغة العربية باب اسمه التغليب
فالقمران: الشمس والقمر.
والوالدان: الوالد والوالدة
الأبوان: الأب والأم.
والجدان: الجد والجدة.
الزوجان: الرجل والمرأة.
العروسان: الذكر والأنثى.
الولد: الولد والبنت بحسب السياق
الابن: الولد والبنت بحسب السياق

لذا وجب على الفقيه أو المشرع أن يكون ضليعًا في مقاصد اللغة العربية حتى لا نقع بمثل تلك التفاسير الغريبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى