الأربعاء ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم خليل محمود الصمادي

عبق المكان في رواية «جسد في الذاكرة» د. عماد يوسف قريشة

صدر عن دار منشورات البلد في مدينة السويداء السورية رواية لطبيب الأسنان عماد يوسف قريشة /2022 والمعروضة حاليا في معرض الكتاب في الرياض.

تقع الرواية في 143 صفحة وهي رواية اجتماعية تتحدث عن قصة حب بين طالب كلية الطب المسلم أحمد والمسيحية مريم والذي لم يكلل بالنجاح بسبب الاختلاف في الأديان وموت مريم المبكر الذي ظل ذكرى أليمة لدى الدكتور أحمد الأحمد إخصائي أمراض النساء والولادة، ذكرى ما انقطعت يوما ما حتى بعد زواجه من سكرتيرته سعاد إذ أسمى ابنتهما "مريم" التي خُطفت بطريق الخطأ إلى بيروت وعمرها سنة ونصف لتعود للدكتور أحمد بعد ثمانية وعشرين عامًا لوالدها بعد موت أمها سعاد. تتشابه بقصة غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" ولكن من منظور آخر، فقد تربت مريم في بيروت عند عائلة مسيحية وعادت إلى أبيها المسلم بعد 28 عامًا.
تتناول الرواية عدة مواضيع منها المصادفة، الموروث الديني، آثار الحرب في سورية تجارة المخدرات، الثراء السريع، تبيض الأموال، والمكان الذي سأتناوله في هذه المقالة .

المكان في الرواية تنازعته ثلاثة بلاد هي: سورية ولبنان ونيجيريا أما البلدان الأخيران فقد مرَّا مرور الكرام، وأما عبق المكان فكان لدمشق التي كانت مسرح موت مريم الأم، ودراسة أحمد في جامعتها وأكثر أحداثها، ولا نخطئ إن قلنا كانت أيضا كانت مسرح كاتب الرواية ومكان عيشه لا سيما أيام دراسته الجامعية.

يبدع الدكتور عماد في وصف دمشق وأحيائها وذكرياتها بأكثر من موضع "كان يحن دومًا لشوارع دمشق، دمشق التي تحمل كما من الأسرار والقصص لا يعرفها إلا من ذاب في شوارعها يومًا، فمن ينظر إليها من هذه الشبابيك الفاخرة لن يعرف إلا مدى طيبتها وأصالتها، فهي مدينة حنونة لا تميز بين ساكنيها تعطي الفرح للجميع، ربما تعطيه للفقراء قبل الأغنياء....فالفرح هو دم دمشق لم يتغير على مدى العصور"

لا يكتفي د. عماد بوصف المدينة بشكل كلي بل يسير معك في أزقتها وحاراتها ومعالمها فمن نفق الآداب إلى كلية الطب إلى شارع خالد بن الوليد ومحل الكنافة المشهور الذي كان يومًا ما مزدحمًا بالمارة واليوم بسبب الحرب القذرة صار يشكو حزينًا بائسًا ،إلى سوق الحميدية ومحلاتها التي تأسرك بجمالها،إلى الجامع الأموي وأعمدته الحجرية المكتسية رخامًا وزخرفاتٍ جميلةً، إلى مخيم اليرموك الذي شبه شوارعه بالأنهار البشرية، إلى حي القيمرية إلى باب توما حيث بيت حبيبته مريم ثم مرقدها.

"دمشق في نهاية الألفية الثانية كانت في غاية الجمال كانت لا تزال تحتفظ بهدوء شجرة ليمون وجمال حمامة، أما اليوم أفتقد الشام وأشفق على الأجيال الجديدة لأنها لم تتعرف عليها، اليوم لن تجد أحدًا يسير من موقف الباصات من البرامكة ليصل إلى الحميدية سيرًا على قدميه ليمر من جانب كلية الحقوق النائمة تحت ظلال الأشجار....لم تتح لهم متعة التوقف على واجهات المكتبات في شارع مسلم البارودي وشارع الحلبوني، ولم يجتازوا ساحة الحجاز بهدوء دون أن تحتجزهم أرتال السيارات على طرفيها، تلك الساحة وغيرها أصبحت مجرد إسفلت لعبور السيارات"

يبدو أن الدكتور عماد مولع بعاصمته التي عاش فيها ودرس في جامعتها، فقد جاء وصفه دقيقا تشوبه عاطفة جياشة نحوها ، يتحسر على حالها من قلب يتألم على ما آلت إليه.

"لا أقول أنني لا أحب دمشق لكنني أحزن على حالها وأحاول أن أسير على قدمي في شوارعها بخطا المحب المستمتع بكل لحظة فأنا أشفق على شوارعها من تلك الخطا المستعجلة في كل مكان وكأنها طعنات في جسدها المسجى تحت العجلات والأرجل المهرولة والعيون التائهة"

فدمشق مدينة لا تنسى من زارها ففيها عبق الماضي الممزوجة بالحداثة كما لا تراه في مكان آخر"
كما قلنا الرواية تعالج وبشكل فلسفي تأثير الموروث الديني على الحياة، والمصادفة التي قد تتحول إلى قانون يتحكم بالبشر، كما يقول على غلافه الأخير "جسد في الشرق ... هو جسد تقطعه المصادفات وتبعثره الحياة في صراع منذ الأزل، هو صراع العقل مع أحجار نرد ترميها مصادفات الحياة وتترك له خيارات الموت أو الحياة"
وبالرغم من هدف الرواية أو مغزاها يبدو أنَّ عمادًا عاشق لدمشق فلا يخلو فصل من فصولها الثمانية عشرة إلا وذكر دمشق فيها.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى