
الانجذاب الأخير

"هجين من القصة والشعر والخاطرة"
في البدء، كنتُ ذراتٍ ضائعة، غبارًا متناثرًا في شقوق الكون، لا جاذبية تشدّني، لا وجهة تأخذني نحو يقين. كنتُ أطفو كما لو أنني نُفيتُ من مجرة لا تعترف بي، تائهًا بين نبضات الضوء، أبحث عن مركز يحتويني، عن بؤرة تلتئم فيها روحي المتشظية، فلا أعود شظايا ممزّقة بين المدى.
ثم رأيتكِ.لا، لم تكن رؤية، بل كشفٌ، ظهورٌ، إعلانٌ كونيٌّ لوجودٍ لم أدرك أنه ينقصني، أشرقتِ أمامي كما ينسكب الضوء من نجم في لحظة ميلاده، كأنكِ نقطة اندماج في معادلة الزمن، وكأنكِ أنتِ التي تجعل الفوضى تكتمل، وهجكِ اخترقني، لا كسهمٍ يشطر، بل كإشعاعٍ يلمّ شتات الأجزاء، وضعتِني في مدارٍ لم أكن أعرفه، لكني، للمرة الأولى، لم أخشَ الدوران، لأن هذا المدار لم يكن سجنًا، لم يكن جاذبيةً تأسرني بلا حيلة، بل كان ولادة جديدة في جاذبية أعمق من أي قوة كونية عرفتها.
جذبني حبكِ كما يجذب النجم غباره ليصوغ مجده، لا مجد الانهيار، بل مجد التشكل، التوهج، الإشعاع. جمعتِ أطرافي المتناثرة، أعدتِ سبك روحي، صهرتِني في قلبكِ حتى أصبحت كتلةً جديدة، نابضة بالحياة، تدور لا كقمر تابع، بل ككيان مستقلّ يتغذى على ضوئكِ، يستمد منكِ إشراقه، ويطلق أشعته نحو الأفق، لا ليعود فارغًا، بل ليترك أثرًا، ليخلق مدارات جديدة لا تنتهي.
كنتُ أظن أن الجاذبية تعني السقوط، تعني الاستسلام، لكنني معكِ أدركتُ أنها قوة خلق، دفعٌ للأمام، صهرٌ للذات كي تكتمل، فالنجم لا يكون نجمًا إلا إذا احتضن غباره واحتوى شتاته، وما الحب إلا تلك النار التي تجعل الذرات تندمج، تتسع، تلتهب، تتحول إلى ضوء، إلى شمسٍ لا تغيب.
وهكذا، لم يكن حبكِ هاوية أهبط فيها، بل كان امتدادًا نحو مجرات لم أكن أعلم أنني قادرٌ على بلوغها، كان انطلاقًا لا تقيّده حدود، كان ولادةً جديدة، نورًا يقتحم العدم، وها نحن الآن، شمسٌ تضيء، لا تحترق، لا تكتفي بذاتها، بل تترك خلفها أثرًا من الضوء، يمتد، يتجاوز، يصل إلى حيث اللا نهاية.
الانجذاب الأخير
"قصيدة نثر رمزية"
ملحوظة: القصيدة تتضمن نفس معاني الهجين السابق
في البدءِ،
كنتُ عدمًا يتوقُ لجاذبيةٍ.
ذرةً تائهةً في فضاءٍ لم يعرف اسمي،
غبارًا لا يمتلكُ مدارًا،
أبصُرُ العدمَ... ولا يُبصرني أحدٌ.
كان الزمنُ يتلاشى في عتمتي،
أطوفُ بلا اسمٍ ولا أثرٍ،
أنشدُ مركزًا يُعيدُني ليقينٍ.
لكن النجومَ ظلت بعيدةً،
والكونُ اتفقَ على نفيي.
ثم، في أقصى المدى،
في الفراغِ الصامتِ،
وجدتُكِ تتوهّجينَ عند حافةِ اللاشيء.
كضوءٍ يُفجّرُ الحقيقةَ،
كشمسٍ تذيبُ ليلَ الوجود.
حين رأيتكِ، لم أكن هباءً؛
بل شرارةً كانت تنتظرُ الاشتعالَ،
وشظايا روحٍ تبحثُ عن كيانٍ.
كنتِ أنتِ القوةُ التي تشدّني إلى الحياة،
تُعيدُ سبكَ شتاتي،
وتخلقُ مداراتي.
ألقيتِ عليَّ جاذبيتكِ.
لم تكن أسراً، بل تحرُّرًا؛
لم تكن انحناءً، بل استقامةً.
كانت نسيجًا كونيًا كُتبَ فيه وعدُ بقائي.
انجذبتُ إليكِ،
كالغبارِ لنجمِه،
كالذراتِ حين تلتحمُ،
كضوءٍ يتشكّلُ من العدمِ...
ولادةٌ جديدةٌ تُعلنُ ميلادَنا.
أصبحتُ شمسًا في مجرتكِ.
أتوهّجُ، لا احتراقًا،
بل إمدادًا بالضوء.
أُولدُ من ظلمتي إشعاعًا،
يرسمُ في المدارِ... قصتنا الأبدية.
لنمضي نحو فضاءٍ لا حدَّ له.
حيثُ لا انتهاء،
حيثُ الضوءُ...
يمتدُّ،
ينمو،
يرسمُ مجراتٍ جديدةً،
يخلّدُ أثرًا في الزمن،
ولا ينطفئُ... أبدًا.