
الرحلة والحكاية بالشارقة

سعيد يقطين وشعيب حليفي وعادل العناز وحكايات الرحالة:
انعقدت مؤخرا الدورة الخامسة والعشرين من ملتقى الشارقة الدولي للراوي بالإمارات العربية بإشراف معهد الشارقة للتراث، تحت شعار ’’حكايات الرحالة’’، بمشاركة أكثر من 120 راويا وخبيرا وباحثا وإعلاميا من 37 بلدا، من بينها المغرب.
وقد شارك من الجانب المغربي كل من سعيد يقطين وشعيب حليفي وعادل العناز ونجيمة طاي طاي، وأمينة لمغاري وأحمد الشكري، وخليل السعداني.
في مداخلته التي تحمل عنوان’’حوافز الرحلة ووظائفها في السيرة الشعبية العربية’’، ميّز سعيد يقطين نميز بين الرحلة وخطابها. فالرحلة، أيا كانت بواعثها، فعل إنساني دائم. لكن لا تتحول كل الرحلات إلى خطاب قابل لأن ندرجه ضمن الأنواع السردية لانبنائه على ما يقدمه لنا الرحالة من مشاهدات وسماعات، وما يقع له من أحداث. اكتسب خطاب الرحلة شرعيته ضمن الأنواع السردية من خلال إقدام الكثير من الرحالة على تدوين رحلاتهم المتعددة الأنواع (علمية، دينية، سياحية دبلوماسية...). وأضاف بأن هذه الرحلات تتسم بالبعد الواقعي الذي يسجل من خلاله الرحالة الفضاءات التي مر منها، وما وقع له فيها. لكن هناك نوعا آخر من الرحلات ذات الطابع الخيالي والتي تجد موئلها في السرد الشعبي. وهذا النوع من الرحلات لم يحظ بالاهتمام باستثناء رحلات السندباد التي تم التعرف عليها من خلال كتاب الليالي.
وقال أيضا بأن السير الشعبية العربية تزخر برحلات أبطالها المركزيين والرئيسيين؛ فالبطل الشعبي موعود بأداء دعوى مركزية في السيرة. ولتحقيق هذه الدعوى ونفاذها لا بد من اختراق الآفاق في جغرافيا العالم الخيالي القديم ومعانقة صعاب جمة لنجاح مهمته. ويتفنن الراوي الشعبي في جعله يتحرك في فضاءات لا حصر لها بسبب حوافز لتوليد السرد، وللوصول إلى غايات هو موعود بها. ولذلك نجد حوافز الرحلة تبدأ من مخططات ترمي إلى قتله بحثا عن عدو لا يطاق، أو جلب ذخيرة سحرية، أو إطلاق أسير، إلى التفرج على العجائب. وبذلك تتعدد وظائف الرحلة من خلال تحقيق الزواج، أو فتح مدينة، أو نشر الإسلام، أو قتل عدو...

وفي ختام مداخلته أشار سعيد يقطين إلى أن قراءة السيرة الشعبية من خلال محكيات الرحلة، وخطابها يقدم لنا إلى جانب الانتقال في الفضاءات العجيبة والواقعية، والانغماس في عوالمها، من خلال سرد يشد الأنفاس إلى تحقيق دلالات عميقة عن المتخيل الشعبي العربي، وهو يقرأ التاريخ والجغرافيا قراءة مختلفة عما تقدمه لنا الدراسات الرسمية المختلفة، وبذلك تتكامل الرحلات في السرد الشعبي مع الرحلات "الرسمية"، وهي تختلف عنها في ارتياد آفاق يمتزج فيها الخيال بالواقع تعبيرا عن رؤية سوسيو ثقافية عن البلاد والعباد. وستتوقف المداخلة على إبراز مختلف الحوافز والوظائف من خلال العديد من نماذج السيرة الشعبية العربية.
واعتبر شعيب حليفي، في ورقته التي حملت عنوان ’’شغف الحكي وبلاغة العجيب في الرحلات العربية’’ ضرورة مقاربة سؤال مركزي حول “كيف تتشكل الرحلة العربية جنسا مفتوحا على الأدب والتوثيق. وأضاف أن ورقته تنطلق من فرضية أن الرحلة العربية ليست مجرد نصوص تسجيلية ولا خيال محض، بل هي نص ثقافي يزاوج بين التمثيل السردي والمعرفة التاريخية، ويشيّد صورة مركبة للأنا في كل حالاتها والآخر عبر المشاهدة والكتابة.
وأكد أن الرحلة نشأت في سياق تداخل الأجناس، إذ ظهرت بوصفها مكونا فرعيا داخل نصوص نثرية وشعرية وتاريخية وفقهية وجغرافية، لافتا إلى أنه مع دينامية المجتمع العربي واتساع آفاقه المعرفية والحضارية، ترسخت الرحلة تدريجيا حتى بدت جنسا قائما بخصائصه.
وأشار إلى أن هوية الرحلة العربية تتحدد بكونها جنسا ذا بنية مفتوحة تجمع بين ’’التاريخ/التوثيق’’ و’’الأدب/الحكايات’’. ويقوم تماسكه على سردية المشاهدة التي تحول الرؤية إلى معرفة، وعلى وظيفة العجيب التي توسع أفق التخييل والتأويل.
وخلص إلى أن الرحلة العربية ليست بين التخييل والتسجيل فحسب، بل إنها تشيد معرفة سردية تجمع بين بلاغة الحكي ودهشة العجيب، لذا تظل من أهم المرويات النثرية في ثقافتنا، ومرآة حية لتحولات الأنا والآخر.
وفي مداخلة عادل العناز ’’تأويل الحكاية في السرد الرحلي: من الأدبي إلى المعرفي’’، انصرفت دراسته إلى تأمّل الأدوار التي يؤديها مفهوم الحكاية في جنس الرحلة، من خلال إعادة تأويل وظائفها المعرفية التي تتجاوز المنظورات البنيوية التي ما فتئت تختزلها في قدرتها الشكلانية على تحبيك الأحداث الكبرى، وما ينتظم العمل السردي من علاقات بين الشخوص، والأزمنة، والأحداث. ومن ثمة؛ فالأسئلة التي ستتجاوب معها إشكالية الدراسة، تتعين في الآتي: ما الأدوار الوظيفية التي تؤديها الحكاية في السرد الرحلي؟ أتقتصر على تعاقب الأحداث وتنسيق علاقتها بالزمن والمكان... أم إنها تنحو نحو تشكيل سرديتها المعرفية؟ وكيف جرى إعمال الحكي المعرفي في الإنتاجات الرحلية عربية كانت أم استشراقية، قديمة أم حديثة؟
ثم انتقل إلى مقاربة نظرية لعلاقة مفهوم الحكاية بالمنحى الأدبي والمعرفي الذي تنبني عليه الرحلات، وعلى هذا الأساس انعطفت إلى تحليل عينات أدبية استشراقية وعربية انطلاقا من رحلة ابن حوقل في كتابه "صورة الأرض"، ثم رحلة الإيطالي "لودفيكو دي فارتيما" في القرن السادس عشر..
ومن الخلاصات التي توصلت إليها ورقة عادل العناز أن الحكاية في السرد الرحلي مثلت بؤرة خطابية لاستشفاف المعارف، كما أن مفهوم الحكاية انسلخ عن التمثلات الشكلانية التي نمطته فيها السرديات البنيوية، بينما تتخذ تأثيرات الحكاية في السرد الرحلي أوجه مغايرة لأشكال ورودها في باقي الخطابات.