الجمعة ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم فداء جربان

الطلاب ضمن النظام التعليمي الفلسطيني

لا يخفى على أحد أن الواقع التعليمي في السياق الفلسطيني بات على حافة الهاوية، إن لم يكن قد انزلق فيها فعلًا. وهذا يجعلنا نتساءل: ما هو المصير التعليمي للطالب الفلسطيني؟

يعود هذا التساؤل إلى الطريقة التقليدية التي التزمنا بها وتجذّرت في عقولنا، إذ حصرنا الحصيلة الثقافية والتعليمية في الإطار المدرسي أو الجامعي فقط.

لكن، إن كان الأمر كذلك، فلماذا كان في العصر النبوي رغم غياب المدارس والجامعات بالمفهوم الحديث أفراد مثقفون ومسؤولون، ذوو أثر إيجابي في مجتمعهم؟

لماذا كانت حصيلتهم الثقافية والعملية تفوق قدرات طلاب العصر الحديث؟

ذلك لأن التعليم في ذلك الوقت كان تدريبا عمليا يقوم على مبدأ المشاركة وتحمل المسؤولية.

كان التعليم مباشرًا وواقعيًا، يربي الفرد على العمل والاعتماد على النفس منذ الصغر، فينشأ قويا باحثا عن المعرفة ومطبقًا لها في حياته اليومية.

هذا النوع من التعليم أنتج أفرادا مثقفين ومسؤولين، تركوا بصمتهم في مجتمعاتهم.

أما اليوم، فإن السياقات التعليمية لا تشرك الطالب في وضع المناهج ولا في تقويمها، بحجة أنه لم يبلغ السن التي تجعل لرأيه اعتبارا.

وهكذا ارتبطت كلمة "طالب" سواء في المدرسة أو الجامعة بعدم المسؤولية وعدم الاعتماد عليه.

لكنّ دمج الطالب في عملية التعلم، في اختيار المناهج ومراجعتها وتطبيقها على الواقع المحلي، هو ما يصنع منه شخصية قيادية مسؤولة.

إذن، الفرق بين الفرد في العصر النبوي والفرد في عصرنا ليس في الكم المعرفي، بل في الكيف :كيف يتعلم الفرد أن يتعلم، وكيف يمارس، وكيف يصبح مسؤولًا. لقد انتقلوا من مرحلة

تلقين المعلومة إلى تعليم التفكير والعمل.

أما الوضع في سياقنا فللأسف لم يقتصر الخلل على النظام التعليمي، بل امتد إلى الأسرة نفسها التي أتقنت صناعة جيل عديم المسؤولية.

نرى الوالدين يمنعان أبناءهم من المشاركة في أي أعمال بحجة أنهم في فترة امتحانات أو في الثانوية العامة، بل يمتد الأمر إلى اعتبار الطالب الجامعي ما يزال طفلًا لا يُعوّل عليه!

نسي الأهل أن المسؤولية ضمن علاقة طردية مع بناء الفرد السوي والإيجابي.

وهنا يبرز تساؤل مؤلم:

ما الفائدة من أن يأخذ التعليم من أعمارنا اثنتي عشرة سنة في السياقين المدرسي والجامعي؟

مقابل ماذا؟ مقابل معلومات يمكن تحصيلها في دقائق ونسيانها في دقائق، أو فور انتهاء الامتحان!

إنها صفقة خاسرة لذواتنا، ولمجتمعنا، ولأمتنا الإسلامية بأكملها.

أنا لا أقلل من قيمة التعليم أو من القائمين عليه، ولكنّي أنتقد السياسة التقليدية التي صارت نهجا في تدريسنا لأطفالنا حتى غدا التعليم وكأنه صفقة، وللأسف صفقة خاسرة.

أريد أن أطمئن إلى أن ابني الذي يدخل النظام التعليمي لاثنتي عشرة سنة، يخرج منه صالحًا في وعيه ونفسه ومجتمعه ودينه.

لذا يجب أن تركز المناهج على الجانب النفسي، والجانب التنفيذي، والتنشئة الأخلاقية، وربط المعرفة بالواقع.

يجب أن يتحول التعليم إلى مشروع حياة، لأن عصرنا الرقمي يجعل المعلومة متاحة في دقائق، فلا فائدة من نظام يقوم على الحفظ والتلقين.

لقد أصبحنا نرى خريجا متميزا أكاديميا، لكنه عاجز عن حل مشكلة واقعية بسيطة، هش أمام تحديات الحياة، فنستغرب: كيف حدث هذا؟

مناهجنا تهمل النفس البشرية وتركز على المعلومات، وتغذي الطالب بالحفظ دون الفهم أو التطبيق.

اسأل أي خريج جامعي: ما مقدار الترابط بين ما تعلمته في المدرسة والجامعة وبين واقعك العملي؟

ستكون الإجابة محبطة، لأن الواقع شيء، وما نتعلمه شيء آخر لا علاقة بينهما.

لقد جعلت المناهج أبناءنا هشين نفسيًا بسبب تبني ثقافات دخيلة أو سياسات تربوية فاشلة.

صرنا نواجه ضعف الطالب بسنّ القوانين فقط: قانون ضد التنمر، ضد العنف، ضد الضغط النفسي.

لكننا لم نعلمه كيف يواجه التنمر، أو كيف يصمد أمام المواقف الصعبة.

القوانين ضرورية، نعم، لكنها لا تكفي.

الاقتصار عليها يجعل الطالب كزجاجة إن سقطت انكسرت، وأي كلمة تجرحه.

وكلما زادت هشاشته النفسية، ازددنا إصدارا للقوانين، دون أن ندرك أننا بهذا نكسر الطالب أكثر مما نحميه.

لقد أصبح طلابنا يعيشون في قوقعة الهشاشة النفسية، ونظامنا التعليمي لا يمنحهم سوى ثقافة آنية، لا تعلّم حقيقي.
إنه نظام يلقن ولا يربي، فيُنتج متعلما يكره التعلم، ويحمل معلومات منفصلة عن واقعه.

إذن، لا نلوم طلابنا على ضعفهم، بل نلوم السياسات التعليمية والأسَر التي سارت على النهج ذاته.

لقد تزامنت التربية الأسرية التقليدية مع التعليم التلقيني، فصارت شريكة في إنتاج جيل هش ضعيف.

وفي النهاية، إن لم نجد سياقات تربوية وتعليمية كما نطمح، فعلينا أن نكونها بأنفسنا.

كونوا لأبنائكم سياقًا تربويا يقوم على تربية جيل واعٍ، مسؤول، وإيجابي، من خلال النهج الإسلامي الواقعي المرتبط بالحياة اليومية، ليعوض قصور المدارس والجامعات، ويسد الطريق على المحتل الذي يسعى لفرض واقع تعليمي مرير.

ومهما تراجع التعليم، فالأجدر بنا كأسَرٍ أن نتقدم في نهجنا التربوي إلى أبعد مدى، لنصنع جيلا صالحا، لا انتقاصا من المناهج، ولكن لأن ما يُلقَّن في اثنتي عشرة سنة يمكن تحصيله في دقائق في عصر الرقمنة.

لا نريد معلومات فحسب، بل قدوة عملية، وتوجيهًا مستمرًا، وتوازنًا نفسيًا وأخلاقيًا.

فلا تندبوا حظّ التعليم، فلو صلحت الأسرة صلح التعليم، وإن لم يكن هناك نظام مثالي بعد.

فالإصلاح يبدأ من بيت يربي قبل أن يعلّم، ومن معلم يوجّه قبل أن يلقن


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى