الاثنين ١٥ آب (أغسطس) ٢٠٢٢
بقلم مكرم رشيد الطالباني

القاصة أحلام منصور تغرق في (الوند)!!

القاصة أحلام منصور، قاصة وروائية كوردية تكتب باللغة الكوردية وهي من مدينة خانقين التي يخترقها نهر (الوند) ويقسمها إلى ضفتين شرقية وغربية والمتكونة من عدد من الأحياء، يعود تاريخها إلى حقب قديمة مذكورة في التاريخ، ويفتخر سكانها الكورد بنهرهم الخالد، نهر الوند، لذا فإن هذا النهر لا يبرح لسان حالهم ولا في أغانيهم ولا ذكرياتهم ولا يبرح بطولاتهم ومآسيهم ولا حتى أشعارهم وقصائدهم وقصصهم ورواياتهم الحديثة، حيث نجد من القصصيين الكورد من سكان هذه المدينة الوادعة القريبة من الحدود الإيرانية من اتخذوا إسم نهر الوند عنواناً لرواياتهم ومن هؤلاء القاصة أحلام منصور التي أختارت (الوند) عنواناً لروايتها الأولى المكتوبة منذ اكثر من أربعة وثلاثين عاماً، لترى النور عام ألفين وأربعة، بعد ان قامت دار آراس للطباعة والنشر بطبع الرواية في حلة قشيبة بين دفتي (206) صفحات من القطع المتوسط، وسبق ان صدرت للقاصة احلام منصور مجموعة من القصص القصيرة في ثمانينات القرن المنصرم.

ومن المعروف عن القاصة أحلام منصور، التي نعرفها عن قرب، وسبق لنا أن عملنا معاً في دار الثقافة والنشر الكوردية ولكن في قسمين مختلفين وأحياناً في قسم واحد، كما كنا ندرس في القسم الكوردي بكلية الآداب بجامعة بغداد في بداية السبعينيات، أنها بدأت بكتابة القصة بعد تعيينها في دار التضامن للصحافة والنشر قبل أن تتحول إلى دار الثقافة والنشر الكوردية بدمجها بالمديرية العامة للثقافة الكوردية، وكثيراً ما كانت تلجأ إلى الكتاب والشعراء والمثقفين الكورد في الدار المذكورة وكذلك الذين كانوا يترددون عليها لتسألهم عن تقديم وتأخير في جملة أو عبارة واردة في إحدى قصصها لتقوم بتعديلها أو تغييرها، كونها لم تكن لتتقن لغة الكتابة بالكوردية ولم تكن لتمتلك خبرة جيدة في هذا المجال، وقد استمرت في محاولاتها في كتابة القصة الكوردية وكانت تكتب في الوقت عينه تلك الرواية التي أكملتها في العام الف وتسعمئة وثمانين، وكانت تعرضها على كتاب وقصصين ولغويين كورد ليقوموا بتعديل وتغيير كلمات أو مصطلحات غير مستساغة أو من لغة أخرى وتنقيحها حتى ظهرت بالشكل الذي تم طبعها.

إن أحلام منصور تريد ان تقول لنا في روايتها الوند إن الصراع الطبقي كان موجوداً في المدينة أيضاً وتتحدث في هذه الرواية عن المآسي التي مرت بها أبطال روايتها لتؤكد لنا بأن الصراع بين الخير والشر لابد أن ينتهي بزوال الشر، وهي من ضمن أبطال الرواية وتشترك فيها لتروي لنا ماجريات ومآسي الأبطال الذين اختارتهم من بين سكان المدينة من الهامشيين والفقراء ومن الذين تقطعت بهم السبل والذين اضطرتهم الحياة اللجوء للعيش في المدينة لتحدث لهم ما تتحدث عنها القاصة في روايتها، والبطلة الرئيسة في الرواية هي (آمة رش) أي آمنة السوداء مرضعة المؤلفة وتبدأ الرواية حين تبحث الكاتبة بين كتبها ومجلاتها القديمة لتجد صورة تجمعهما هي والمرضعة تعود إلى اكثر من ثلاثة وعشرين إلى أربعة وعشرين عاماً مضت قبل كتابة الرواية، وكانت هذه المرضعة تعرف الكثير من أسرار النساء والفتيات والشخصيات الواردة في الرواية وتقوم بأعمال حسنة، غير إنها ولكثرة ما تعرضت إلى مآسي فقد أدمنت على تدخين الحشيشة التي كانوا يعيرونها بها وكانت ترد على كل من يسألها لماذا ادمنت عليها بقولها: (دعك عني إنك لازلت صغيراً ولن تفقه شيئاً بعد!!).

وتجري أحداث الرواية وأبطالها من الرجال والنساء والفقراء وأصحاب المهن من الهامشيين وأحياناً من أصحاب النفوذ، ونمر على أبطال أمثال الحاج الله ويردي وعبدالله بائع المرطبات والحاج فتح الله ورشيد بك المختار وحسن آغا وزوجاتها الأربع ومغامراتها وهتكها لأعراض النساء وخادمتها فاطمة أم مصطفى وابطال آخرين كمصطفى الذي لا يعرف من هو والده أهو حسن آغا أم خادمه (قالة) أي قادر وكذلك بنات حسن توتنجي وطاووس خان وغيرهن، لتمضي احداث الرواية لنجد الصراع على اشده بين من هم الجديرون بها ومن يحاولون الظفر والتشبث بها ومن لا يعرفون إلى أي مصير يؤولون، لتكشف لنا القاصة أسرار الشخصيات وأبطال رواياتها رويداً رويداً على لسان البطلة الرئيسية والأبطال الآخرين، ولتتبين الحقيقة وتقضي القاصة على أبطالها واحداً تلو الآخر وآخرهم (مجة) مصطفى الذي يدعي في خاتمة الرواية بأنه قاتل حسن آغا الذي أراد قتل (آمة) في نهاية الرواية دون أن يجرؤ على ذلك لينتحر هو بكسرة من زجاج المرآة التي أحضرتها له (آمة) ويتم القبض على (آمة) بتهمة قتل الآغا وذلك بعد ثورة تموز الف وتسعمئة وثمانية وخمسين، غير أن (مجة) مصطفى يحضر إلى مركز الشرطة ليدعي بأنه هو القاتل، وذلك لغرض في نفسه بعد أن أكتشف الحقيقة لكي يقضي على مكامن أسرار هؤلاء الأبطال واسرار المدينة المخزونة في ذكرة (آمة)، مدعياً أنه يود رؤية (آمة) لتعتذر منها بسبب إعتقالها بسببه، لكنه يجهز عليها ليخنقها في باحة السجن ويختطف بندقية أحد أفراد الشرطة ليطلق النار على جبينه منتحراً واضعاً نهاية لتلك الاسرار لكي لا يفشي بها أحد بعد الآن!!

إن رواية الوند رواية تكشف عن الجوانب السلبية لمجتمع المدينة ما قبل ثورة تموز 1958 وسنوات قليلة بعد تلك الثورة، يؤخذ عليها أنها أهملت الجوانب المشرقة من تاريخ المدينة وانها أهملت نضال أبناء المدينة وشخصياتها الإجتماعية والطبقة الواعية منهم في مقارعة الظلم والإستعمار والنظم البائدة في تلك الفترة، وتولي الرواية إهتمامها بجانب خفي من حياة نساء المدينة وكأن نساء المدينة يزاولن الرذيلة ويخنن العهد في وقت كانت الأولى بالكاتبة إختيار بطلات من جنسها لترفع بها هامات بني جلدتها ونساء مدينتها أمام الآخرين لا أن تضع إهتمامها بتسليط الضوء على الجوانب السلبية في الحياة الإجتماعية لنساء المدينة وهن بعيدات عن تلك الموضاعات التي تثيرها القاصة والتهم الموجهة لكل منهن وردت عن شخصياتهن في الرواية، ويعتقد كثيرون أن أحداث الرواية قريبة من الحقيقة مع تحوير في الشخصيات وإيراد تهم لبعض النساء للتقليل من شأنهن!!

كما يؤخذ على الكاتبة زلاتها اللغوية سواء في حوارات الأشخاص باللهجة المحلية في خانقين أي (اللورية) أو اللغة الكوردية التي نكتب بها الآن، إضافة إلى الأخطاء الطباعية وبُعد مقاطع الكلمة الواحدة عن بعضها مما يؤدي إلى حدوث إشكال لدى القاريء الذي لا يلم باللهجة المحلية لخانقين التي كتبت بها الحوار بين شخصيات الرواية، كما يمكن إعتبار الرواية معجماً للشتائم والألفاظ البذيئة التي تزخر بها الحوار بين الشخصيات.

إن رواية (الوند) رواية تقترب من الواقع وكأن أحداثها ماثلة للعيان، لهذا نجد الكاتبة وقد نجحت في حبكتها وإضفاء روح الحقيقة عليها، عدا ذلك فإنها حكاية عادية تسترعي إنتباه السامعين والقراء وهي لا تتحدث سوى عن الجوانب المظلمة التي يمكن أن تكون متعمدة من قبل الكاتبة لحقدها على أناس بعينهم وما عانته من مآسي في حياتها الواقعية، فقد قامت بتسليط الأضواء على أحداث لا تستحق أن تكون نواة لرواية عن مدينة عريقة والمبالغة فيها، لذا نجد أن القاصة احلام منصور قد غرقت في رواية (الوند) عوض أن تعبر إلى ضفة الحقيقة والضفة الأخرى من الوند وعوض أن تجعله خالداً يشار إليها بالبنان!!

18 – 11 - 2004

أحلام منصور قاصة وروائية كوردية من مواليد خانقين 1951 ومن باكورة اعمالها: المجموعة القصصية القصيرة (برد ـ الجسر) وعملت في دار الثقافة والنشر الكوردية في بغداد وكتبت رواية (آمه رش) ورواية (ئه لوه ن ـ الوند) المطبوع عام 2004، وفي عام 1991عملت كمحاضرة في كلية العلوم الانسانية ـ قسم الاعلام في جامعة السليمانية كما حاضرت في جامعة كويه. توفيت في 2-1-2013 في السليمانية.

ملاحظة: كتبتُ هذا المقال عن رواية (الوند) للقاصة والروائية الراحلة ولم يتم نشره لذا أرتأيت نشره الآن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى