الجمعة ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
الباحث عبد الرحيم العطري يحاور القاص المصري محمد عطية محمود
بقلم عبد الرحيم العطري

القصة هي ذاتي المتشظية وسؤال الكتابة ماكر ومراوغ

جاءنا مبكرا "على حافة الحلم "، جاءنا محملا بأسئلته الشقية يبغي وطء بيد من اللانهائي، يهتك ستارة المسكوت عنه، يكشف الحلم المغتال، و يؤسس للحظة الولادة، يذكرنا بالإنسان الذي مات في أعماقنا برفقة حيوات و شخوص متخيلة، يهدينا ألقا، يهدينا ألما نكتشف فيه بؤس العالم و ضياع الأنا.
هذا هو القاص المصري محمد عطية محمود، مبدع يدمن النقد و المساءلة، يسافر في تشظينا و انكسارنا الأبدي، يهفو إلى اقتحام مناطق العتمة، لهذا سيصر مرة أخرى على " وخز الأماني " الهاربة منا، ليؤكد لنا بالملموس أنه زمن اللامعنى و الانتهاء، و مع ذلك يدعونا في كل حين لاعتناق الأمل و صناعة الحياة.
على حافة الحلم كان انشقاقه البكر و مع وخز الأماني أهدى للقارئ المصري و العربي مجموعة قصصية أخرى مارس من خلاله الفضح و التعرية لواقع موغل في الرداءة و العفن، و في هذا الحوار نكتشف مع محمد عطية محمود ملامح أخرى من حسه الإبداعي و انشغاله العميق بداء الكتابة، إليكم هذا الحوار.

سؤال: في رحاب القصة يلتمع إسم المبدع محمد عطية محمود ترى لماذا هذا الاختيار؟ لماذا القصة ابالدرجة الأولى؟

جواب: أولآ أشكرك على اتاحتك هذه الفرصة لشخصى المتواضع، لحوار أراه مهمآ على المستويين الشخصى و العام، وثانيآ دعنى ألج معك الى هذه المنطقة الساحرة من حياة كل مبدع، والسؤال المحير.. لماذا هذا الاختيار، القصة بالنسبة لى هى لحظتى الآنية المتفجرة بعمقها و سطحيتها على حد السواء.. القصة هى ذاتى المتشظية، كسائر خلق الله المهمومين، والمحملين بهم الفن المؤرق، وهم اللحظة الآنية التى لا تنسلخ أبدآ عن الذات...

سؤال: سؤال الكتابة والانكتاب يظل حارقا بالنسبة لكل مبدع، ربما لأنه سؤال البدء وربما الانتهاء، فلماذا يكتب القاص محمد عطية محمود؟

جواب: لماذا أكتب.. سؤال ينطرح على نفسى يوميآ منطلقآ من نفسى.. يعذبها.. يضنيها.. يلقيها فى دوامات النجاح والفشل، ومن قبل ذلك يوجد فى أعماقى صوت آخر يصد السؤال، و يطرحه جانبآ..يعضده هذا الحماس الملهم.. الموحى، الذى لا تملك حياله الا الجنوح و الامساك بتلابيب الفكر والعقل والقلم و القلب معآ.. عمومآ هو سؤال مراوغ يحمل كل يوم علامة استفهام جديدة، تنطرح أرضآ كلما عاودتك الرغبة فى الكتابة، وبث شحناتها الحارقة وربما كان السؤال كما طرحتم سؤالآ لبدء المعاناة، وربما كان فرضآ مكن فروض الظفر بعمل أدبى يتحقق بين يديك، بعدما كان جنينآ فى غياهب ذالتك

سؤال: اتصالا دوما بسؤال الكتابة أو الانكتاب، هل للقاص محمد عطية طقوس خاصة بالكتابة؟ هل ثمة طقوس مادية أو رمزية هي التي تؤطر فعل الكتابة لديكم؟

جواب: الكتابة لدى هل حالة من الهيام، قطعآ بعد قطع مسافة طويلة من الجدوى وعدم الجدوى، وأمنيات التحقق من هوية الابداع.هذه الحالة من الهيام ربما صاحبتها طقوس هيأتها ظروف معينة من جو خال أو نشوة يحققها هدوء نفسى فى حالة ما، و ربما جاء فعل الكتابة على أنقاض جلبة و ضوضاء وعبث أو ربما فى أعقاب ذلك. عمومآ هى الهم المراوغ الذى لا تستطيع التحكم فى أدائه بطقوس أو بمهيئات أو خلافه

أذكر أننى فى بعض الأحيان التى يضيق بىّ فيها المكان، لا يحتوينى الا ركن المقهى الغاص بصخب مرتاديه و ( طقوسهم )؛ فأكتب ما لاأستطيع كتابته فى جو مهيأ للفعل الابداعى، و ربما جلست فى هذا الطقس / المناخ مرة أخرى لتعترضنى رياح لا تنتج أدبآ و لا حتى قراءة متأنية.. أخلص من ذلك الى أن الكتابة لدى، لا تعنيها الطقوس بقدر ما يعنيها التوحد المنتج لما أسميه ابداعآ

سؤال: في أغلب إبداعاتك القصصية يلوح الحلم كتيمة مركزية، هل هي رداءة الوقت هي التي تدفع المبدع فيك نحو مرافيءالحلم هربا من خبث الواقع و عهره؟

جواب: مما لا شك فيه أن الكتابة الأدبية، فى بعض دروبها تمثل جنوحآ ونوعآ من الهرب ماديآ كان أو معنويآ. و الحلم فى كتاباتى تناولته مرحلتان من التنوع و التمركز على معنى، يختلف فى كل مرة باختلاف المعالجة التى أضمنها رؤيتى القصصية؛ فالحلم فى مجموعتى القصصية البكر " على حافة الحلم " كان حلمآ نفسيآ.. تتنازعنى فيه هذه الرغبة فى الخروج الى عالم أفضل تتهيأ فيه عوامل جديرة باختراق واقع صعب ـ شبه شخصى ـ لكنه يميل الى اسقاط هذه الرؤية على جيل بأكمله، ربما لم تساعده الحرفية الكتابية لدى فى هذه الفترة التى كانت بداية ولوجى ميدان القصة القصيرة، وأتونها المستعر..

لكن تيمة الحلم قد تبدو بصورة ملتحمة مع الواقع المر فى مجموعتى القصصية الأجدر بالتعبير عن مشوارى كقاص يدرك بعضآ من أصول اللعية القصصية، على ما أزعم و أرى، و هى مجموعة " وخز الأمانى " التى عانقت هذه التيمة من الحلم المشغول بالواقع والملتحم به

و مما لا شك فيه أيضآ أن هذا الحلم سواءآ كان منفصلآ عن الواقع أو متصلآ به فانه يحمل هذا النزوع الى معارضة خبث الواقع وعهره، و يسهم على ماأعتقد فى كشفه و ضحد افتراءته المتعللة بضربات القدر، و القدر برىء منها.

سؤال: تيمة الإنسان تظل هي الأخرى أكثر تجذرا في متنك القصصي، فهل هذا دليل واضح على أن قصصك هي محاكمة رمزية و أدبية لواقع قرر عدم الارتفاع، و لعصر يشي بموت المعنى و موت الإنسان؟
جواب: لا أدعى أننى أحمل لواء محاكمة الواقع، بقدر ما أنا منشغل بالهم الانسانى عمومآ، مما يجعل كتاباتى تدور حول هذا المحور الذى تتكاثف على سطوحه كل المؤرقات التى تعترض كيلن الانسان بكل ما يعطله عن مسيرته التى خلق لها، والمختلط فيها القدرية مع الاختيار، الذى لو اتيح له فى واقعه، لما استطاعت أن تطيح به الأنواء فى ظل من عقيدة يختارها وعيه، واحساسه بخالقه من خلالها.

سؤال: من خلال انشغالك العميق بالشأن الثقافي كيف تقيم من موقعك كقاص واقع المشهد الثقافي المصري؟

الجواب: المشهد الثقافى المصرى يمر بمنعطف من منعطفاتها الجادة، التى تتجدد فيها دماؤه دائمآ، و هناك أسماء تطرحها الساحة، تنبىء من بينها بظهور أسماء لامعة تستطيع حمل لواء الأدب بصورة لا تقل عن أجياال الرواد و السابقين

سؤال: التحقكتم مؤخرا باتحاد كتاب الإنترنيت العرب، كيف ترون هذا الإطار الثقافي، و ماذا تتوقعون من هكذا مؤسسة؟

جواب: أرى أن هذا الاطار جدير بأن يفعل شيئآ جادآ، بعيدآ عن الأطر البيروقراطية العقيمة التى تتحكم فى ادارة الشأن الثقافى، و يصيبه اهماها فى فقد الكثير من الاهمية التى يكتسبها أدبنا العرب من خلال مبدعيه الذين عانقوا الهم الانسانى العالمى، و تغاغلوا فيه..

و أتمنى، و أتوقع أن تكون هذه المؤسسة نقطة ضوء تحملنا الى المزيد من التماسك و الترابط و الحب و الابداع الجميل، و المعرفة التى خلقنا الله من أجاها، اننير بها دروبنا المظلمة... و شكرآ جزيلآ ، و تحياتى الحارة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى