الاثنين ١٢ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم يوسف علاري

النافخ والمنفوخ

البالون العظيم وجوقة النافخين.

لا طغيان بلا عبيد، ولا دكتاتور بلا جوقة من النافخين، يتنازلون عن كرامتهم لينفخوا في كيانه الهش، كما ينفخ الطفل بالونًا صغيرًا ملوّنًا حتى ينتفخ ويعلو في الهواء، فيظن أنه سيِّدَ السماء والأرض وما بينهما. لكنه، في الحقيقة، لا يعدو أن يكون وهمًا أو فقاعة تنتظر إبرة الحقيقة لتنفجر، فتتلاشى، ويغدو ذكرُه نسيًا منسيًا. أما من كانوا حوله، فيفرّون، متفرقين. ولعلّ في تاريخنا العربي الحديث من الأمثلة ما يكفي ويغني.

السلطة الدكتاتورية: وهم الألوهية الأرضية

لا يختلف اثنان على أن كثيرًا من الأنظمة العربية تحكم بعقلية "الحاكم الإله"؛ ذلك الذي يرى أنه معصومٌ من الخطأ، ويعامل كل معارض له كما يُعامل من يكفر بالمقدّسات.

لكن الأخطر من ذلك، هو وجود طبقة سياسية وإعلامية منافقة، وظيفتها الأساسية تبرير أفعاله وما صدر عنه من قول أو إشارة، ليظل في أعين الجماهير مُعظَّمًا ومهابًا.

هؤلاء النافخون هم من يجعلون من الحاكم بالونًا ضخمًا، يملؤونه بكل نعوت العبقرية والبطولة، حتى إذا ما ثقبه واقعٌ بسيط، انهار في لحظة. هم يعرفون أنهم يكذبون، ويعلم الحاكم وأعوانه أنهم يكذبون، ومع ذلك تستمر اللعبة، لأنها تخدم مصالح الطرفين: الحاكم يبقى مغمورًا بتمجيدٍ زائف، والنافخون يضمنون مواقعهم وامتيازاتهم.

المجالس النيابية: مسارح النفاق المنظّم

أكثر ما يُثير السخرية والغضب أن يكون من ضمن هؤلاء النافخين أعضاء في المجالس النيابية، المفترض أنها تمثل الشعب. لكن حين تسمع بعض خطابات النواب العصماء في تمجيد "سيدهم"، تظن أنهم يمثلون الحاكم أمام الشعب، لا الشعب أمام الحاكم، وأنهم حُرّاس الحكومات، لا حماة حقوق المواطنين الذين انتخبوهم.

تبدو مداخلات بعض النواب أقرب إلى تبرير سياسات السلطة والثناء عليها، بدلًا من مساءلتها أو الدفاع عن مصالح من انتخبوهم. هذا الانحراف عن الدور الرقابي والتشريعي يُثير تساؤلات مشروعة حول حدود العلاقة بين ممثلي الشعب والسلطة، خاصة حين يسابق النواب بعضهم في حياكة المدائح وتقديم فروض الطاعة والولاء للحكومة.

في المجالس النيابية العربية، خفتت أصوات الحكماء، وارتفع صخبُ الأقزام الوصوليين، أولئك الذين يزحفون على بطونهم، يلمّعون أحذية الطغاة بكلماتهم المعسولة، ويساومون على ضمائرهم في مزادات المصالح. تراهم في كل وليمة، يلوكون الشعارات كما يلوك الجائع الفتات.

يتحدثون عن "الحكمة النادرة"، و"القيادة الفذّة"، و"العهد الميمون"، وكأنهم يتلون من كتابٍ مقدّس، بينما الوطن ينزف، والجوع ينهش الشعب، والعدالة تُدهس، والكرامة تُباع في المزادات.

يكفي أن ترى أحد ممثلي الشعب يخطب في البرلمان، لتدرك أنك أمام ممثل هاوٍ يؤدي دورًا يفوق قدراته، في مسرحية هزلية يعرف الجميع نهايتها، ورغم ذلك يستمر التمثيل.

في ظل هذه المعطيات، يصبح من الضروري إعادة التذكير بوظيفة المجالس النيابية كمؤسسات تمثيلية مستقلة، هدفها الأول والأخير هو خدمة المواطن والصالح العام.

فلا معنى لمجالس نيابية تُجالس السلطة وتُجافي الشعب، ثم تعود لتبيعه الأمل في موسم انتخابي جديد، بئس المجالس التمثيلية تلك، وبئس الممثلون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى