الأحد ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠
بقلم محمد زكريا توفيق

باثر بانشالي «أغنية الطريق»

هو فيلم هندي من إخراج وإنتاج "ساتياجيت راي" عام 1955م. أثناء زيارته لمدينة لندن، شاهد الفيلم الإيطالي "سارق الدراجة" من إخراج فيتوريو دي سيكا، والذي يمثل الواقعية الجديدة، فأعجب بواقعيته وموضوعه. لذلك قرر راي أن يكون مخرجا، وبدأ بفيلم "باثر بانشالي" على هذا النمط.

أخذ راي رواية الأديب البنغالي "بيبهوتيهوهان بانديوباديهاياي" التي كتبها عام 1928م، لعمل الفيلم. تكاليف الإنتاج كانت مشكلة طول الوقت. المساعدة جاءته من متحف الفن الحديث بمدينة نيويورك عندما أعجب مسؤول المتحف ببعض لقطات الفيلم التحضيرية.

هو أول أفلام المخرج راي وأشهرها. عند أول عرض في الهند وفي متحف الفن الحديث بنيويورك، قوبل الفيلم بحماس وإعجاب شديدين. جواهرلال نهرو، رئيس وزراء الهند في ذلك الوقت، كان من أشد المتحمسين للفيلم، بالرغم من تحفظ باقي أفراد الحكومة، بسبب عرض الفيلم لمشاهد الفقر المدقع في الهند.

فاز الفيلم ب 11 جائزة عالمية، وعندما عرض في مهرجان كان عام 1965م، فاز بجائزة أفضل الأفلام الإنسانية.

فيلم، "باثر بانشالي" أو "أغنية الطريق"، هو الأول في ثلاثية "ابو"، أو "أوبو". وهي قصة حياة الطفل ابو، الذي نشأ في قرية فقيرة بالبنغال بالهند. الأب فقير دقه، يحلم بأن يكون كاتبا أو شاعرا. يكسب قوت يومه بالكاد.

يعيش الطفل ابو مع: الأب "هاريهار"، الأم "سارباهايا"، الأخت "دورجا"، أو "دوجا"، وابنة عم الأب طاعنة السن "أندير". وجود أندير في الرواية يخلق توترا عالي المستوى بسبب ما تلقاه من معاملة سيئة واستياء من الأم. أندير امرأة عاجزة طاعنة في السن، تمشي بعكاز منحنية كالرقم ستة. تحتاج لمن يعولها كطفل.

عندما سرقت دورجا حبة مانجو لكي تطعم بها أندير، غضبت الأم غضبا شديدا، واتهمت العجوز بأنها تشجع ابنتها على السرقة، ثم قامت بطردها من المنزل. الأم تريد تربية ابنتها على الفضيلة.

عادت أندير بعد يوم واحد قضته في بيت أحد الأقارب. يزداد التوتر بين الأم وأندير، عندما تأتي أحد الأقارب لتتهم الابنة دورجا بسرقة عقد (قلادة) من بيتها. فتنكر الأم بشدة.

دورجا وأخوها ابو، يقومان باللعب خارج المنزل. يراقبان القطار وهو يمر ومحطة الكهرباء من بعيد. في نفس الوقت، الأم تقوم بطرد أندير للمرة الثانية. في الطريق إلى المنزل، يجد الطفلان أندير ميته وسط الغابة.

الأب هاري يغادر المنزل للبحث عن دخل يقيم أود الأسرة، تاركا زوجته بدون نقود. أثناء غياب الأب، تصاب دورجا بالتهاب رئوي بعد لعبها مدة طويلة في المطر خارج المنزل. ثم تستسلم للمرض وتموت.

عندما عاد الأب متفائلا بعد طول غياب، لكي يخبر عائلته بحصوله على بعض المال ومعه هدايا لأفراد أسرته، وساري (فستان) جميل لابنته دورجا، علم بموتها المفاجئ.

الموسيقى التصويرية للفيلم رائعة، لكن الموسيقى الخاصة بهذه اللقطة، لن تجد مثلها في قوة التعبير في أي فيلم آخر. الموسيقى من تأليف الموسيقار الهندي العظيم رافي شانكار.

صوت الناي الحزين وآلة السيتار والطبلة، ولا شئ آخر. لكن موسيقى الفيلم سيمفونية رائعة، غذاء للروح والبدن لمن يحب الموسيقى الأصيلة، ويريد شيئا أفضل من "بوس الواوا".

التصوير على الطبيعة في أحراش البنغال حيث تعيش الأسرة. بالرغم من أن التصوير أبيض وأسود، إلا أن المناظر الطبيعية أكثر من رائعة. كل لقطة، لوحة فنية فريدة في حد ذاتها، تصلح وضعها على حائط الصالون. الفيلم يخلو من "الآكشن"، لكنه ملحمة إنسانية بكل المقاييس.

هنا يقرر الأب الانتقال بالأسرة إلى مكان قريب من النهر حيث تتوافر فرص أحسن للعمل. بينما هم يجمعون متاعهم وأشياءهم، يجد ابو العقد الذي أنكرت دورجا سرقته من قبل، مخبوءا في إناء طول الوقت.

يتسلل ابو ومعه العقد، لكي يلقي به في بركة مجاورة. وقف ساهما يراقب النباتات الطافية على سطح البركة وهي تتجمع مرة ثانية مكان سقوط العقد لكي تعود لمكانها الأصلي، كأنها تريد أن لا يعرف أحد مكانه. لقطة إنسانية من الروائع.

يعود ابو لأسرته دون أن يخبر أحدا بعثوره على العقد، ليلحق بالأسرة التي تتجمع وتستعد لمغادرة المكان على عربة كارو تجرها الثيران.

بعض الملاحظات على شخصيات الفيلم:

الزوجة سارباجايا، شابة جميلة هي مركز العائلة. تعيش في فقر مدقع، لكنها قوية مكافحة كما يجب أن تكون عليه المرأة الريفية. لم تستسلم للفقر وترفع الراية البيضة.

تحاول الاستمرار والبقاء على قيد الحياة هي وأولادها في هذه الظروف القاسية. تخلت عن أحلامها من زمان. هي الآن تعيش لهدف واحد. حماية أطفالها بقدر الامكان. زوجها متعلم، لكنه فقير دقة، قليل البخت والدخل، يعمل في وظائف مؤقتة إن وجدت.

على الزوجة الاستمرار في هذه الحياة، وخصوصا بعد فقدها المفاجئ لابنتها. رحلتها بعد الفاجعة أصبحت مملة. نجدها دائما حزينة قلقة. نادرا ما تبتسم. تفرغ همها وغضبها في المسكينة أندير العجوز قريبة زوجها، وعلى ابنتها دورجا قبل وفاتها.

هاريهار الأب، رجل متدين راضي بقليله وبالمقسوم والمقدر. يحاول أن يكون كاتبا أو شاعرا. يقبل أية وظيفة يمكنها أن تغطي احتياجات أسرته. يصبر على عدم حصوله على أجر لمدة ثلاث شهور ولا يعترض خوفا من فقد وظيفته. منتهى الذل والاستكانة والضعف.

يذهب للمدينة ويغيب مدة طويلة للعمل والحصول على بعض النقود. عندما يرسل خطابا بقرب عودته، يفرح اطفاله وتبتهج زوجته، ونسمع من الموسيقار راجي شنكار وهو يصف الحالة، موسيقى أرق مايمكن، مثل النسيم العليل.

لكنه عندما يعود، يجد ابنته الحبيبة دورجا قد ماتت. بعد ذلك ينتقل هو وأسرته من البيت الذي ورثه عن العائلة، محاولا تغيير عمله وسداد ديونه الكثيرة والهرب من الظروف التي لم تنصفه يوما ما. هو بعكس زوجته، متفائل يحلم. يعتقد أن الأمور سوف تتحسن في المستقبل. وأن الرب له حكمته في ذلك.

دورجا الابنة، طفلة حنونة عطوفة على عمتها أندير وقريبة منها. تسرق الفاكهة من حدائق الجيران لتطعمها. أثناء هطول الأمطار الموسمية، تمرض وتموت.

موتها تسبب في ترك العائلة للمنزل الذي عاشوا فيه. هي أيضا حالمة تريد أن تعيش وتكبر وتتزوج كأي بنت. ليست متفانية في أعمال البيت مثل أمها، أو كما تريدها أن تكون. تسعدها أشياء صغيرة بسيطة تافهة. قريبة من أخيها الصغير ابو. تلعب معه طول الوقت.

ابو، هو الطفل الأصغر في العائلة. يشاهد موت عمته أندير وأخته الحبيبة ولا يفهم معنى الموت ولا يدري سبب الفراق. مرهف الحس واسع الخيال. كريم النفس، تخلص من العقد المسروق وأخفى الخبر عن أمه وأبيه حتى لا تتلوث صورة أخته عندهما.

أندير، العمة العجوز. طاعنة في السن منحنية الظهر، فاقدة الأسنان، نحيفة تمشي بعكاز. كل ما تملكه في هذه الحياة، صرة أو بقجة ممزقة ليس بها شئ. ليس لها أحد يعطف عليها غير الطفلة دورجا.

تقبل الفاكهة من دورجا، بالرغم من معارضة الأم التي تتهمها بإفساد ابنتها وحثها على السرقة. أندير لا تعرف إلى أين تذهب أو بمن تستجير وهي في هذه السن الطاعنة. تعاني من الفقر أو ما هو تحت الفقر وكبر السن.

تموت وحيدة في الغابة كما تموت الحيوانات، منتهى القسوة، بعد أن طردتها الأم من بيت العائلة خوفا على ابنتها. ونحن نتساءل مع الفيلم، ماذا يفعل كبار السن، الذين لا حيلة لهم، عندما يصابون بالفقر والشيخوخة وجحود الأقارب؟

الفقر هو موضوع الفيلم. العائلة ليس لديها كهرباء لأو ماء جارية. الماء يحصلون عليه من البئر بعناء. يكافحون للخروج من دائرة الفقر المحكمة حول رقابهم. الفيلم يصور لنا بصدق صعوبة الحياة وقسوة الفقر وعمق الألم الذي يسببه للغلابة والناس الطيبين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى