بمناسية مهرجان القاهرة الصيفى بالاسكندرية
لعبد الوهاب أغنية جميلة قديمة غازل بها المطرب الممثل حامد مرسى فتيات سينما ما قبل الألوان، وأنتقلت (من قبل أو من بعد) للشوارع تتمشى بألسنة المراهقة، وما بعد المراهقة فى دروب أحلام البنات وصولاً لقلوبهن:
كلنا نحب القمروالقمر بيحب مينحظنا منه النظروالنظر حيرضى مينوكعادة المصريين أشقْلب بعض الكلمات مثلما فعلت المطربة شادية وهى تشاكس إسماعيل ياسين بأغنية جديدة وقتها. قديمة الآن. وهى أيضاً لعبد الوهاب:أنت. أنت.ولا أنتش دارىبقّك أنت ممر تجارىوالشطر الثانى: هو مقلوب لشطر الوهابى:أنت. أنت.نعيمى ونارىواللى باحبه. برضه أنتوسأفعل مثلها، ومثل المصريين، مع الأغنية الأولى:كلنا نحب السينماوالسينما بتحب مينحظنا منها النظر لمشاكلناوالنظر ماعادش يرضى التعبانينملحوظة: كسر الوزن يتماشى مع كسر رقبة إيقاع الحياة المصريةالسينما تحب جيوبنا. لاقلوبناتحبنا عجولاً تحلب مشاكلها تصنعها وتلفها بشاشاتها وتبيعها لنا.بينها وبين عقولنا ثأر بايت لانعرف له سبباً
تقتات من همومنا.ترتدى هدومنا.تصنع لنفسها شوارع تشبه شوارعنا..تسرق حناجرنا.. نبراتنا الصوتية.. تنظفها من أرواحنا عبر الهندسة الصوتية.. هى غول لايشبع.. هى تتمنى ألا تنتهى مصائبنا حتى لاتنتهى هى أيضاً.. هى الآن فى قمة السعادة..لماذا؟..صار المصريون يبتكرون مصائب من نوع جديد انعشت السينما التى ستقترب أفلامها – لمرة أخرى منذ سنوات – من الستين.سن إحالة البشر إلى المعاش. والكم المناسب من الأفلام التى منها ينطلق الكيف الذى زاد عن ثلاثة أفلام مع نهاية الشهر السابع لهذا العام.. وهذا لم يحدث لسنوات.
على المصريين أن يضربوا لعام واحد فحسب عن ابتكار المصائب، ومهما ابتكرت حكوماتهم من قرارات لمزيد من صنع المصائب.. عام واحد فحسب، حتى تأكل السينما نفسها بنفسها، فيصبح الستون فيلماً، ستة أفلام فحسب، والباقى ظلالا شائهة تذوب فى النسيان مع نهاية أول أسبوع لعرضها.
نحن فى حاجة إلى استعارة سلمى حايك من فيلم يسرى نصر الله (إحكى يا شهرزاد)
وتقول للسينما ولمهرجانها القاهرى المنعقد بالإسكندرية ما قالته للتليفزيونية هبه يونس: أنتى ما شفتيش بعنيكى.. تقصد: ماشفتيش بعنيكى ناس الاسكندرية التى تحولت إلى مجرد شط فى كروت الأغانى البوستالية،بدءاً من فيروز حتى محمد قنديل ومحرم فؤاد.. بارك الله فى صوت هدى سلطان وعزت عوض الله. هما الوحيدان تقريباً اللذان أحسّا بسكندرية الإسكندرية.
وكما تحولت الاسكندرية إلى مجرد شط فى الأفلام والأغانى، تحولت إلى فندق فى طرف المدينة فى منطقة يندر بها بيوت الشعبيين من الناس الذين يبدو أن السينمائيين يخشونهم، وكأن ليس من بينهم من يتذوق الفن ويترقرق دمعه مع آخر مشهد لهبه يونس التى كأنت تعتمد على حركة ساقى المعد التليفزيونى، وعيناه، كما تعتمد السينما على السيناريست. لكن هذا الأخير هو أيضاً صار يلتهم صحافيو الجرائد. خاصة صحافيو أقسام الحوادث والتحقيقات، والتى صار لها جريدة خاصة هى (أخبار الحوادث)
فى تواز مع جريدة (أخبار النجوم)، وجريدة (أخبارالأدب) الذى استطاع الروائى جمال الغيطانى أن يتفلفص بها من قبضة مدرسة أخبار اليوم. وعقبال الاسكندرية يوم أن يتفلفص مهرجانها من قبضة القاهريين.
ويظهر ذلك جلياً فى مهرجان القاهرة الصيفى المنعقد بمدينة الاسكندرية التى التهمت السينما أبشع حادثة فى تاريخها الكوزموبوليتى التى يتغنىّ بها – كموضة – المثقفون الذين لم ينعم آباؤهم بالاسكندرية،إذ ظلّوا مسجونون فى مثلث ضيق أضلاعه هى: محل العمل / المقهى/ البيت.........
التهمت السينما حادثة الأزمة الاقتصادية العالمية فى صورتها المحلية الاجتماعية المسماة ريا وسكينة، ولم يهتم صنّاع الإعلام بذكر ضلعهما الثالث (عبد العال) ليكتمل مثلثهما.كأنت الجريمة – كأى عمل – حكراً على الرجال حتى هذا الوقت. والنساء كومبارسات..ربما الرغبة فى كسر القاعدة هو ما دفع المجتمع الذكورى لتبنى تلك الحادثة فى وعيه الإجرامى كى تكون مبررا لكسر ضلوعها كلها،فإن طلع من كل ضلع مكسور منها ألف ضلع – حسبما تقوله المقولة الشعبية – صارت قضبانا منها وعليها. قضايا تثقلها عن الحركة اللازمة لفعل الشر أو الخير. ألا تفكر مخرجة سينمائية فى تناول حادثة ريا وسكنية ؟.. ومَنْ من الممثلات ستكون فى قامة نجمة ابراهيم التى تلتهم الشاشة بجمهورها من بصّة عين واحدة مقذوفة بنبرة صوتية ترجرج قلب المتفرج.
من سلالتها – للذى لايعرف – الناقدة المتوحشة خيرية البشلاوى. كلمتها الناقدة كعصا موسى تلقيها كل أحد فى جريدة المساء المصرية، فتلتهم الكثير مما كتبُ بسطحية عن الأفلام، كى يتفرّغ الذوّاقة من القراء لكتابات (الخمسة جيم) لا(الخمسة نجوم) من محترفى المهرجانات. الكتابات الجيدة الجادة الجريئة الجميلة، والجديدة على الحياة النقدية المصرية، والتى يمثلها من الشباب الجديد، والأقدم منه قليلا: عصام زكريا / رامى عبد الرازق / إسلام حامد / ريهام جودة/ إيهاب تركى.......
قارئى العزيز..
معذرة أن كنت مازلت واقفاً عند السطر المذكور فيه:مهرجان القاهرة الصيفى المنعقد بأطراف الاسكندرية، والمسمى زوراً وبهتاناً: مهرجان الاسكندرية السينمائى الدولى، وهو ليس ذى صلة بناس المدينة , هم شلل قاهرية تعودت على استهلاك الاسكندرية كمشهد أو أكثر فى فيلم يمنح حجة قوية كى يتمتع المتفرجون بكامل سيقان وظهور النجمات السينمائيات فتنهمر الأموال على جيوب المنتجين.
او استهلاكها كمحتوى لقصة (مثل فيلم رصيف نمره 5) يمثلها قاهريو الإقامة أو الميلاد. لا الاسكندرانية الذين يتسوّل فنانوها بصّة لكتف من أكتافهم، لا لقطة أو نصف لقطة..وكأن روح سليم الاول العثمانلى تلبست روح المنتجين القاهريين الراغبين فى تفريغ الاسكندرية من مواهبها لصالح المركز. العاصمة. ومن يتبقى منهم فليرضى بالفتات.
وأعود مرة أخرى إلى من تعلمت من حروفها المسائية كل أحد..إلى خيرية البشلاوى التى لا تخدرك بشاشة السينما المبللة بدارميتها، بل بحروفها المبللة بأنفاسها المصرية الخالصة لوجه السينما الجيدة، وباقى الخمسة جيمات، لالتسلب قراءها ذهبهم. بسبب بسيط. هو انهم لايملكون الذهب. بالكاد يوفرون من مصروفهم اليومى ثمن تذكرة السينما. ولكن لفتح أدمغتهم وإزاحة الغبار الذى ينخر أذهانهم التى هى أثمن رأس مال، إما أن تحتقره الدولة، أو تحتكره، إذ هو (الذهن) مغارة على بابا المملوءة بالذهب والياقوت والمرجان واللؤلؤ والالماظ وأحمدك يارب.
لكن ابو سريع دوماً موجود
توربينى. لايقف على محطات كى يستريح ولو لدقائق
معدل سرعته: كل يوم مقالان أو ثلاثة
وأبو سريع فى زمن التخلف له عصابة من عشرات الملايين. مليون ممن يشبهونه ويتحالفون معه لقتل أمثال خيريه بابا وماما النقد السينمائى والباقى من هؤلاء الذين يتبعون جحا الواثق من أن اللص لم يصل إلى مؤخرته بعد.
خيرية الآن هى رئيسة نهاية الربع من الأول من مهرجان القاهرة.وكنت أعتقد أنها ستبدأ فصلاً جديداً يعتمد على الشباب السكندري الواعى سينمائياً، وله أفلام قصيرة جيدة، لكنها لم تشأ الاختلاف الجذرى عن المهرجانات السابقة. ذلك عتاب من واحد تتلمذ على كتاباتها. وقد يكون لها العذر لاأعرف.
وعلى المهرجان أن يعود لما أراده الصحفى الناقد محمد صالح، وفذه، رغم المعوّقات، حسبما جاء فى مقال الناقد نادر عدلى عنه (ص-184) من كتاب المهرجان:
(تكريمات وذكريات) الذى ذكر فيه ماقاله محمد صالح فى مقاله الافتتاحى بكتالوج المهرجان للدورة الخامسة عشر:
(ان أول قرار أتخذه مجلس الإدارة فى الاجتماع الأول هو ضرورة الخروج من أطراف المدينة، والنزول إلى عمقها، إلى قلب الثغرة، ليكون المهرجان بين السكندريين جميعاً).
أرجو أن يتم تفعيل هذا القرار العام القادم، مع تغيير أسم المهرجان، وفى حالة الإصرار على التخفى وراء أسم الأسكندرية حتى لايختلط الأمر على الفنانين القادمين من الخارج بين مهرجان القاهرة الشتوى، ومهرجان القاهرة الصيفى، مثلما ما كان قبل الثورة من مكانين لمجلس الوزراء. شتاءاً بالقاهرة. وصيفاً بالأسكندرية. ففى هذه الحالة على المهرجان أن يحترم الاسكندرية بمن فيها من شباب سينمائى
