الأحد ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم عز الدين جعفري

بيئتي تتحول

الإهداء: إلى أطفال العالم.. إليكم جميعا.. محبتي وعرفاني

مدخل: لا تقتل البيئة كي لا تقتلك.

أنا بلال، وأطفال قريتي يعرفونني، ويعرفون وقع خطواتي، أنا من ولدت على صيحة الديكة على فروع الأشجار، وقأقأة الدجاجات في الخمّ وحدها من احتفت بمجيئي إلى هذا العالم المسكون بأوجاع كثيرة، ووجع الآخر وجعي أنا هذي هي بطاقة هُويتي، مقيم في أرض الله، ولا انتماء لي إلا لهذه الأرض الطيّبة الطاهرة هذا هو موطني، موطن أبائي وأجدادي، أعدكم زملائي بأني سأخدم وطني مادمت حيّا هذا وعد مني، وعربون إخلاصي، ونزاهتي، أعدكم، ووعد الحرّ دين عليه بأني سأعيد لبيئتي وجهها الذي لوثته أيدينا.

هنا كانت فراشة، هناك سنونوة تحمل في منقارها ريشا، وطينا لتبني عشّا جميلا، هناك طير نورس يرصد صعود سمكات صغيرة فوق سطح البحر، في الجهة المجاورة للميناء طير حمام يلتقط حبات فرينة سقطت من شاحنة قيل أنّها مرّت من هنا كما تمرّ الطيور المهاجرة، هناك وليس ببعيد عنّا نقّار خشب يثقب شجرة راسما عشّه بدقة محكمة كم كانت رائعة بيئتي، يوم كانت تلك الأنهار، والينابيع، والشّلالات، والغابات تبهرنا، وتدهشنا بجمالها الخّلاب، وحدها الطبيعة تملك الدّهشة. عشت على إثرها أياما مرحة كنت أقفز بين أحضان الطبيعة مزهوا بأشيائي كان هذا يوم كانت بيئتي نظيفة خاليّة من هذي النّفايات التي انتشرت كطحالب خضراء جنب ضفاف الوادي، لست أدري ما الذي يجري؟.كلّ ما أعرفه أنّ الناس كانوا يسهرون على نظافة الأمكنة، وللأمكنة نكهتها حين تكون نظيفة بعد فترة زمنيّة ليست بطويلة انقلبت فيها الموازين، وتعطلت الحياة، فلم يعد أحد ينظف حارته، فاستحالت تلك المساحات الخضراء إلى مزبلة كبيرة، وانتشرت الروائح الكريهة، ووصلت إلى البيوت، وعشّشت الحشرات، وفرّخت مما ألحقت بالنّاس أذى، وأمراضا.

صراحة أنا لست بخير ما دامت بيئتي لم تسلم من هذه النّفايات، نفايات أتت على البيئة دافنة كلّ ما هو جميل، لذا أنا لست بخير يا أصدقائي، وبيئتي أيضا ليست بخير، لقد كانت بيئتي جميلة جمال قلوبنا يوم كانت قلوبنا عامرة بالمحبّة والرحمة، والشفقة، والآن لست أدري ما الذي يجري؟.

ردّ سليم: ما يجري الآن بما كسبت أيدينا، والعالم شريك في ما يحدث يا صديقي لن يشاركنا أحد، كلنّا في الهمّ سواء مادامت قلوبنا قاسيّة، لقد صارت كالحجارة، ومن الحجارة ما يتفتت ويخرج منه الماء، هل أنت تسمعني، أم أنا أنفخ في الهواء؟.-ردّ أحمد:وما العمل يا صديقي؟.

علينا جميعا أن نشفق على بيئتنا، ونحبّ بعضنا بعضا حتى نعيد المحبة لقلوبنا، والصفاء، والنقاء لبيئتنا، بيئتنا في خطر يا أحمد.

 ونحن أيضا في خطر، فلنضع اليد في اليد لنكون أفرادا صالحين، علينا أن نساهم في المحافظة على بيئتنا قبل أن نصير في فمّ الذئب، علينا أن نكون أفرادا ايجابيين، ومسالمين ليس مع النّاس فقط، وإنّما مع بيئتنا لأنّ السّلام الحقيقي لم يعد مجرد مسالمة بين البشر، والبشر، بل هو في الأساس مسالمة بين البشر، والبيئة لأنّ الحرب على بيئة الأرض هي مأساة أبدية، وأما مآسي الحروب يمكن للزمن أن يتجاوزها، فكلّ شيء يأتي مع الوقت.

–إذن هناك أمل؟.
 من يمتلك الأمل يمتلك كلّ شيء يا صديقي.
-إذن صحة بيئتنا تكمن في الأمل.
–نعم حتى حياتنا تبقى ما بقي الأمل.
 كلّ شيء يأتي مع الأمل.
–جميل.
-والأجمل حين نبدأ من هذه اللحظة.
 فيم نبدأ؟.
–نبدأ بحملة ذات منفعة عامة ولا يهمنا من يأتي، أو لا يأتي
 المبادرة وحدها كافية لتكون بشارة خير، وسترى الناس يشاركوننا في الخيرات هيّا لقد شبعنا من الكلام، مبادرتنا دعوة لتنظيف بيئتنا مما علق بها من أوساخ هيّا فلو تعلم النمل الثرثرة لمات جوعا في الشتاء..
 ردّ وليد: علينا أن نتعلم من عالم النمل، والنحل هذا العالم الشائك الذي يعمل بصمت ولا يلتفت إلى الوراء، علينا أن نبدأ في عملنا رغم أن المطر قلّ، والسّماء شحت ولم تعد تمطرنا لذا زحف الجفاف، وانتشرت الحرائق، حرق الأشجار، والغابات، والمساحات الخضراء، فاختفى اللون الأخضر، ولم نعد نرى إلا السنة نار تشتعل، حرائق حصدت أرواحا بريئة لا ذنب لها، حرائق أتت على ثروة وطن، هل أنت تسمعني؟.
 نعم يا بلال.
 انظر هناك ؟.
 نار تشتعل !

حرائق لم تنج منها حتى الحيوانات لقد قتلت فينا الحلم، واختفى كلّ ما جميل منذ ذلك لم نعد نعرف شتاء ممطرة، وأطلّ التصحر يزحف نحو الشّمال، إنّي أرى في ما رأى دخان نار يملأ بيئتنا دخانا، يميت الغصن الأخضر، يكاد يخنقنا.

–ومن أشعلها يا صديقي؟.
 وهل كنت أنا معه؟.
 معذرة صديقي لا أقصد هذا!.
العفو.
 محبة، وشكرا
نهض بلال، وكأنّ سلكا كهربائيا يسري في عروقه، فأخذ ينظر في كلّ جهة لا شيء يفرح القلب.
–ردّ وليد:وما العمل يا بلال؟.
 علينا أن نقوم بإجراء وإلا صرنا في فمّ الذئب.
–فم الذئب!؟.
 بل في فمّ الغولة!؟.
 إذن الأمر خطير!؟.
 نعم في غاية الخطورة.
 وما الحلّ؟
 علينا أن نبدأ من الآن؟
 في ماذا؟.
 في تنظيف بيئتنا، بيئتنا صارت وسخة متّسخة، بيئتنا كانت نظيفة، وجميلة، ولكن لست أدري ما الذي أحالها على هذا المشهد البائس الحزين لن يشاركنا أحد في هذا نحن من حوّلناها إلى مزبلة.
 ردّ أحمد:بيئة نظيفة، حياة نزيهة لذا علينا أن نسهم في تنظيفها، ولا ننظر للآخرين، سيشاكوننا لا محالة.
 كيف؟.
 علينا أن نبدأ.
 بماذا نبدأ؟.
 في كلّ شيء يا صديقي لأنّ الأشياء كلّها فسدت.
–فسدت!؟.
–أيّ نعم!.
 لقد وصل بنا الأمر إلى درجة أننا نخرّب بيئتنا بأيدينا، ولا حلّ لنا عدا أن نعيد النظر في أنفسنا، أنفسنا مريضة لهذا انعكس المرض على بيئتنا، فسلامة بيئتنا في صحة عقولنا لقد تجاوزنا الحدّ في طريقة تعاملنا مع الآخر لهذا وجب علينا أن نحبّ بعضنا، ونبتعد عن الحقد، والكراهية.
 صدقت، ولكن علينا ترجمته إلى واقعنا.
–لا تحمل همّا، ولا تقلق.
–كلّ شيء يأتي مع الوقت، والوقت كالسّيف يا صديقي، وخاصة في هذه المرحلة التي نمرّ بها لذا وجب علينا أن نغتنم فرصة عطلتنا المدرسيّة وهي على الأبواب
سنأخذ عطلتنا الربيعيّة، هل انتم تسمعونني يا أطفال؟.
صاح الأطفال في صوت واحد كأنّه البوق:وما المشكلة سّيدي؟.
فرّكت يداي مبتسما لدينا أشياء كثيرة تنتظرنا، أشياء قد هذا الوطن، هذا وطننا ونحن لا نملك وطنا آخر لذا أن نحافظ عليه كمثل الطّير حين يعتني بعشه، عشّه وطن صغير، ولكنه نظيف
–بمعنى.
–علينا أن ننظّف عقولنا.
–ولكن الأوساخ في أرض بيئتنا.
 هذي الأوساخ التي تراها هي أصلا عالقة في رؤوسنا.
 صدقت علينا أن ننظم أنفسنا، ونعيد النظر في تصرفاتنا.
 يد واحدة لا تصفق.
نعم، ولكن علينا ألا نفقد الأمل، فرجل النظافة وحده لا يصنع لنا ربيعا.
 تحية تقدير لرجل النظافة وحده من يستحق أن نقيم له تمثالا.
 ردّ طفل من جهة بعيدة لسنا ندري ما الذي يجري، وكأننا لا ننتج إلا القمامة لقد انتشرت راسمة مشهدا حزينا، ومهما يكن من أمر، فنحن صغار، ولسنا مسؤولين عما يفعله الكبار، ولا دخل لنا في أشياء أكبر منا حجما.
ردّ بلال: في مثل هذه الأشياء لا وجود للكبير، ولا للصغير كلنا معنيون بالأمر يا صاحبي.
 ولكن!
–ماذا؟!
 نحن أطفال صغار، وحالات نلعب بالنار.
 من يلعب بالنار تحرقه.
 صاح وليد وهو يتهيأ للعب:نعم صديقي سنلعب كثيرا حتى نشبع من اللعب، لقد أخذت منا الدراسة حاجتها ونحن ما زلنا طيورا لم ينم زغبها بعد.
–ضحك بلال مردّدا:ذهبت بعيدا يا صاحبي.
ردّ وليد وقد عقد ما بين حاجبيه: العطلة عندي معناها الأكل، والشرب، واللعب، والنوم ليس إلا.
 صاح الأطفال: صدقت يا وليد علينا أن نرفّه عن أنفسنا لقد أتعبتنا الدراسة، ومما زادنا تعبا تلك الحقائب التي نحملها على ظهورنا لقد صرنا كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا.
 بلال:علينا أن نصبر حتى نحقق حلمنا، حلمنا أكبر من هذه الحقائب يا وليد.
–وليد:لقد صبرنا صبر أيوب.
–ورغم هذا علينا.....
 ماذا؟.
 أشياء كثيرة.
–كمثل ماذا؟.
 ردّ الأطفال: بلى، ولكن منذ متى صرت رجلا تحمل فكرة أكثر منك حجما وأنت لم تزل عجينة في يد الآخرين
بلال: لقد تابعت مساء البارحة على شاشة تلفزتنا الصغيرة حصة خاصة عن الشّجرة ودورها في حفظ الأمن ألغدائي، والصحي، والجمالي، فذهب بي تفكيري إلى أبعد حدّ وأنا أرى قريتنا عارية، ومشهدها، وكأنّ شيئا ألمّ بها.
–ماذا ؟.
–عرفت أشياء كثيرة عن التشجير، وما له من فوائدَ.
 كمثل ماذا؟.
 تنقية الهواء، وتلطيفه، وتقليل درجة حرارته، وتلطيفه، وجلب الأمطار، ووقف زحف التربة، والرمال.
–هذا رائع!.
–نعم.
 لقد شوقتنا يا بلال هيّ تكلم؟
 علينا أن نقوم بحملة تمسّ بيئتنا.
 وما بها بيئتنا؟.
 أشياء كثيرة تنقصها.
 نحن في العطلة رجائي ألا تفسد عنّا طعمها.
العطلة ليس معناها اللعب فقط يا أطفال، هناك أشياء كثيرة تنتظرنا منها مراجعة دروسنا، والقيام بواجبنا نحو قريتنا، القرية يبنيها أبناؤها، هذه قريتنا ونحن لن نكون أفضل منها، أو ليس كذلك يا أطفال ؟.
 صح.

لذا ذهب بي تفكيري إلى أبعد حدّ وأنا أرى قريتنا عارية، وكأننا عجزنا عن كسوة مشهدها البائس.
قريتنا تستحق كلّ خير يا أصدقائي، ولها فضل كبير علينا إنّها رمز طفولتنا البريئة، طفولة شهدت مسقط رؤوسنا لذا علينا أن نقدم لها شيئا جميلا يليق بمقامها.

حينها لاح بلال بنظرة سائلا زملاءه: انظروا هناك هل رأيتم شيئا؟.

ردّ الأطفال: لا شيء هناك، هل رأيت أنت شيئا؟.

بلال:إني أرى في ما أرى مساحات فارغة.

–وأين المشكلة؟

كان في مقدورنا أن نضيف لتلك المساحات الفارغة مسحة خضراء.

الأطفال في صوت واحد:أممممم الآن فهمنا، ولكن كيف لنا ذلك؟.

بلال: الأمر بسيط جدّا، الأشياء الصغيرة هي التي تعيد انسجامنا، وتوازننا مع بيئتنا، علينا أن نشجرها لتعطينا نصيبا من الراحة، والجمال.

 نحن هنا، هيّا أرنا الحكمة يا حكيم القرية.
بلال:حكمتي أن نترجم أقوالنا إلى أفعال، بئس المرء من لا هدف له في الحياة، هي مهمة تحتاج فقط إلى إرادة فعلية ليس إلا.
–بلال: في استطاعتنا أن نصنع لها عرسا قدّها.
 الأطفال وهم يتضاحكون:عرسا.
–ولمَ لا !
ردّ الأطفال: كمثل ماذا يا السيّد بلال؟.
 أن نصنع لها ربيعا.
 ردّ الأطفال:إذا كان في مقدورنا ذلك.
 أن نصنع لها ربيعا.
 ردّ الأطفال:إذا كان في مقدورنا ذلك.
 بلال: وبفساتين خضراءَ.
 قال عصام:كلامك يتكئ على وجع يا صديقي.
ردّ بلال:انّه وجعنا جميعا.
عصام:فكرتك رائعة، ولكن ما دخل لنا نحن في هذا، ونحن طيور لا تقوى على الطيران.
 ولكننا لسنا طيورا.
 صحيح أننا لا نطير، ولكن؟.
 أطفال صغار؟..
بلال:الصغير هو من يعين الكبير، و سونوة واحدة لن تصنع لنا ربيعا.
ردّ الأطفال:لم نفهم شيئا من كلامك، كلامك كله لغز.
بلال:صبرا علينا أن نكون كالطير يبني عشّه عشبه عشبه.
–ماذا !؟.
–كلّ الطيور لها أوطان أليس كذلك يا أصدقائي؟.
 بلى!
 الطيور عنصر من عناصر بيئتنا.
 الأطفال: معك الحق، وماذا بعد؟.
في هذه الحالة قد أسهمنا في توفير أكسجين الحياة.
–ولكن!
 ماذا؟.
–العملية تتطلب وقتا كبيرا.
الأطفال: وما علاقة الجري بغرس الشجرة ؟.
بلال:سيحسّ حينها الأطفال بشيء يكاد يخنقهم.
–إذن المسألة خطيرة.
–لا وجود للخطورة إطلاقا.
 كيف؟.
–سيعرفون أن نسبة الأوكسجين ناقصة.
 فكرة تستحق التثمين.
 إذن علينا أن نضيف شيئا لبيئتنا وفي هذي الحالة نكون قد قدمنا لها جميلها، فالحياة يا أطفال إضافات.
صاح الأطفال: صدقت يا بلال.
قالت امرأة وهي تعبر الشّارع:ولكنك لم تقل شيئا عن الشجيرات من أين نجيء بها؟.
ضحك بلال: الأمر علي أنا.
ردّ الأطفال: كلفتها غالية الثمن.
بلال: لا تحملوا همّا ولا تذهبوا بعيدا، فأبي من سيتكفل بذلك بحكم عمله في محافظة الغابات.
صاح الأطفال: هذا رائع
نطق رجل ورع تقي قائلا:حياة قصيرة عامرة خير من حياة طويلة فارغة.
رائع، سنخرج جميعا.
ردّ بلال: يد الله مع الجماعة.
الأطفال: مستعدون، مستعدون.
بلال:أي نعم، وأكثر من هذا سنغرس الأشجار في عيدها وانطلق السّباق بين أطفال القرية غير أنّهم أحسوا بهواء ثقيل يكاد يخنق أنفاسهم، وهنا عرفوا أن قريتهم بحاجة إلى أوكسجين الحياة يعينهم على بدل جهد أكثر، فتمكّن بلال أن يوصل خطابه، ويغرس فيهم ثقافة التشجير، ووصلت الفكرة إلى بيوت النّاس أجمعين، فكانت الفرحة فرحتين، فتقبلتها أسر القرية، وما إن حان الموعد حتى خرجت القرية عن القرية، كل واحد يحمل شجيرة صغيرة، كانت صبيحة مباركة خرج فيها الأطفال، والبنات، وحتى الأمهات، والآباء.كان اللقاء عرسا كبيرا احتفت به القرية على بكرة أبيها، وتمّ توسيع المهام، الآباء يحفرون، والأطفال يغرسون، والأمهات يسقين، فعمّت المحبّة وساد الوئام.

= انتهت =


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى