الخميس ٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم شادي شحود حلاق

تاجُ المُلْك

أغمضتِ الغابة عيونها وهي تلتحف الظلام ونامت على سرير السكون الكلُّ نيامٌ.. تاجُ الأسد ملكِ الغابة يلمعُ على الصّخرة العالية وفجأةً بدأَتْ حركةٌ خفيّةٌ في الظلام ثمّ بعد قليل اختفى تاج المَلِك!

فتّحَ الصّباحُ عيونَهُ مستيقظًا على ضجيج حيوانات الغابةِ وهي تصيح: لقد سُرِق تاجُ الملك، وكان الأسد ملكُ الغابة غاضبًا جمع حيوانات الغابة عنده وزأرَ بصوتٍ عالٍ: سأعاقب من سرق تاجَ المُلْكِ أشدّ عقابٍ ومن يكشف السّارق سيكون وزيري

فقال الثّعلب:يا ملكَ الغابة الصّخرةُ عاليّةٌ فلا بُدّ من أنّ السّارق طويلٌ جدًّا ولا يمكن لغير الزّرافةِ الطّويلةِ أنْ تصل إليه حَنَتِ الزّرافةُ رقبتها الطّويلةَ إلى الأرضِ وهزّتْ رأسها بحزنٍ دون أن تتكلّم فقال لها ملكُ الغابة: ماذا تقولينَ أيّتها الزّرافة هل أنتِ من سرق تاجَ المُلك؟!

هزّتِ الزّرافةُ رأسها وهي صامتة

فقال الثّعلب: يبدو أنّ الزّرافةَ لا تستطيعُ الكلامَ فإن كانَ لسانُها مجروحًا فربّما جرحتهُ بالتّاجِ وهي تمسكه بفمها أمرها الملك أن تمدّ لسانها فمدّتهُ وإذْ بهِ بالفعل مجروحٌ كما قال الثعلب نظرتْ حيواناتُ الغابةٍ بدهشةٍ إلى الزّرافة وهي تقول: يا إلهي! الزّرافة إذًا هي السّارقة..

كانتِ البومةُ على شجرة بعيدةٍ تسمع ما يقولون، حينها طارت ووقفت على شجرة قريبة منهم وقالت: هذا ليس دليلا كافيًا لا يمكن أن تحكموا على أحد دون أن يعترف

فقال الثّعلب:لابُدّ أيها الملك بأنْ تكون جانبَ الصّخرة رائحةُ السّارق وآثار أقدامهِ أُعجبَ الملكُ بفطنة الثّعلب وأرسلَ الكلابَ إلى الصّخرة لتشمّ حولها رائحة السّارق وأرسلَ القردة صاحبةَ العيون الكبيرة لترى آثار أقدام السّارق فعادتِ الكلاب واقتربت من الزّرافة وهي تنبح: إنّها رائحة الزّرافة وعادتِ القردةُ وصارت تقفزُ حول الزّرافة وتقول: لمْ نرَ إلّا آثار أقدام الزّرافة زأر الملكُ بغضبٍ: احبسوا هذه السّارقة حتّى تعترف أين خبّأتِ التّاج وبعدها سأطردها من الغابة معكِ مهلة ثلاثة أيّامٍ فإن لم تُرجِعي التّاج سأجعلكِ طعامًا للضّباع
ارتعبتِ الزّرافةُ خوفًا وبكت بكاءً شديدًا

وبعد أن حبسوا الزّرافة وصار الثّعلبُ وزيرًا للملكِ طارت البومة وصارتْ تدورُ فوق رأسِ ملكِ الغابة ووزيره وهي تغنّي:
لا تظلموا الزّرافة اللطيفةْ
فإنّها وديعةٌ أليفةْ
فكيفَ كيفَ يسرقُ الأخيارْ
لكنّها مكيدةُ الأشرارْ
أفكارهُم، أعمالُهمْ مخيفةْ
فلتبحثوا
عن سارقٍ مكّارْ
لا تعجلوا الحكمَ على الزّرافةْ
فقولكم وحكمكم خرافةْ

غضبَ الأسد من البومةِ فحاولَ هو والثّعلب أن يمسكا بها لكنْ ليسَ لسكّانِ الغابةِ سلطةٌ على من يطير
وعندَ المساء تفاجأتِ الزّرافةُ بالبومة وطيورٍ عديدة أتت إليها حاملةً معها أعشابًا متنوّعة، قالتِ البومةُ:لا تحزني أيّتها الزّرافة فإنْ لم يساعدْكِ منْ يمشون على الأرض فاللهُ أرسلَ إليكِ ليساعدكِ من يحلّقون في السّماء، خذي هذه الأعشاب الطبيّة وتناوليها وستضمّدُ الطّيورُ لسانَكِ بهذا الضّماد العشبي ليذهب الالتهابُ ويَشفى لسانُكِ بسرعة

وبعدَ أنْ مرّتِ الأيّامُ الثّلاثةُ أمرَ الملكُ بإحضار الزّرافة ليجري حكمه فيها، بعد أن جمع حيوانات الغابة ثمّ أمرَ الضّباعَ بأنْ تأكل الزّرافة

حينها حلّقتِ البومةُ فوقَ رؤوس حيوانات الغابة وهي تغنّي:

أنا هنا أطيرْ
في غابةٍ
قدْ نامَ في سكّانها الضّميرْ
في غابةٍ
قانونها شرّيرْ
حاكمُها مغفّلُ
ورأسُهُ مُغَلَّقٌ ومقفَلُ
كأنّهُ تمثالْ
والماكر المحتالْ
قد أصبح الوزيرْ

ثمّ قالتْ: دعوا الزّرافةَ تتكلّمْ فإنّ لسانها تعافى

فأوقفَ الملكُ الضّباعَ وأمرَ الزّرافةَ بالكلامِ، فقالتْ:

أيّها الملك في تلكَ الليلة أتى إليّ هذا الثّعلبُ الماكر وطلبَ منّي أن أحملهُ على رقبتي وأذهبَ إلى التّاجِ ليمسحَ عنهُ الغبرةَ بذيلِه وبعدَ أن حملتُهُ أعلى رقبتي ووصلتُ، أمسكَ بالتّاجِ وهجم عليّ محاولا قطع لساني فجرحَهُ وجرحَ رقبتي فلُحتُ برقبتي ورميتُه بعيدًا فهربَ بالتّاجِ لذلكَ لم تجدوا آثارًا لهُ لكنْ هذهِ آثار مخالبه على رقبتي

تفحّصَ القردُ الجراحَ فرأى أنّها آثار مخالب الثعلب

وشمّ الكلب رقبة الزّرافة ونبحَ: عَوْعَوْ إنّها رائحةُ الثعلب
عندها هرب الثعلب خلسةً وهو يحمل تاجَ الملك مبتعدًا فانتبهوا لذلك لكن أين سيهرب والفهد السّريع انطلق مسرعًا وراءه فلحق به وأحضره ندمَ الملكُ والحيوانات على تسرّعهم واعتذروا من الزّرافة وشكرَ الملكُ البومة الحكيمة وأَمَرَ بحبسِ الثّعلب الماكر ثُمّ حملَ القردُ تاجَ الملكِ وصعد رقبة الزّرافة ومشتْ إلى الصّخرة وأعادَه إلى مكانِه أعلى الصّخرة فبدأ يلمع كنجمةٍ ذهبيّة وبينما هم كذلك فإذا بملك الطّيور يحلّق عاليا فوق التّاج ثمّ يدور دورتين ويهوي نحو التّاج ليحمله بمخالبه القويّة ويطير بعيدًا لم يستطع أحدٌ فعل شيء فلا سُلطة لأهل الأرض على أهل السّماء حزن ملكُ الغابة حزنًا شديدًا وانعزل لوحده فقد صار يشعر بالذّل وأنّه لم يعد ملكًا للغابة لطالَما تاجُ المُلْكِ الذي ورثه عن آبائه وأجداده القدامى قد ذهب ولم يعد هنالك تاجُ. وبدأت الفوضى تعمّ الغابة وصار الثّعلب يسرح ويمرح دون قيود وبدأت حيوانات الغابة تعيش في اقتتال وفوضى.

وبينما الأسد على تلكَ الحال مرّت سلحفاةٌ معمّرة من جانبه قد عاشت مئات السّنين وسألتِ الأسدَ عن حاله فقصّ عليها ما حدث وأنّه لم يعد ملكًا للغابة لأنّه افتقد تاجَ المُلك. حينها قالت له السّلحفاة: أيّها الملك إنّ المُلكَ ليس بالتّاج فالتّاج لا يصنع شيئًا إنّما أنتَ ملكُ الغابةِ بقوّتك وحكمتك وليس بالتّاج ، فالملكُ الحقيقيّ هوَ القويّ الحكيم العادل الذي يرعى شؤون مملكته وليس الذي يضع التّاج أو يرثه. جرّب أيّها الملك وازأر بذلك الثّعلب المكّار الذي يلهو كما يشاء ولا يكترث بأحد وَمُرْهُ أن يأتي إليك ثمّ امشِ في الغابة وارمق الحيوانات بعينيك ثمّ ازأر ونادي عليهم جميعًا ليجتمعوا عندك وأنظر هيبتك كيف ستكون دون التّاج ، حينها نهض الأسد ومشى قليلا بين حيوانات الغابة وهو يرمقهم بنظرته المَهِيْبَة فهابته حيوانات الغابة ثمّ زأر زأرةً ارتعدت لها جميع الحيوانات ثمّ أمرَ الذّئبَ أنْ ينادي الجميع ليجتمعوا عند الأسد فما كان من حيوانات الغابة إلّا أن تركض وتجتمع عند الأسد حينها بدأ الأسدُ يعطي أوامرهُ للجميع بكلّ ثقةٍ ..عندها أدركت الحيوانات وكذلك الأسد أنّ المُلكَ ليس في تاجِ المُلك إنّما في هيبة وشجاعة وحكمة وعدالةِ المَلِك وتعلّم أن يأخذَ الحكمة والرأيَ مِنْ أهل السّماء والزّواحف ومن أيِّ ذي رأي وحكمة من سكّان غابته.

= انتهت =


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى