الثلاثاء ٣٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم عبده حقي

تحولات الاحتجاج المغربي من 20 فبراير إلى جيل «زد»

تابعت عبر المواقع الإخبارية والمنصات الرقمية ما يجري في شوارع المغرب منذ يومين، حيث خرجت مظاهرات جديدة يقودها شباب ينتمون إلى جيل رقمي يختلف تماما عن الأجيال السابقة. هذه الاحتجاجات، التي اندلعت بعد حادث مأساوي تمثل في وفاة سيدة حامل في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، تعيد إلى الأذهان ذكريات حركات اجتماعية وسياسية سابقة عرفها المغرب، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن ملامح مغايرة تتعلق بالوسائل، بالخطاب، وبأفق التغيير.

في سنة 2011، ومع موجة "الربيع العربي"، برزت حركة 20 فبراير كأكبر تعبير شبابي احتجاجي في المغرب الحديث. إن هذه الحركة رفعت شعارات سياسية واضحة تطالب بالديمقراطية، بمحاربة الفساد، وبإصلاحات دستورية عميقة. لقد كان حضورها قوياً في المدن الكبرى، واستطاعت أن تحشد مئات الآلاف من المغاربة من مختلف الفئات، مستفيدة من زخم إقليمي عربي عام. غير أن ما ميّزها أيضاً هو انخراط تيارات سياسية ونقابية وحقوقية في دعمها، مما منحها قوة تنظيمية، لكنه في الوقت نفسه جعلها عرضة للتجاذبات الداخلية وللرهانات الأيديولوجية. ومع مرور الوقت، تراجع زخمها بسبب التنازلات الجزئية، والانقسامات الداخلية.

قبل 20 فبراير وبعدها، شهد المغرب بروز "حركات المعطلين" التي رفعت مطلباً مركزياً: الحق في الشغل. هذه الحركات التي ضمّت خريجين جامعيين وأطر عليا، ناضلت منذ التسعينيات في شوارع العاصمة الرباط ومدن أخرى، مطالبة بدمجها مباشرة في أسلاك الوظيفة العمومية. ورغم أنها لم ترفع شعارات سياسية كبرى، فإنها جسدت أزمة بنيوية تتعلق بقدرة الدولة على استيعاب الطاقات الشابة. فقد تنظيمها كان أكثر كلاسيكية، يعتمد على التنسيقيات والبيانات والوقفات أمام البرلمان، لكنه ظل محصوراً في فئة معينة، ولم يتحول إلى حركة اجتماعية شاملة.

ما يميز احتجاجات "زد 212" اليوم هو أنها جاءت من خارج الإطارات التقليدية. شباب مجهولون ظهروا في فضاءات التواصل الاجتماعي، وأطلقوا دعوات إلى التظاهر دون قيادة مركزية أو هياكل تنظيمية نقابية أو سياسية أو جمعوية . لم يرفعوا شعارات سياسية كبرى كما فعلت حركة 20 فبراير، ولم يحصروا أنفسهم في مطلب ضيق كالذي تبنته حركات المعطلين، بل ركزوا على قضايا يومية ووجودية: صحة عمومية ذات جودة فعالة ، تعليم متكافئ، وعيش بكرامة.

إن هذا البعد الشمولي منح حركتهم طابعاً أقرب إلى "الصرخة الجماعية" منه إلى البرنامج الحزبي السياسي.

إذا كانت حركة 20 فبراير قد اعتمدت على المسيرات التقليدية والبيانات، وحركات المعطلين على الوقفات أمام المؤسسات الرسمية وخصوصا البرلمان، فإن "زد 212" استثمرت منطق دور شبكات التواصل الرقمية. فـ"الفيسبوك" و"تيك توك" و"إنستغرام" تحولت إلى منصات مركزية للتعبئة، وأصبحت الدعوة للاحتجاج تنتشر في دقائق لتصل إلى مدن متعددة دون حاجة إلى هياكل تنظيمية. هذه السرعة الرقمية منحت الاحتجاج طابعاً لامركزياً ومرناً، وجعلت من الصعب على السلطات توقّع أماكن وزمن الحشود.

إن الدرس الأبرز واللافت من مقارنة هذه التجارب أن المغرب يعيش اليوم انتقالاً من احتجاجات تقليدية، ذات قيادة وأفق سياسي واضح، إلى احتجاجات رقمية عفوية، غير مؤطرة، لكنها واسعة التأثير. السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تستطيع الدولة التقاط هذه الرسائل الجديدة وإعادة النظر في سياساتها العمومية، أم ستكتفي بالتعامل الأمني الذي قد يضاعف الشعور بالإحباط؟

إن جيل "زد 212" يختلف عن "20 فبراير" و"المعطلين" في كونه لا يطالب بامتيازات خاصة ولا بإصلاحات دستورية كبرى، بل يطالب بما هو أبسط وأعمق في الآن ذاته: الحق في الحياة الكريمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى