السبت ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٤
بقلم عزيز القاديلي

تزحلق

تزحلقت من مكان ما ذات يوم، قوة ما باغتتني و دفعتني خارج المكان الذي شكل عالما لا مثيل له من السكينة و الهدوء، صحيح أنني لم أكن موجودا هناك بشكل ما، و لم يكن المكان الذي تزحلقت منه موجودا كمكان بالنسبة لي. إلا أن ما حدث كان مفاجئا و غير منتظر: دون سابق إنذار دون إخبار أو اتفاق وجدتني بين أحضان عالم آخر غريب. ما وقع أنه تم الإمساك بي و جري بشكل من الأشكال كي يرغموني على أن ترك السكينة ورائي و أخرج لأصطدم بعالم مجهول و سيظل مجهول باستمرار. لم أكن أستطيع الكلام و لا معرفة لي به كي أتمكن من التعبير عن سخطي أو عدم قبولي بما يحدث لي، الشيء الوحيد الذي وجدتني أقوم به هو الصراخ، كيف ذلك؟لست أدري. لم يكن يفهم أحد معنى لصراخي، بل لم يحاولوا فهمي. كانوا يريدون فقط إسكاتي بطريقة ما لأن صراخي كان يسبب لهم إزعاجا هم في غنى عنه. كانوا يحاولون تهدئتي كي أتوقف عن الصراخ. و صار صراخي المتواصل وسيلتي الوحيدة للاحتجاج. بدؤوا يبحثون عن شتى الطرق لإلهائي، كنت أستجيب لمنطقهم لكن كان مفعول ذلك ظرفي إذ يفقد موضوع الإلهاء بريقه فأنتفض ضده، لأعود إلى الصراخ مرات و مرات، فدخلوا و أدخلوني معهم في دائرة متكررة و مفرغة و بلا معنى في تكرار ممل من الاستبدالات اللامتناهية، و لو صرفوا كل هذا الجهد و كل هذا الوقت في فهمي لتوقفت هذه اللعبة السمجة و لانتهى تاريخ طويل و عريض من الانتفاضات و القلاقل و الزلازل..... و لعرفت كيف أستوعب تزحلقي غير المفهوم.

و منذ ذلك التاريخ و أنا أتزحلق من حدث إلى آخر، من واقعة إلى أخرى، من كارثة إلى أخرى. لم يكن التزحلق سوى وسيلة للتكيف مع العالم الجديد الغريب، لأن المكان الأصل الذي منه تزحلقت لأول مرة سيظل عالقا في الذاكرة و الأحاسيس، و سأحاول على مر سيرتي الذاتية أبحث عن تعويض ببناء أمكنة أخرى استبدالية أتوهم أن بداخلها السكينة و الهدوء لكن الاستبدال يبوء بالفشل الذريع و المقيت. و أثناء مسار من التشتت و الشتات، و مسار من الخيبات كنت أستريح بين الفينة و الأخرى لسكينة متوهمة لكنها عارضة و مؤقتة لأنني منذ البدء فقدت الثقة في استمرار أية وضعية أو حالة، فأصبح التزحلق هو الدائم أما غير ذلك فهو وهم لا يعول عليه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى