الخميس ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم عزيز أبو خلف

تغيير أساليب الفكر الإسلامي

نقصد بالفكر الإسلامي الأفكار التي أنتجتها عقول المجتهدين والمفكرين فيما يتعلق بالإسلام ، وليس المقصود من التغيير التعرض لنصوص القرآن والحديث ، فالقرآن ثابت بالتواتر ، والأحاديث يقرر مصيرها علم الحديث فيبين هل هي صحيحة أو ضعيفة أو موضوعة . وانما الكلام يكون على الأساليب التي استخدمت لفهم هذه النصوص والأفكار التي ترتبت على هذه الأفهام . من ذلك علم الكلام الذي وُجد أصلاً للدفاع عن العقائد الإسلامية ، لكنه اتخذ أساليب اليونان في التفكير ، وما دخل إلى أصول الفقه من ذلك ايضاً . فمثل هذه الأساليب وما تولد عنها من أفكار هي أفهام لأناس معينين ، والكلام فيها لا يعني الكلام على النصوص وانما على أساليب التفكير والأفكار الناتجة عن ذلك .
ما هو علم الكلام؟

يبحث علم الكلام في الأدلة اليقينية المتعلقة بالعقائد الإسلامية ، وهذه الأدلة مبناها العقل المستند إلى المنطق الصوري أساساً ، ويستدلون بالنصوص القطعية فقط ، وذلك لغرض تدعيم الدلائل العقلية . ويُعرف هذا العلم أيضاً بعلم التوحيد وعلم أصول الدين ، لأنه يركز على الدلائل القطعية ولا يأخذ بغيرها ، فهو يرد أحاديث الآحاد مثلاً لأنها ظنية الثبوت وفقاً لهذا العلم . وقد سُمي بعلم الكلام لأن المشتغلين به صنعتهم الكلام والجدل ، وربما يكون هذا تمشياً مع المعنى الأصلي لكلمة المنطق اليونانية .

يستند علم الكلام في أدلته وبراهينه على المنطق اليوناني بشكل أساسي ، فهو يقرر مُسلَّمات معينة (مثل ما يسمونه البديهيات والضروريات) ثم ينطلق منها في إقامة البراهين من خلال مقدمات معينة . ولهذا العلم مصطلحاته الخاصة التي تحجَّر عليها اتباعه إما بسبب عدم وضوحها ، أو لرغبتهم في عدم مخالفة أسلافهم والاحتفاظ باستقلالية هذا العلم . فالجوهر الفرد مثلاً هو الجزء الذي لا يتجزأ وتتكون منه الجواهر أي الأجسام كما يسمونها ، أو المواد بلغة عصرنا . ولا يستطيع الدارسون لهذا العلم أن يقرروا هل هو الذرة مثلاً أو الجزيء أو الإلكترون أو غير ذلك . فهم يقولون بأنه اصغر جزء يمكن تخيله وهو متحيز لكن ليس له مكان . وربما كان هذا ينطبق على الإلكترون الذي يتحرك بشكل موجي وليس له مكان محدد بالضبط ، لا ندري ! .

مقاومة علم الكلام

لاقى علم الكلام مواجهة عنيفة من الأئمة والعلماء ، أدت أحياناً إلى تقوية العلم وزيادة تمسك اتباعه به عناداً . وكانت هذه المواجهات تدعو إلى العودة إلى النصوص من غير أن تهاجم أصول هذا العلم بشكل مباشر ، نظرا لطغيان المنطق في حينه . لكنه تلقى ضربتين موجعتين جداً كان لهما بالغ الأثر في صرف كثير من الناس عنه أو ضعف مواقفه ، ومع ذلك فلا يزال له حضور واتباع . وتأتي أهمية هاتين الضربتين من كونهما أثَّرتا في أصل هذا العلم والأساس الذي يقوم عليه ، وهو المنطق والعقل بمفهوم هذا العلم .

الضربة الأولى كانت على يد شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عمد إلى نقض المنطق ونسفه من أساسه ، وبيان انه لا فائدة ترجى منه ، فلا ينتفع به الذكي ولا ينصلح به الغبي . أما الضربة الثانية فكانت على يد الشيخ تقي الدين النبهاني من المعاصرين من فلسطين ، والذي اعتبر أفكار علم الكلام بأنها غير عقلية مطلقاً لان العقل لا يمكن أن يعمل في المغيبات ، هذا بالإضافة إلى موافقته ابن تيمية اعتبار المنطق أسلوباً عقيماً غير منتج أبداً ويجب تركه . وهذا الضربة كسابقتها هي في صميم علم الكلام لأنها نسفت الأصل العقلي الذي يقيمون عليه أفكارهم ، وكادت أن تقضي عليه لولا أن فكر النبهاني لم ينتشر بشكل واسع بسبب اشتغاله بالسياسة ، وعدم قيام اتباعه بنشر فكره وشرحه ، هذا بالإضافة إلى التزامه بأصول كلامية لقيت معارضة شديدة .

هل هناك حاجة إلى علم الكلام؟

تكشفت في عصرنا الحاضر الكثير من الحقائق العلمية ، وظهرت معارف جديدة متنوعة ، مما جعل الحاجة ماسة إلى مواجهة هذا الكم الهائل من المعلومات والنظريات بطريقة تخدم الدين بشكل فعال ومنتج . ولا بد من الاعتراف بان هذا لا سبيل إليه إلا بالتفكير الصحيح المنتج ، ولا يكون أبداً عن طريق المنطق الصوري ولا أساليب علم الكلام ، لأنه لا قِبَل لها بهذا الكم المتزايد من المعلومات . ومن اجل خدمة الدين والمساعدة على نشره بشكل واعي فلا بد لنا إما أن نلغي علم الكلام ، أو أن نجري عليه تعديلات جوهرية في الشكل والمضمون . إذ صار من المناسب أن يُطلق عليه علم العقائد لأنه في حاجة إلى مواجهة نظريات فلسفية وعملية جديدة ، وصار في حاجة إلى استخدام طرق وأساليب جديدة تناسب العصر وتخاطبه بلغته التي يفهمها . ولهذا فإني أرى ما يلي :

 إلغاء المنطق بمفهومه التقليدي أو جعله جزءاً من علم العقائد لمن تهواه نفسه ويميل إليه تفكيره . فالمنطق بهذا المفهوم نظام مغلق غير منتج ، والإبقاء عليه يعني الإبقاء على علم العقائد نظاماً مغلقاً إلى ابد الآبدين . كما أن المنطق عالة على الفكر الصحيح ، وقد رفضه أحفاد اليونان الغربيين أنفسهم ؛ فمنهم من اعتبره وُلد ميتاً ، ومنهم من اعتبره ولد كاملاً ولم يتقدم خطوة إلى الإمام ، ومنهم من اعتبره من موضوعات البلاغة ، بل قد عده بعضهم صنماً يحرف عن التفكير الصحيح .

 إعادة النظر في مفهوم العقل ، لا سيما على ضوء ما استجد من حقائق علمية عن التفكير وتركيبة الدماغ . وقد بيَّنتُ في اكثر من مقالة أن الفكر الإسلامي مصدر رحب لذلك ، وان رؤيته لمعنى العقل رؤية ليس لها مثيل ، وهذا ما جعلني اقرر مثلاً بان المقصود بنقصان عقل المرأة ليس هو ما درج عليه الناس على مر العصور من انه نقص في قدراتها العقلية ، بل الموضوع أوسع من ذلك واعمق .

 هذا يقودنا إلى ضرورة التركيز على القرآن الكريم والسنة المطهرة بما فيهما من مظاهر الإعجاز الفكري والعلمي . غير أن الإعجاز الفكري هو اقرب إلى حضارة الأمة وفكرها من الإعجاز العلمي الذي يُعتبر عالة على ما ينتجه الغرب فقط ، وحتى لو أجرى علماء المسلمين أبحاثاً فلن تمر دون موافقة الغرب لها . أما الإعجاز الفكري فينطلق من فهمنا للقرآن والسنة والفكر الإسلامي وبما استجد من حقائق بشكل جزئي نستأنس به على ما عندنا .

 ضرورة جعل نصوص القرآن والسنة هي المعتمد والمرجع لا ما نتوصل إليه بالعقل المستند إلى المنطق الصوري ، لان هذا الأخير يحتاج إلى مرجعية تصححه .

 عدم تقييد الناس بالإيمان عن طريق العقل ، فواقع العقائد الإسلامية انه يمكن تقبلها وعشقها بمجرد معرفتها والتعايش معها .

فليعتنقها من شاء بالطريقة التي يشاء ، سواء كانت بالعقل أو بغيره .

 أن يجتمع أصحاب المذاهب العقائدية الإسلامية على كلمة سواء بينهم فهم أولى بها ، وان يتجادلوا بالتي هي احسن . وليس لهم إلا التفكير المتوازي المتعاون فهو السبيل إلى كشف الحقائق التي تخدم الدين والمسلمين وتجمع الكلمة .

 الاعتماد على الواقع في التفكير بدلاً من الخوض في فرضيات وتخيلات لا أساس لها . فالذين يقولون مثلاً أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ، يمكن أن يقال لهم وهو في العالم وخارجه معاً ، أو مرة هنا ومرة هناك ، أو في أي منها بشكل لا نتصوره . على أن هذا القول النظري ترد عليه إشكاليات منها أين الله قبل خلق العالم ، هل كان أيضا لا داخل العالم ولا خارجه؟ وهذا القول هو باعتبار العالم فقط . كذلك من يقول أن الله لا تحده حدود ، فبعد خلقه العالم ماذا حصل لهذا الواقع؟ كذلك القول بأنه قديم هو باعتبار العالم ، فهل الحكم مستمر قبل ذلك ، والنسبة لا تكون إلا إليه؟ والمقصود أن التفكير في المغيبات ترد عليه إشكاليات كثيرة تبدو متناقضة يهدم بعضها بعضاً لأنها تفتقر إلى المرجعية . لهذا ليس من طريق سليم إلا الالتزام بنصوص الكتاب والسنة والعض عليها بالنواجذ .

 التوقف عن السب والشتم والتجهيل فهذا من أمارات نقصان العقل ! .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى