الثلاثاء ٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم عبد الله عبد الصبور محمود محمد

ثلاثُ رِسائلَ مِن هِند

(مستوحاة من رسائل حقيقية)

الرسالةُ الأولى (صورةٌ لبيتٍ فلسطيني جميلٍ من الدَّاخلِ)

«انظرْ...
هذا بيتي قبلَ القصفِ
قبلَ النَّزفِ
كم كانَ جميلًا...
كم أشتاقُ إلى كتبي النائمةِ
بكل أمانٍ فوقَ الرَّفِّ
أشتاقُ إلى الجدارنِ الملأى بالدفء
إلى النَّقشاتِ الحالمةِ
بأضواءِ السَّقفِ
أشتاقُ إلى اللَّمةِ حولَ المائدةِ الأمِّ...
إلى التلفازِ...
إلى البابِ المفتوحِ...
إلى الشُّباكِ المبسوطِ...
إلى الساعةِ حين تدقُّ بلا خوفِ».

الرسالةُ الثانية (صورةٌ لبيتٍ مهدَّم)
«انظرْ...
كيفَ تهدَّمَ؟ كيفَ تخلَّى عَنَّا أَهلُ الكهفِ!؟
كيفَ سَطَا لَونُ الأنقاضِ على الألوانِ جميعًا؟
كيف علَا صوتُ الرشَّاشِ على صوتِ العزفِ؟
لا شيءَ بنوهُ لنا إلا جدرانًا
مِن خوفٍ وسقوفًا حالكةً من زيفِ
كل الطرقاتِ هنا تُفضي للجوعِ أو الحتفِ
كل الأشياءِ هنا قابلةٌ للحذفِ
إلا عزَّتُنا وكرامتُنا وتمسُّكُنا بالأرضِ وقوفًا في نفسِ الصَّفِّ».

الرسالةُ الثالثة (صورةٌ لطفلٍ صغير)

«انظر...
هذا ولدي نمتُ بجانبهِ في المشفى
أكثرَ من عشرةِ أيامٍ بين القتلى والجرحى؛
كي أجدَ طبيبًا يتفرَّغ لِيعالجَهُ من ألمٍ في البطنِ
في المشفى الناسُ على بعضٍ واللونُ الأبيضُ غادرهُ
فحياةُ المشفى حمراءُ اللَّونِ.

حرّكتُ برجلي بعضَ الأحزانِ الملقاةِ على الأرضِ لكي أُجلسَ حُزني
ولدي لا يتحمَّلُ هذا الجوَّ الممتلئَ
بأصواتِ القصفِ... غبارِ القصفِ... دخانِ القصفِ
يخرجُ من ضعفٍ كي يدخلَ قسرًا في ضعفِ...».
لمْ تكملْ هندُ رسالتَها، وانقطعَ النتُّ كعادتِهِ أو...
لم أتمالكْ أعصابي... لم أتحمَّلْ...
فبكيتُ عليها محروقًا وعلى نفسي
وطردتُ الفكرةَ مِن رأسي
وكتبت لها:
«قسمًا بالنَّصر ورايتِه
إن هدموا بيتًا مِن طوبٍ سأشيِّد بيتًا من حرفي
سأشيِّدُ حِصنًا وقنابلَ وسأكشفُ سوءَتهم للنَّاسِ سأُلقيهم من فوقِ الجُرفِ
لا أملكُ إلا شِعري يا هندُ... اللهُ كبير يا هندُ
وبيوت الله لكم والجنةُ والخلدُ
شِعري كالسَّيفِ وأعلم أنَّ السَّيف ضعيفٌ بالنسبةِ للقنبلةِ النوويةِ
لكنْ لا أملكُ إلَّاه... سأُشهرُه وأقاومُ معكم يا هندُ
وليحدثْ ما يحدث يا هندُ
مهما يحدث... لن أغرسَ في جسدي سيفي».


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى