الجمعة ٢ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

خبر وذاكرة: استير وفرموزا

في "الأيام" (رام الله) بتاريخ 18/5/2008، خبر نقلته "وفا" عن نادي الأسير، عنوانه الرئيس: سلطات الاحتلال تستخدم أسلوب "الإغراء الجنسي" خلال التحقيق مع الأسرى. ونادي الأسير استمع إلى رواية الأسير سلطان عبد الله سليمان (21 عاما)، وهو من رام الله، وكان في سجن عوفر، وأشار النادي إلى أن هذا الأسلوب أسلوب جديد في التحقيق، حيث يأتي الإسرائيليون بفتاة ويدخلونها على الأسير في أثناء التحقيق معه، وتجلس بملابس شبه عارية أمامه، وتبدأ بإصدار أصوات والقيام بحركات لإغرائه، وتقترب منه لدرجة ملامسة جسدها لجسده ثم تبتعد.

ويبدو أن هذا الأسلوب جديد مع الأسرى فقط، أما أنه جديد في حياة الشعب الفلسطيني فلا أظن، إلا إذا كنا بلا ذاكرة أو إذا كنا نكذب. فمن قرأ الأدبيات الفلسطينية منذ 1920، تاريخ صدور رواية "الوارث" لخليل بيدس يعرف أن الفتيات اليهوديات ومَن حولهن من الرجال كانوا يوقعون بالشباب من أجل المال، وفيما بعد من أجل بيع الأرض أو استرداد ثمنها من الإقطاعي العربي الذي باعها، وتحفل النصوص الأدبية الفلسطينية بصورة المرأة اليهودية التي كانت الوكالة اليهودية توظفها لتحقيق مآربها وأغراضها، ويمكن سوقُ أسماء العديد من الروايات والمسرحيات التي أولها مسرحية محمد عزة دروزة: "الملاك والسمسار" وثانيها مسرحية برهان الدين العبوشي "وطن الشهيد". هذا قبل العام 1948، أما بعده فيمكن الإشارة إلى روايتي ناصر الدين النشاشيبي "حفنة رمال" و"حبات البرتقال"، وإن كانت الفتاتان اليهوديتان في هاتين الروايتين ترفضان ممارسة السلوك الذي حثتهما الوكالة اليهودية على ممارسته، فواحدة أبوها عربي مسلم وأمها يهودية، وهي تنتمي لأبيها حيث دماؤه تجري في عروقها، والثانية يهودية ألمانية أحبت سابا لما رأته فيه من محاسن الأخلاق ومقاومة النازية، ولما رأته في رجال الوكالة اليهودية الذين لا يترددون في ممارسة سلوكات مشينة من أجل تحقيق أغراضهم.

هل كان دروزة والعبوشي والنشاشيبي يكذبون؟ هل أرادوا تشويه اليهود، لأننا كنا وما زلنا نعيش حالة عداء معهم، وبالتالي يصح ما قاله الباحث الإسرائيلي "شموئيل موريه" وهو يدرس الشخصية اليهودية في الأدب العربي الحديث. قال موريه إن الذات تلجأ إلى تشويه الآخر، إذا كانت في حالة عداء معه، وتبالغ في إلصاق التهم به، وتقلل من محاسنه، وتضخم عيوبه. وهل يمكن النظر إلى ما كتب عن اليهود في الأدبيات العربية والفلسطينية من هذا المنطلق؟ وبالتالي هل كان الخبر الذي أعلنه نادي الأسير يدخل في باب تشويه الآخر والإساءة إليه؟
من يقرأ الأدبيات العالمية، وأفكار الأدب العالمي وموضوعاته، يلحظ أن متتبعيها توقفوا أمام الغاوية اللعوب، وهذه حين يقابلها البطل تبدو مغرية وخطيرة في الوقت نفسه، إذ تضع البطل موضع اختبار صعب. إنها تسعده للحظات، ولكنها ترعبه أيضا، وغالبا ما تمتلك صفات الأفعى. تشد الرجال إليها وقد تسحرهم، مثل (ميدوزا) التي تحول، من خلال نظرتها، الآخرين إلى حجارة. تقود الرجل إلى الزواج منها، وتبعده عن واجباته الدينية، وقد يتخلى عن وطنه وعائلته، وعن شجاعته في الحياة، ليتذوق معها سعادة لا عهد له بها. وكانت (فينوس) في الأدب تفسد الأخلاق المسيحية، فهي تغوي المسيحي ليبتعد عن الصلاة. وربما صبغت المسيحية الأساطير بلونها. والغاوية اللعوب، في عصر النهضة، صرفت الفارس عن هدفه، من خلال جمالها الحسي. إن جمالها هذا هو رسول الفساد، وبه ومن خلاله تحاصر الضحية وتمتص قوته. (ينظر ديمرش، أفكار الأدب العالمي وموضوعاته).

ومن يقرأ الأدبيات العالمية أيضا، ويتتبع الفكرة نفسها، فسيقرأ عن اليهودية (استير)، وعن يهودية طوليدو (فرموزا)، ما يعني أن ما أبرزه الكتاب العرب والفلسطينيون لليهودية التي توظف جسدها لخدمة أهداف قومها ليس جديدا.

لقد أفرد متابعو أفكار الأدب العالمي صفحات للكتابة عن (استير) و(فرموزا) (ينظر: فرنزل، موتيفات الأدب العالمي).

تعتمد (فرنزل) على العهد القديم أولا، ثم على نصوص الأدب العالمي وهي تتبع كيف أبرز الأدباء صورة (استير) في نصوصهم. (استير) هي اليهودية الحسناء التي أخفت، بناء على وصية وصيها (مردخاي) أصلها اليهودي، لتحظى بالزواج من الملك (احشيروش) الذي طرد زوجته لغرورها.

وكان الوزير (هامان) يريد إبادة اليهود، فلما علم (مردخاي) بذلك، وكان مستشارا للملك، وكان يعرف أنه يريد الزواج اختار أجمل فتاة من قومه، وهي (استير)، وعرضها مع من عرضن على (احشيروش)، ووقع عليها الاختيار، وهكذا أنقذت بني قومها من مجزرة كانت تدبر ضدهم. (استير) لليهود بطلة ما زالوا يحتفلون بها كل عام في عيد المساخر، وهي لغير اليهود امرأة وظفها (مردخاي) لإنقاذ شعبه. إنها لغير اليهود غاوية ذات جمال ساحر يوظف لأغراض ما.

وستظل شخصية (استير) في الآداب العالمية توظف، وستبدو في دراما ق16 لافتة للنظر في الأعمال الأدبية. لقد برزت في مسرح العرائس في إسبانيا قديسة، وبرز (مردخاي) نبيا، و(احشيروش) عاشقا، و(هامان) رمزا للطموح السياسي الذي يسقط. وهناك من وجد في قصة (استير) مساهمة يهودية لتكامل العالم، فالشعب اليهودي يملك الحق، لكنه لا يملك القوة. (الآن يبدو الأمر مفارقا: إنهم يملكون القوة، ولا يملكون الحق).

أما (استير) في "الوارث" لخليل بيدس، فكانت الغاوية اللعوب التي تعشق غير رجل، وتتطلع إلى المال والاستغلال.

يهودية (طوليدو) هي فرموزا، وهي يمكن أن تكون حقيقية. عشقها (الفونسو) وانضم إليها، كما قال خلفُه، سبع سنوات، ونسي النساء الأخريات والثروة والواجبات كلها، واجباته حاكما، وفيما بعد قتلها الغرناطيون من شرفة غرفتها.

وشهدت قصة (فرموزا) في الآداب العالمية قدرا من التغيرات والتنويعات اللازمة التي كانت تتمحور حول البطل الذي يقع في غواية امرأة، فينسى واجباته لمدة من الوقت. تسحره بجمالها، ولا يعود يرى غيره، فيهمل كل شيء. لكن (الفونسو) يعود، بعد سبع سنوات، إلى رشده، إذ يرسل الله له ملاكا يبلغه عن غضبه بسبب المعصية التي ارتكبها، وهنا يبدي (الفونسو) فطنة، فيشارك في الحروب الصليبية، ويكفر عن نسيان واجباته بسبب الغواية.

وعودة إلى الخبر ثانية
هل نبالغ، نحن الفلسطينيين، حين نكتب عن فتيات يهوديات مرسلات من الموساد للإيقاع بنا؟ ربما وجب أن نتذكر مسلسل (سيف جدعون)، فلقد كان توظيف الفتيات فيه أمراً لافتا. أنا في روايتي "تداعيات ضمير المخاطب" أتيت على الفكرة نفسها، ولا أظنني كنت مبالغا، لا أظنني...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى