الاثنين ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
قراءة في ديوان
بقلم توفيق الشيخ حسين

خلاصات النساج في الجمال

طائر الليل متوحد ٌ بالحزن.. ينقض ّ ُ في العمق البعيد.. ليحاكي صمت السنين.. حين تحركه الرياح فوق آهات الكون.. يتحسس حنايا الذاكرة.. عبر أطياف الراحلين.. يطير وحيدا ً متعبا ً بلا عنوان.. عبر أنين الأرض...

على ريح ِ المجاهل ِ فارش ٌ عينيه ِ..
يتحسّس ُ حركة َ الكون ِ فينقض ّ على
ظلمته ِ لينتزع َ منها الكنـوز:
يـُعاود ُ التحليـق!

«خلاصات النساج في الجمال» الديوان الشعري للشاعر عبدالله حسين جلاب، صدر عن دار الينابيع في دمشق 2009.. يتضمن موضوعات شعرية تعتمد على أسلوب القصيدة الحديثة القصيرة...

"شعرية الطفل المسحور ويضم 19 قصيدة.. الخفي من الكلام ويضم 21 قصيدة.. أغصان الطائر يضم 21 قصيدة.. أشارات تضم 21 قصيدة"...

يطلق على القصيدة القصيرة " التوقيعة " هذا الأسم أطلقه الشاعر الفلسطيني عزالدين المناصرة منذ الستينات...
التوقيعة هي" القصيدة القصيرة المكثفة جدا ً "...

وتتكون قصيدة التوقيعة اذا التزمت التكثيف والمفارقة والومضة والقفلة المتقنة المدهشة... البعض يسميها الومضة الشعرية.. ويرى بعض الباحثين ان قصيدة الومضة متأثرة بنمط من الشعر الياباني المعروف بـ "الهايكو" وتتناول كل المواضيع بطريقة بسيطة الكلمات وتحكي عن تفاصيل وحالات يومية لكن من زاوية جديدة... وهو شكل دال على فلسفة رؤيا معينة..

يؤكد الباحث محمد سعد:

"ان الأمر في الطول والقصر لا يمثل اختلافا ً فنيا ً كبيرا ً، اذ ان سخرية حادة يوردها في بيتين قد تكون أرسخ أثرا ً من قصيدة ذات عدة أبيات"...

يتحسس مواضع الألم.. يصارع ظمأ الخطى مع صيحات ترتعش منها الروح.. يتأمل مساحات الأفق ويحمل الآهات عبر ضجيج الصمت.. وعيون تبرق شمسه الزرقاء في مجاهل السماء.. وتبحث عن أبواب ٍٍ مشرعة ٍ في الأفق البعيد..

في مجاهلها تستطيل ُ العيون ُ
وتبرق ُ الأشباح ُ..
انقضاضات ٌ وصراخات ٌ مبهمة ٌ
انفجارات ُ أحجار ٍ بين الخطى :
تـُطيـّرُ شعر َ الرأس!

استطاع الشاعر عبدالله حسين جلاب ان يدخلنا الى محرابه. فالشعر هو لغة الحياة.. هو تعبير عن الشعور الذي يخالج النفس الأنسانية وما يتبع ذلك من انفعالات وبوادر.

يعرف الناقد الأنكليزي "هربرت ريد" للقصيدة القصيرة على الشكل التالي:

" الشكل والمحتوى مندمجان في عملية الخلق الأدبي"

فعندما يسيطر الشكل على المحتوى (الفكرة) اي عندما يمكن حصر المحتوى بدفقة فكرية واحدة وواضحة البداية والنهاية بحيث تبدو في وحدة بيـّنة عندها يمكن القول اننا أمام القصيدة القصيرة...
في شعره لوعة تسري في عروق القصيدة.. شعور رائع عن هذا الألم الذي نحبه ونكرهه.. ونسعى اليه ونبتعد عنه.. حتى انه أصبح معنا في حياتنا ووجودنا...

بيني والمتلقي..
غـُربة ٌ من خطوات!
* * * * *
أحيانا ً باصبع ِ الثلج ِ ، أكتب ُ..
وفي الأغلب ِ ، بالنـّار!
* * * * *
تراكم ٌ زمني ّ للنـّار ِ..
لا ينبشه ُ الا ّ الشعّراء..
* * * * *
نحن المنفيين في ظلم طويل ،
نخطط بدكنته ، رؤانا!
* * * * *
الدرويش بقلادته الخضراء
مقطوع الرأس
* * * * *
السماء وحدها
تحتفي بالأجنحة
* * * * *
لا زمان في عوالمها
ولا مكان!

يبحث في رمق العيون عن نجوم تحاكي صمت القلوب.. خوف من المجهول.. يسامر نجمة الأحزان ويعيش العتمة مع أفاعي الليل..يروض أفعى نفسه لكنه لا يميتها فيمشي على جمر الأذى ويقبض على شمس المستحيل...

المسحور ُ الطـّفل، مشغله المجهول..
طاعن ُ الأفعى في القلب، حارسة الموت..
ومشـع ّ ُ الجمال الشامل

ليس من المهم ان يعاني الشاعر تجربة عميقة وانما المهم ان يوفق في تجسيدها ونقلها من غموض الشعور الذي لا شكل له ولا حدود الى اشكال وحدود تضع القارئ في أجواء شبيهه بالأجواء التي عاناها..

محطات بلا مسافات.. يسابق الزمن في دروب الحياة.. مع رحلته المطلقة.. عبر مواقف الصمت.. يقتفي آثر المشاعر.. ليهرب من ذاته ولكن وعيه وذاته يلحقان به كظل لا مفر منه...

للمبدع محطات: لا يقتفي فيها أثر َ
أحـد ٍ.
هي رحلته في المطلق ، وهي المبتغى.
تواصله ، جناحاه في السفر اللا محدود،
مدفن التقاعس – زاده، وهي الأبد.

هذه هي تجربة الشاعر عبدالله جلاب.. تجربة تتصدى للقلق والتمزق اللذين يثيران الحيرة واللبس.. ويدفعان بالشاعر الى ان يطوف في خضم الذات ويدخل محراب الجمال من الصور والآلام وانسانية المظلوم والظالم.. الماضي والحاضر.. الغابة والصحراء...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى