الجمعة ٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم محمد زكريا توفيق

خيارات الرئيس مبارك

منذ حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣م، والشعب المصري في حالة ترقب وانتظار لإشارة البدء. إشارة بدء الانطلاق لغد مشرق جديد. لكن إلى الآن، وبعد ما يقرب من أربعة عقود، اشارة البدء لم تأت، ويبدو أنها لن تأتي في القريب العاجل.

أربعة عقود تجمد فيها كل شئ. لم نتقدم فيها خطوة واحدة إلى الأمام في أي مجال. لم ننجح فيها في إقامة صناعة واحدة عالمية نستطيع أن نفتخر بها. لم نقم فيها بتوفير ما نحتاجه من غذاء، بعد أن كنا سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية في يوم من الأيام، وبعد أن كنا اللقحة التي تدر على الحاكم الأجنبي من خيرات مئات القرون.

كنا هليوود الشرق في صناعة السينما، وثاني دولة بعد هليوود الولايات المتحدة. كان دخل مصر في الأربعينات من صناعة السينما أكثر من دخلها من تصدير القطن المصري. كانت هي صناعة يتوحد فيها الشعب المصري بغض النظر عن الدين أو العرق. يعمل بها المسلم والمسيحي واليهودي والمصري والشامي والإيطالي واليوناني وآخرين. أما الآن، فقد فقدنا الصدارة وتحولت صناعة السينما في بلادنا إلى فيديو كلبات لا تهدف إلا إلى الكسب السريع. شأنها شأن المغنى والطرب والمسرح والقنوات الفضائية.

الدبلوماسية المصرية التي أنتجت الدكتور محمود فوزي ومحمود رياض واسماعيل فهمي والتي كانت تفوق دبلوماسية الإنجليز، اختزلت في دبلوماسية أبو الغيط. فقدنا تبعا لذلك مكاننا المرموق وسط دول الشرق، وسبقتنا دول مثل تركيا وإيران والسعودية.

حتي قطر، بات لها وزن أثقل من وزن الدبلماسية المصرية التي ظهر فشلها الذريع في معالجة القضية الفلسطينية وقضية تقسيم السودان، بالرغم من أهمية هاتين القضيتين بالنسبة لأمننا القومي.

السياسة الداخلية العقيمة للحكومة التي تعتمد على افساد الشباب والكبت وقانون الطوارئ واستخدام جماعة الإخوان المسلمين كفزاعة لضمان تلقي العون والمدد من الخارج.

أو لإيجاد مبرر لعدم إعطاء حريات أوسع للشعب، بحجة أن الشعب المصري غير مستعد حاليا للحكم الديموقراطي والحريات السياسية. كما جاء في تصريحات سابقة للسيد الرئيس وتصريحات لاحقة لرئيس وزرائه.

الانفتاح الإقتصادي الإحتكاري المقرون بتزاوج السلطة مع رأس المال والفساد، والذي يعتمد على بيع أصول مصر، مثل أراضي توشكا، والبنوك، وبيع صناعات استراتيجية هامة مثل صناعة الأسمنت إلى الأجانب. هذا يعرض أمن الوطن للخطر، ويجل المصري غريبا في وطنه ويزيد الهوة بين الفقراء والأغنياء.

اهمال الزراعة وتدني خدمات مثل التعليم والصحة والمواصلات وتفشي البيروقراطية والرشوة والفساد. كل ذلك يعجّل بثورة لا تبقي ولا تذر. لا يراها من اسكرتهم الثروة والسلطة. من يقرأ التاريخ جيدا، لا يستطيع أن يهرب من هذه الحقيقة البائسة.

نحن لا نشك في وطنية الرئيس. فهو بطل قومي اشترك في حرب أكتوبر وأدى دوره بنجاح. أعتقد أنه يفعل ما يفعله وهو يعتقد أنه الأصلح لبلده. لكن نحن هنا نقارن حكم فردي بحكم مؤسسات دستورية. مها كان حكم الفرد جيدا، فهو لا يرقى إلى حكم المؤسسات الدستورية، فهي الأفضل والأصوب.

يمكننا أن نقارن حكم فرد بحكم فرد آخر، أو حكم مؤسسات بحكم مؤسسات. لكن لا يمكننا أن نقارن حكم فرد بحكم مؤسسات. هذا هو سر قوة دعوة الدكتور البرادعي. لأنه يدعو إلى تعديل الدستور حتي تحكم الدولة بالمؤسسات لا الفرد.

الرجل لم يأت لكي يزاحم على كرسي الرئاسة، لكنه أتى مطالبا بتعديل الدستور أو حتي الغائة والإتيان بدستور جديد يفعّل المواطنة ويحول الناس من مجرد رعايا حاكم مستبد، إلي مواطنين بيدهم العصمة، وقادرين على حكم بلادهم بأنفسهم لمافيه مصلحتهم جميعا. البداية بتغيير الدستور، جاءت باقتراح كاتبنا الكبير الأستاذ هيكل والذي تجاهلت الحكومة اقتراحه تجاهلا كاملا.

ماذا أمام الرئيس، مبارك شفاه الله، حاليا. أحد الخيارات، هو أن يقاوم تغيير الدستور ويخوض الإنتخابات عام 2011م، إذا كانت حالته الصحية تسمح. بذلك ينهي مدته القادمة وهو على مشارف التسعين من العمر ويصبح في هذه الحالة منافسا لرمسيس الثاني فرعون مصر القديم في مدة الحكم المطلق.

في هذه الحالة، يستمر الرئيس مبارك في حكم البلد بنفس الطريقة، على أمل أن تثمر الإصلاحات الإقتصادية التي تقوم بها حكومة الدكتور نظيف في المستقبل في زيادة موارد الدولة والقضاء على البطالة وازمة الإسكان.

لكن النمو الإقتصادي للشركات الأجنبية والنخبة، يكون على حساب تسريح العمال وأجورهم المتدنية وعملهم تحت ظروف غير آدمية. النمو السريع يتسبب أيضا في زيادة الأسعار بالنسبة للطبقات الكادحة التي تعيش في القاع، والتي لا تستطيع أصلا أن تهبط إلى أسفل أكثر من ذلك.

الإختيار الثاني، هو أن يورث حكم مصر لجمال مبارك نجل الرئيس. ومادام سيناريو التوريث قد نجح في سوريا، لماذا لا ينجح في مصر؟ السبب هو أن مصر ليست سوريا. ثانيا، جمال مبارك يحكم مصر فعلا منذ عشرة سنوات، يقف فيها الرئيس مبارك خلف الكواليس مراقبا.

لذلك توريث الحكم يعني استمرار الأوضاع على ما هي عليه. لا تغيير سوى في رجال الحرس القديم ورجال الأب مثل عمر سليمان وزكريا عزمى وصفوت الشريف واحلال رجال الإبن مكانهم من لجنة السياسات.

هذا يعني نفس السياسة الإقتصادية واتساع الهوة بين الطبقات الفقيرة والأثرياء عما هي عليه الآن. واستمرار قانون الطوارئ واستمرار استخدام جمعية الإخوان المسلمين كفزاعة لجلب العون من الخارج وطلب ولاء الإخوة الأقباط في الداخل. وقد رأينا بشائر ذلك بتأييد بعض الأقباط للتوريث.

الخيار الثالث، هو أن يسلم الرئيس الحكم لرجل آخر من الجيش مثلا يمكن الوثوق به مثل عمر سليمان. ثم يقوم جمال مبارك بما له من نفوذ داخل الحزب الوطني ولجنة السياسات بالحكم نيابة عنه أو من وراء الكواليس. لكن هذه الخطوة لها مخاطرها. وما نعرفه عن الرئيس مبارك من الحرص الشديد، يجعلنا نشك في حدوث هذا الأمر مستقبلا.

الخيار الرابع وهو الأفضل من وجهة نظري، هو العمل باقتراح الإستاذ هيكل وتشكيل لجنة من كبار المفكرين والسياسيين والحكماء الذين يثق بهم الشعب، لكي يقوموا بوضع مسودة دستور جديد يتفق مع فلسفة الدساتير الحديثة.

ثم تقوم انتخابات جديدة حرة تأتي بالمجالس النيابية التي تمثل الشعب تمثيلا صادقا. وتأتي برئيس يختاره الشعب المصري، الذي لم تتح له فرصة إختيار حاكمه منذ محمد على باشا الكبير. محمد على هو أول حاكم يختاره الشعب المصري بإرادته عام 1805م، واليا على مصر رغم أنف الباب العالي.

الخيار الأول أو الثاني أو الثالث، لم يعد أيا منهم يصلح الآن. ربما كان يصلح في الثمانينات. لأن الشعب المصري الآن في حالة تذمر شديدة. العلاوات والمنح التي تقوم الحكومة بإعطائها في المناسبات لتخفيف حدة الغضب لا تصلح كعلاج. الشعب المصري لن يقتنع إلا بأخذ حقوقه كاملة. الشعب المصري لم يحرر سيناء ويضحي بخيرة أبنائه في سبيل ذلك، لكي يعيش عيشة لا يرضاها عدو أو حبيب.

لذلك، ليس أمام الرئيس مبارك إلا الوثوق في الشعب المصري ولو لمرة واحدة. يقوم فيها بتعديل الدستور والإشراف على انتخابات حرة نزيهة. إذا لم يفعل ذلك، فلا أحد يستطيع التنبؤ بما قد يحدث. ولن يكون الشعب المصري أول الشعوب التي تثور، ولن يكون آخرها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى