الاثنين ١٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم عبد الكريم المحمود

دستور الشعب

خوفي عليك من الطاغين يا وطنُ
من كل منتقَصٍ ترمي به الفتنُ
يبدي شعاراً يغرّ الناسَ بهرجُه
ويضمر الثأرَ فيه الشرّ محتقِنُ
خوفي على الشعب كم قادته أنظمةٌ
نحو المآسي وخاضت عيشَه المحَنُ
وكم سباه طغاةٌ كان يحسبهم
بلاسماً لجروحٍ ملّها الزمنُ
حتى أفاق على أضعافها ألماً
بأسره في قيود الأسر مرتهًنُ
لطغمةٍ بدّلتْ وجهاً بسطوتها
فبان بالقبح منها وجهُها الحسنُ
إذ أبدلت وحدة العُرب التي زعمت
بفرقة العرب غزواً كله ضَغَنُ
وبدّلت ما ادّعت حرّيّةً فغدتْ
كمّاً لأفواه أحرارٍ بها سُجنوا
والاشتراكيّة الكبرى التي وعدت
صارت بضاعةَ سوقٍ ساده الغبَنُ
وما بنَتْه لحفظ الأمن في مدنٍ
أمسى لارهابه تشقى به المدنُ
وبعدما وعدتْ بالعدل ينشره
حبٌ لديها لكل الشعب متّزنُ
صبّتْ على الشعب نار البغض مرسلةً
كلابها لدماء الناس تمتهنُ
لا ترعوي لضميرٍ مات مندثراً
أو تنثني لعقولٍ قادها وثنُ
صار الفجور لها ديناً تمارسه
وطيبها كل آنٍ خمرُها النتنُ
غابت عن العقل إلا عقل شهوتها
فوعيُها ما تعيه البَهم والضأَنُ
ترفّهتْ بلذيذ العيش ناعمةً
وما تبالي بشعبٍ عيشُه خشِنُ
بل تحسب الناس كالأبقار تحلبها
في كل يوم لها من ضرعها لبنُ
تحوز منهم حصاد الجهد مرغِمةً
يعطونه رغم فقرٍ فيه قد وهَنوا
وأدخلتهم حروباً ما لها سببٌ
إلاّ سفاهة عقلٍ هدّه الأفَنُ
ذاقوا بها الويل أعواماً تعذّبهم
وما استراح سوى من لفّه الكفنُ
ما من شجاع لدى الطاغوت يردعه
فكل من حوله أرداهم الجبُنُ
وما لديه حكيم الرأي ينصحه
فكل خلاّنه في غَيّهم قطنوا
إن حاوروه فهم أسرى لنزوته
أو كلّموه فهم في سمعه رطنوا
كلٌ يخاف اصطلاماً عند رؤيته
فليس يلقاه منهم قائلٌ لسِنُ
مالوا على الشعب سيفاً بالهوى قطعوا
منه الرؤوسَ وفي أحشائه طعنوا
خاضوا دماءه مرتاعين من نفَسٍ
للحق يُصعده من صدره الشجَنُ
فقتّلوا خيرة الداعين في عملٍ
أن يُكشف الكرب عن دنياه والحزَنُ
وأكثروا في بنيه الرعب يدفعهم
لمنزل الضيم في أنحائه سكنوا
يبكون في ظلمةٍ تخفي مدامعَهم
وليس يسعدهم ما يجلب الوسنُ
فقرٌ وسقمٌ وخوفٌ كان يشملهم
وليس من طارقٍ في رفقه أمنوا
أو من طبيبٍ يداوي عسر علّتهم
أو من غنيّ لهم في ماله ثمنُ
قد أرهقتهم يد الباغي فلا أملٌ
يلوح إلا بمرّ اليأس مقترنُ
فالأرض ضاقت بهم من كل ناحية
وفي السماء غياث الله مختزَنُ
ليعلمَ اللهُ مَن أنصارُ شرعته
ومَن أطاعوا هوى الباغين أو ركنوا
لمَن يبدّل شرعَ الحق مفسدةً
ويحكم الخلقَ ظلماً ملؤه إحَنُ
حتى أتى أمر ربّ الكون منتقماً
من طغمةٍ حكمت في محوها السننُ
فحطّم القاهرُ الجبّارُ عسكرَها
وهدّ قلعتَها ناموسُه الرصِنُ
بأنّ من شيّد الطغيانُ دولتَه
لا بدّ يوماً بقبر الذلّ مندفنُ
وأنّ سارق مال الناس مفتقرٌ
وظالم الناس قطعاً سوف يُمتهَنُ
وتابعوه الى نارٍ ويتبعهم
ذلّ المهانة ما حلّوا وما ظعنوا
والكِبْرُ والفخر بالعدوان منقلبٌ
صُغراً وذلاً يجلّي سرّه العلَنُ
فالمجدُ لله رباً واحداً حكَماً
في حُكمه الخير والإنعام والأمَنُ
أوصى بشرعٍ لكل الحاكمين به
دستورُ حقٍ لفرض العدل مؤتمَنُ
مَن حاد عنه هوى دنياً وآخرةً
وسيمَ لعناً كما أسلافُه لُعِنوا
يا شعبُ فاقصدْ لحكم الله مقتدياً
بما أراد الحسينُ الثائر الرزِنُ
إذ ثار يطلب حكمَ الله في بلدٍ
بالكفر يحكمه مستهتَرٌ عفنُ
فسطّر السبطُ والأنصارُ ملحمةً
لطالب الغوث منها عارضٌ هتِنُ
يُحيي نفوساً أمات الضيمُ دوحتَها
فما يرفّ لها من يأسها فنَنُ
فبالحسين يعود الشعبُ منتفضاً
ليأخذَ الثأرَ ممّن صدرَه طحنوا
ممّن سعوا في فساد الأرض منهجُهم
جَورٌ وفسقٌ على آثامه مرَنوا
يدعون كل أثيمٍ في محافلهم
بالعطر يستر ما فاحت به الدّمنُ
ليخدعوا الناسَ أن الدين مبتعدٌ
عن السياسة لا ترقى به المدنُ
وأنه يجعل الأوطانَ مصطرعاً
فيه المذاهبُ بالأحقاد تضطغنُ
فلا خلاصَ سوى في تركه طُقُساً
يخوضها من هوى الكهّان ما كهَنوا
وأغفلوا أنّ في الاسلام أنظمةً
تزول في ظلها الآفاتُ والمِحنُ
وما حوته دساتيرٌ ملفّقةٌ
أملى مظالمَها مَن للهوى ذعِنوا
من ساسة الغرب والشرق الذين نموا
في حمأة الكفر من إلحادها شُحِنوا
فحاربوا كل دينٍ لا يُحِلّ لهم
ما شرّعوا من فسادٍ أو به أذِنوا
وأنكروا دولةً للحق أنشأها
حُكمُ الرسول بها يستيقن الفطِنُ
وأعلنوا رسمَ عِلمانيّةٍ بدَلاَ
من شِرعة الله،صبغاً تحته درَنُ
وطبّقوها فلا عينٌ رأت أثراً
من حُسنها أو وعتْ من عدلها أذُنُ
فهل تفيق شعوب الأرض من وسَنٍ
غشّى رؤاها وغابت عنده الفِطَنُ
أم تستمرّ بنومٍ في سفائنها
يرمي بها الموجُ حتى تغرق السفنُ
وأنت يا شعبُ هل تصحو لما مكرت
بك الشياطينُ مكراً شرّه ضمنوا
إذ أطلقوا فيك أحزاباً مفرّقةً
وبيتُ مالك مجموعاً لها مؤنُ
حتى غدوتَ بلا زادٍ ولا سكَنٍ
أنت المشرّدُ من أرضٍ بها عدَنوا
وبعضهم يدّعي الاسلامَ منهجَه
وهو العدوّ لدينٍ كله مِننُ
ما وافق الدينَ مَن يدعو لتفرقةٍ
دعا لإزهاقها القرآنُ والسُننُ
وما تديّن من أضحتْ مصالحُه
تقوده كحمارٍ قاده الرسَنُ
يخادع الناسَ في زهدٍ يبيّنه
وقد ترهّل منه الروحُ والبدنُ
يدعو لبُعدٍ عن الإسراف في أكُلٍ
وهو الأكولُ بديناً همّه السمَنُ
وينصح الناسَ أنْ أدّوا أمانتكم
وهو الخؤونُ بمالٍ حين يؤتَمنُ
ويدّعي دجلاً في الدين معرفةً
وما تولاّه إلا الجهل والضِننُ
لا يعرف الشعبَ إلا وهو منتخِبٌ
نوّابه علّه إياه يأتمنُ
وما يواتيه في الدنيا سوى فشلٍ
إن فاز يوماً فيومَ العسر يُمتَحنُ
فيُنزل الشعبُ من خانوا أمانته
في مهبَط الذلّ يغشاهم به الجَننُ
والمخلصون لشرع الله يرفعهم
حتى تُضيءَ بهم في الظلمة القُننُ
مستهدياً بحماة الحقّ عندهمُ
حلّ وعقدٌ لما يأتي به الزمنُ


الأعلى