الأربعاء ٢٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

رحلة رَشْوَايَامَا

حدّثني أبو ضِياء؛ قال:

الرشوةُ فيروسٌ متى أصاب مجتمعا، تغلغل فيه وأمرضه، وقلب رأسَه على عقِبِه، وقِيَمه النبيلة (مثل الإخلاص وحب الوطن واحترام القانون) إلى قيم محتقرة لصيقة بالغباء. والرشوة داءٌ لا يقوى على مكافحته وشفاء الشعب منه، إلا حاكمٌ جليلٌ عاشقٌ للتحدي. ومتى استبدت جرثومُتها اللعينة ببلد مَّا، حولته حتما إلى بلد يشبه "رَشْواياما"؛ البلد الذي يَحار زائره بسبب ما يراه فيه من أمور مناقضة للعقل السليم، ولمنطق الحياة الكريمة. وكان من الأمور المضحكة ـ المبكية التي رأيت في ذلك البلد:زمن ساعاتي معطل... يدور ولا يسير، قانون خاوي، خبز ذاوي، بنايات من الخرسانة العزلاء مسلحة بالورق بدل الحديد، طرقات من الحصى مصبوغة بطلاء سبورات المدارس، مدارس مبنية من مادّة تتفتت بمجرد أن يمسّها المطر... وكل ذلك لأن المسؤولين تلقوا رشوة، فأغمضوا عيونهم عن الأمور التي كان لزاما عليهم فضحُها ومناهضتُها ومعاقبة فاعليها. وفي نفس البلد الرَّشَوي، رأيت قنوات مجاري أطرافها من "هنا وهناك" وما بين "الهنا والهناك" لا وجود للقنوات، دواء مصنوع في عمومه من مادة الكذوب المستوردة من بلدَيْ سَرقونْيا وقُبقُبلاند، وأشياء أخرى يسهل عليَّ ذكرها بصيغة المبتدأ:رجل/سطل مناسب موضوع في المكان المناسب في وزارة قعقعة السطل بلا فائدة، رجل/ناب منخور على رأس مؤسسة صحافية همها الأساس تسويق مادة مستهلكة بالماركوتينغ، والكلام الفارغ بالنابكوتينغ، خيريات لا خير فيها، رجال محترمون بلا قياس وهم في الحقيقة لا محترمون إطلاقا، صناديد ذوو جبوه لا يستحيون من الظهور بها كوجوه عالمة، أمن يرهب، قانون غابي، حب مفلَّس، صداقة أبتزازية، شعارات ثورية/تقدمية موغلة في الاصلاح والرجعية، تكوين علمي بتجارب متوهمة ومكتوبة بالطبشور الزيَّاط على السبورة المقشورة، حقوق المرأة معطاة بمبدأ "اعطها من هنا واحذف لها من هناك"، كتاتيب تفرِّخ كتاكيت جهيلة وإرهاب، وقانون غاب، رعاية المهمشين في مؤسسات مهمشة، رعاية المكفوفين بالحيلة والزرواطة، السكن لذوي الدخل المحدود في مساكن محدودة، جدا بحيث يعلم الجيران الساعة التي أنجب فيها الجيران أطفالهم، وبمراحيض ضيقة جدا، بحيث إذا دخلها صاحب الحاجة ضاق به أن يدخل إناء الوضوء... لجنة مكافحة حوادث السير لسير مؤسسات التأمين، مصابيح كهربائية تنطفئ لتموت قبل حلول الليل، دهون نسائية للتجميل لا تزيد النساء إلا بشاعة، طاكسيات/شاحنات/حافلات مهترئة ومع ذلك تسير، شواطئ ملوثة، خبز مطاطي، طرق سيّارة بقصر ورداءة نظر مصمميها، جامعات تخرِّج علماء بشهادات ابتدائية، مؤسسات صناعية تصنع:مفكّات براغي لا تدور، سكاكين لا مقابض ولا نصول لها ومع ذلك تذبح، صندلات مطاطية بكَّاءة تصدر أنينا وشكوى متى تُوُضِّئ بها للصلاة، مبيدات حشرات إن لم تقتلك وأهلك قوّتْ الحشرات، سجائر لا تحدث مرض السرطان وهذا عيبها، وهلمجرَّا ليست هي هلمجرا التي ستدرس في الستينيات... ورأيتُ؛ قال أبو ضياء:العالم القروي مختزلا في العالم الهروي، والبرلمان الذي لا أمان، و"زيد وزيد" التي هي "اوقف اوقف"، ووزير ذئب على رأس وزارة النعاج، ووزير قرش على رأس وزارة السردين، ووزير شبَّ على حصير وانتهى إلى كرسي أثير، ومال لا حد له، وآخر يقوا للبلاء "طِر أنتَ أو أطير"، وآخر يؤمن كثيرا بمبدأ "ادهن السِّير يسير "... وذلك لأن الرشوة في بلاد رَشْواياما، هي الحل وهي السلطان، وهي البر والأمان؛ حتى أن المولودَ الجديد مطالب بإعطاء الرشوة لقابلته لكي تسمح له بالخروج من بطن أمه، وأن الراغب في التوبة عن المعاصي يعطيها لكي يذهب إلى الحج، والصعلوك القانط، لنيل رضا والديه، والأب الحزين لابنه لكي يبرَّ به...

ــ هل تملَّككَ الحزن أيها القارئ؟

ــ نعم؟

ــ إذن، مرحبا بك في بلادي غرباتيا... ومن دون رشوة عافاك!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى