الخميس ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

رسالة إلى شاعر

كان جالساً على أريكته يتابع مشاهد فيلم عاطفي جاب فيه البطلُ البحار والوهاد؛ مفتشاً عن حبيبته التي أدرك بعد فراق قسري أنها تحتضر في إحدى المستشفيات التي أودعها فيها أهلها حين أصيبت بمرض الطاعون الذي عمَّ المدينة ..

كان يتابع هذه المشاهد متعاطفاً مع البطل الذي أراد له أن يصل إلى حبيبته قبل فوات الأوان ... كان يثب من فوق أريكته مثلما يثب البطل من فوق التلال على حصانه الذي شعر بمدى الاشتياق الذي يسري في خلايا صاحبه لملاقاة حبيبته ....

وفيما هو متوقد المشاعر والأحاسيس كتوقد مشاعر ذاك البطل، رن هاتفه الخلوي معلناً وصول رسالة ما ... أمسك بهاتفه وفتح الرسالة ليقرأ : من القلب لكَ سلام ياغافياً في الفؤاد إلى الأبد ....

ترنمت مفردات تلك الرسالة كالهديل في قلبه، وأشعلت نيران الهوى الذي انطفأت جمراته ذات ليلة ...

مفردات حطّت على صدره الطري من دون أن تعرف أن الذي ينبض بوجيبه بين أقفاص ذاك الصدر عطش لكلمة تأتيه في ظلمة ذاك الليل، تنعش فيه الحنين لدروب الهوى وآهاته وأناته ....

مفردات كُتبت عبر رسالة لتحكي ماكان مختبئاً في صدر امرأة، لكن الغيم الذي سمع رنين وصولها همى بدرب ذاك الشاعر، فغارت منه نجوم الليل الذي انشقت ستائره عن حنين قبل انبلاج طيف الهوى .

بدأ القلب بين جنباته يسرع في نبضاته، كما لو أن الرسالة قد كتبت في الأصل له .. وبدأت المفردات تتمايل أمام عينيه كأنها ترقص على وجيب نبضات قلبه ... لم يكن الفجر قد أطل من نافذته بعد فالبدر الذي كان مختبئاً وراء إحدى الغيمات أطل ليرمق مشهد دمعات خجولة تترقرق في العينين ....

ماذا يفعل هذا الشاعر في صمت هذا الليل بعد أن أشعلت عيونَ حنينه نارٌ أُضرمت من مفردات أطلت لتحيا في قلبه البائس ؟؟...

لم يكن الرقم الذي أرسل تلك الرسالة معلوماً بالنسبة إليه، فأدرك أن صاحبته قد أخطأت في رقم حبيبها، فوصلت إليه ....

قرأ حروف الرسالة مرة أخرى، وتذكر حبيبته التي أبعدها عنه القدر ، وتذكر مفردات القصائد التي كتبها من أجل عينيها، والليالي التي أرّقته ولم تجلب إلى جفنيه النوم، والساعات التي قضاها برفقتها وخالها ثواني في دنيا كانت تتساقط أزمنتها كالياسمين حوله ...

تنهد وغامت عيناه بطبقة رقيقة جعلت بياضهما مكسواً بحمرة شفيفة، وطفا وجهها نحوه في ذاك الفراغ الذي كان يملأ غرفته وحياته، فأمعن في تفاصيله، في حمرة الخدود، في بريق العينين وانسدال رموشهما، في ابتسامة عذبة تتلألأ من بين الشفتين، فتشبث باللحظة، ضارعاً لذاك الوجه ألا يرحل عنه ...

كالوهم جاءه ذاك الوجه فأضرم في قلبه لوعة وأنيناً، وأحس أن حدة تلك اللوعة لن تعيد إليه كل ماتسرب من بين أصابع حياته التي ذهبت دون رجعة ....

وفجأة أمسك بجهازه الخلوي فاتحاً صفحة رسالة جديدة وضاغطاً على أزرار الحروف ليكتب : من القلب لكِ سلام ياغافيةً في الفؤاد إلى الأبد ... وليرسلها لا إلى صاحبة تلك الرسالة التي وصلته، وإنما إلى مكان لايوجد فيه هاتف أو أريكة أو سرير ... إلى قبر لايزال ينزف حباً ويُنبت في كل يوم رسالة تحيط بها شقائق النعمان من كل جانب ....

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى