الأربعاء ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥

«رقصة العاج» لباسم الزعبي

يكاد الأدب الإفريقي يكون مجهولا للقارئ العربي، ليس بسبب غيابه، بل بسبب قلة الترجمات من هذا الأدب، إذا ما استثنينا تلك الترجمات للأعمال التي يصدف أن تفوز بجوائز عالمية، إذ يتهافت المترجمون على ترجمتها.

تقدم مجموعة "رقصة العاج" الصادرة حديثا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن (2025) للمترجم الدكتور باسم الزعبي منتخبات قصصية تعود إلى حقب زمنية متعددة، ولكتّاب أفارقة من دول متعددة. نجد هنا مؤلفين معروفين، ومؤلفين أقل شهرة، وممثلين للاتجاه الفولوكلوري في الأدب، والأدباء الذين يصورون حياة المدن، وطيفاً من الأساليب والاتجاهات المتنوعة بدرجة كبيرة، من العفوية إلى الواقعية والسوريالية. إن اللوحات الحياتية القصيرة، والرسومات السيكولوجية، وصور الحياة التقليدية، والاستعارات المجازية المعقدة والأحداث المؤثرة، والقصص الساخرة، والحكايات البسيطة، والأحاديث الرمزية، لم تتعايش على صفحات كتاب واحد وحسب، لكنها قادرة أن تقدم نفسها وحدة حقيقة، لأن إفريقيا المعاصرة تتنفس على هذه الصفحات بكل تناقضاتها: طيبتها، ودمامتها، حكمتها، وخرافتها، وروعتها الشعرية.

سيلاحظ القارئ أن قضية التمييز العنصري هي الأهم في الأدب الإفريقي، وخصوصاً لدى كتاب جنوب إفريقيا. وسيلاحظ أيضاً شيئاً آخر من دون شك: إن التطرق لهذه المواضيع لا يحمل طابعاً شعارياً، ومتحرراً من الصبغة الأخلاقية أو البوليسية. والحلول الساخرة للموضوعات أصبحت ذات خصوصية، فهي على نحو مفارق تؤكد على تراجيدية الحالة.

إن الجزء الفلوكلوري من المنتخبات يشكّل قسماً متنوعاً، متعدد التلاوين، بعض القصص تبدو إعادة بسيطة للحكايات الشعبية. وعلينا أن نتذكر أن هذا العمل يعتبر عملاً أدبياً جاداً ومتعدد الوظائف بالنسبة للكتاب الأفارقة. ومن الضروري تكييف اللغة الأجنبية (الغربية) لإيصال القيم الإفريقية، ومن الضروري جعل النص الفلوكلوري نصاً أدبياً، وأخيراً يتوجب إيجاد حلول للمسائل التأليفية - الإبداعية. ومع ذلك فإن هذا الكتاب لا يجمع الأعمال الفولوكلورية فقط، فعلى أساس المادة الفلوكلورية بنيت قصة (protista) المليئة بالرموز والاستعارات المجازية، القصة المؤثرة والدقيقة، البداية الخاصة بالمؤلف بالتأكيد هي السائدة هنا، أما التحليق السوريالي فيعطي التفاصيل "الفلكلورية" تكويناً غير منتظر، ولوناً خاصا إلى حد كبير. أما الكاتب الكيني نغوغي فاهتينغو فيتضمن أدبه السيكولوجي العميق الحكاية الشعبية.

أما الجزء الأساسي من هذه المجموعة فتشكله القصص الواقعية، والقارئ الممحّص سيستخلص منها إشارات غنية عن حياة إفريقيا المعاصرة، والذي لا نستطيع تحقيقه من خلال الكثرة، من الدراسات الاجتماعية والإثنوغرافية، والدينية. هنا نجد المعتقدات الدينية التقليدية، والعلاقات البينية القبلية، ووضع المرأة، وعادات الزواج، وولادة البرجوازية المحلية، ورذائل المدينة، وقصص الحب، والدعارة، ومهانة الإنسان، والفضيلة، .. باختصار، كل شيء يدخل في تكوين صورة إفريقيا اليوم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى