الاثنين ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

ريتشارد بوش مؤلف «مصير الآخرين»

لا يمكن أبداً أن تُفسد نصاً أدبياً بحيث لا يصلح تماما ونصائح أخرى

ريتشارد بوش مؤلف «مصير الآخرين» فى حوار مع موقع ليت هوب/ Lit Hub الأدبي

صدرت حديثاً مجموعة ريتشارد بوش القصصية "مصير الآخرين" عن دار كنوب، فسألناه عن: مشكلة جمود الكاتب الإبداعي وإعادة القراءة، والنصائح المضللة في الكتابة ، غير ذلك من المواضيع.

متى تكتب أثناء اليوم (ولماذا)؟

أنا محظوظ جدًا لأنني دائمًا ما أستطيع العمل في ظروف مختلفة. قد يعود هذا إلى أنني بدأت الكتابة وأنا في سلاح الجو، حيث كنت أُدرّس مهارات البقاء واستخدام معدات النجاة (مظلات الهبوط، مجموعات النجاة لطائرات المقاتلات، البقاء في البحر باستخدام قوارب النجاة المطاطية، وغير ذلك)، وأعيش في ثكنات مع آخرين من خلفيات متنوعة قدموا من أماكن بعيدة وغالبًا من دول أخرى.

كتبت روايتي الأولى "الحضور الحقيقي" في الغالب بين منتصف الليل والرابعة صباحًا، جالسًا على طاولة كبيرة في غرفة الطعام في كوخ صيد قديم تم تحويله إلى سكن. لكنني منذ ذلك الحين عملت في أوقات مختلفة: في الصباح، ومنتصف الظهيرة، والمساء، وما زلت في كثير من الأحيان أكتب في منتصف الليل.

لم أتقدم قط بطلبٍ للانضمام إلى أي نوعٍ من الإقامة الفنية أو قضاء وقتٍ في مستعمرةٍ أو منتجعٍ كتابي؛ لطالما قلتُ إنني أريد الكتابة عن الحياة، ولكي أفعل ذلك شعرتُ أنني بحاجةٍ إلى الانغماس في الحياة. ولكن من الصحيح أيضًا أنني في المرات القليلة التي انعزلتُ فيها بسبب الظروف، كما هو الحال عند الترويج لكتابٍ أو قضاء موعدٍ ككاتبٍ زائرٍ في الجامعات، وجدتُ صعوبةً في استجماع الإرادة اللازمة للكتابة.

على أية حال، باب الاستوديو الخاص بي مفتوحٌ دائمًا عندما أعمل في المنزل على شيءٍ ما، ولا أخشى المقاطعة أو التشتيت. الكتابة صعبةٌ للغاية، بالطبع - ولطالما وجدتُها كذلك، لكنني أعملُ مؤمنًا بأن جوهرها، أيًا كانت القصة أو الرواية أو القصيدة، لا يضيع أبدًا. إذا كانت الكتابة جيدةً، فستظل أعمق جوانبها موجودةً، حتى لو كانت تطفو على السطح.
كيف تعالج الجمود الإبداعي؟

تسعة وتسعون بالمئة من حالات الجمود الإبداعي هي في الواقع مجرد عوائق نفسية جسدية - حواجز وهمية لا أكثر.صديقي الراحل وليام ستافورد، ذلك الشاعر المتجدد الساحر والمتوهج بطريقة غريبة، قدّم أفضل إجابة سمعتها في حياتي عندما سُئل عن حل هذه المشكلة. كان ذلك خلال أمسية شعرية في جامعة جورج ميسون عام 1981، حيث دعوته كشاعر زائر. سأله أحد الحضور: "ماذا أفعل عندما أعاني من جمود إبداعي؟"

ابتسم بلطف وصبر، وأومأ برأسه وقال: "اخفض معاييرك واستمر في الكتابة". اعتبر بعض الحضور ذلك مزحة. لم تكن مزحة، بل نصيحة مثالية للغاية. (تكاد تكون مرادفة للمثل الصيني: إذا أعطيت سمكة لجائع، فقد أطعمته يومًا واحدًا؛ ولكن إذا علمته كيف يصطاد، فقد أطعمته مدى الحياة). على أية حال، لقد كررت نصيحة ستافورد مرارًا وتكرارًا. لأنه، كما أوضحت لطلابي مرارًا، لا يمكنك إفساد أي نص إلى الأبد. لا يمكنك أن تتلفه أو تحطمه أو تؤذيه تماما. إنه ليس مصنوعاً من زجاج أو حجر. في أسوأ أيامك ككاتب، كل ما يمكن أن تفعله هو أن تجعل النص بحاجة إلى مراجعة مرة أخرى. هذا هو جوهر عملية التنقيح، وهنا تكمن براعة الكاتب الحقيقية بأي حال.

في الواقع، كان "جمود همنجواي الإبداعي" الشهير انهياراً نفسياً في المقام الأول: نتيجة صدمات متكررة تعرض لها دماغه بسبب الإفراط في الكحول (كان يشرب زجاجة أو اثنتين من النبيذ الأبيض قبل الفطور، ثم يستمر خلال اليوم في شرب النبيذ الأحمر والدايكيري والويسكي أو الفودكا الصافية؛ قال إنها كانت بمثابة وقود له).

وعلاوة على ذلك، بات من الواضح تمامًا الآن أنه في النهاية الحزينة، كان يعاني من اعتلال الدماغ الرضحي المزمن - وهو مرض يصيب لاعبي كرة القدم والملاكمين. وقد أصيب بتسع ارتجاجات دماغية خطيرة على الأقل على مر السنين.

إذًا، إذا كان المرء يعاني من هذه المشاكل (مثل حالة همنجواي)، فعندها نعم، هذا الجمود الإبداعي حقيقي ومُكتسب إذا جاز التعبير. لكن في هذه الحالة بالذات، المشكلة جسدية في المقام الأول، والشخص يحتاج إلى طبيب، وليس إلى معالج نفسي أو مدرب كتابة.

أما إذا كان الجمود من النوع النفسجسدي وهو الأكثر شيوعًا، فإن المعاناة نابعة من عوائق يفرضها الكاتب على نفسه، ويمكن التغلب عليها ببساطة بالمثابرة والاستمرار. إذا شعرت أن ما تكتبه رديء ولا تعرف كيف "تصلحه"، حاول الاقتراب منه من زاوية أخرى، أو وجهة نظر مختلفة، تحرّك مع النص بدلاً من التحرك ضده.

"زر نصك كل يوم"، كما قالت لي صديقتي العزيزة ماري لي سيتل عندما كنت أعاني مع روايتي الثانية، "دعه يعرف أنك موجود". وأضيف إلى ذلك: حرك النص، تحمّل المشقة، تذكر مقولة أن العبقرية ليست سوى قدرة لا متناهية على تحمل العناء؛ دعه يُعلّمك ماهيته، ثم عد إليه وابدأ من جديد. ثم عد. وكرر ذلك إذا ما استدعى الأمر ذلك.

أؤمن أنه في كل مرة أخوض فيها هذه التجربة، أُصبح أكثر فهمًا له، كأنني أُعلّم نفسي عنه. أنا أسير نحو الهدف الأصدق: شيء يتجاوز نيّتي الواعية، منفصل عني وعن كل توتّراتي المرتبطة به؛ شيء مخلوق. كيان قائم بذاته. قصة حقيقية. القصة التي كثيرًا ما أكتشف أنني لم أكن أعلم أنني أكتبها. والقصة التي لا يمكن لأي شخص سواي أن يكتبها.لأن المفتاح الحقيقي للأصالة عند الكاتب هو الوصول إلى ذاته الحقيقية.

ما هي أفضل أو أسوأ نصيحة كتابية تلقيتها على الإطلاق؟

هناك نصيحتان شائعتان تتبادلهما الأوساط الأدبية، لكنهما في الواقع غير صحيحتين في كثير من الأحيان لدرجة أنهما تستحقان أن تُدرجا ضمن النصائح التي لا يجب تقديمها للكاتب المبتدئ. الأولى هي: "اكتب فقط عما تعرفه".

هذه النصيحة غذَّت تلك النزعة الحديثة المُفرطة في تبسيط الفن والثقافة الأمريكية إلى حدٍّ يُضحك — وهو أمرٌ أعتقد أن الأجيال القادمة ستسخر منّا بسببه — وهي في الحقيقة تتعارض كليًّا مع جوهر كتابة الرواية. صديقي الراحل ألين وير، الكاتب العظيم، أخبرني ذات مرة عن قراءته لمقطع من روايته "تيهاو" (التي في رأيي تنافس تولستوي)، وهو مقطع يتحدث عن غارة قام بها كومانتش بقيادة أحد شخصياته الرئيسية، محارب يُدعى "توك توكس".

بعد القراءة، وقف أستاذٌ في الأدب من بين الحضور وقال: "أتساءل كيف قررت أن تستعمر شخصياتك من الأمريكيين الأصليين بهذه الطريقة؟" فاكتفى ألين، بعد صمتٍ قصيرٍ — وكان رجلًا ودودًا — بالقول: "لا أعرف كيف أجيب على هذا إلا بالقول إنني أؤمن بقوة الخيال البشري."

إذن، كنصيحة، فإن "اكْتُبْ ما تعرفه" خاطئةٌ في النهاية. وقد بذلتُ جهدًا كبيرًا لأكتبَ متجاوزًا تعقيدات ذاتي وتجاربي لأدركَ ما لا أعرفه — أو بتعبير أدقّ، لاكتشاف ما لم أكن أعرف أنني أعرفه.

أما النصيحة الثانية السيئة فهي: "اعرض ولا تُخْبِر".هذه العبارة تتكرر بكثرة في المحاضرات وورش الكتابة، وهي صحيحة فقط في حالات محدودة. وفي تلك الحالات، عليك أن تبذل جهدًا كبيرًا لتجعلها تُظهر ما لم يُقَل صراحةً.

لكن خلال تجوالي في ورش الكتابة عبر البلاد، أرى عشرات الصفحات من النثر الرديء، مكتوبة بعناية فائقة ومليئة بحواراتٍ بلا سياقٍ بدلًا من الحوار الحقيقي، وإيماءاتٍ بلا معنى، وأفعالًا مُفصَّلةً بشكل مبالغ فيه، مع مقاطع متكلفة تُكتب تحت فكرة خاطئة مفادها أن حجب كل شيء يخلق الدراما. هذا ينبع من اعتقاد خاطئٍ جدًا بأن القارئ سيتابع القراءة بدافع الفضول وحسب، لأن الكاتب "يعرض" ولا "يُخبر".

لكن الحقيقة هي أن الفضول وحده لا يكفي أبدًا لجعل أحدهم يقلب الصفحة. فالنصُّ بلا سياقٍ يكون دائمًا مملاً، وخاليًا من التوتر الحقيقي لدرجة أن القراء المتسامحين سينصرفون عنه.

لأن الحقيقة مرة أخرى هي أن ما يخلق التشويق السردي هو ما يعرفه القارئ، لا ما يُخفى عنه. وهذا ما يولّد ذلك الفضول الذي يدفعه لمواصلة القراءة. لذا فإن أفضل نصيحة للكاتب هي ألا ينسى أبدًا أن القصة الجيدة هي مزيج من "العرض" و"الإخبار"، وعليه أن يحدد — في كل قصة، طويلة أو قصيرة — متى يستخدم هذا ومتى يستخدم ذاك.

ما هو العمل غير الأدبي — فيلم، مسلسل، لوحة، أغنية — الذي لا تتخيل حياتك بدونه؟
هذا البيت الجميل من أغنية شون كولفين المحبوبة:
"لو لم يكن هناك موسيقى، لما استطعتُ أن أعبر... لا أعرف السبب، لكني أعرف هذه الأشياء."

ما الكتاب/الكتب التي تعيد قراءتها؟

أعيد قراءة "الحرب والسلام" للمرة السادسة (قرأتها لأول مرة في التاسعة عشرة)، وأعيد قراءة "جاتسبي العظيم" للمرة السادسة والأربعين (أقرأها تقريبًا كل عام منذ 1971، عندما قرأتها لأول مرة). ومن بين الكتب الأخرى: "آنا كارنينا" (خمس مرات)، قصص ومسرحيات تشيخوف، وقصص كاثرين آن بورتر (مرارًا وتكرارًا)، وجون تشيفر (كذلك)، ويودورا ويلتي، وبيتر تايلور، وجورج جاريت، وفاسيلي أكسيونوف، وويليام ماكسويل، وماري لي سيتل، وجريس بالي، وويليام ستايرون، وجيمس بالدوين. (أقرأهم جميعا، بشكل متكرر.)

أعيد قراءة الكثير، بما في ذلك التاريخ والسير الذاتية والشعر. كل الشعراء. مرارًا وتكرارًا.

وبالطبع لدي العديد من الأصدقاء في عمري وأصغر ينبغي أواكب إنتاجهم، بدءًا من زوجتي ليزا كوبولو، التي أحدث كتابها الأول للقصص "ارحمنا" ضجةً لطيفة في المشهد الأدبي عام 2023.

زملائي وأصدقائي جميعهم مُنتجون بكثافة، وكما قال صديقي القديم ريتشارد فورد ذات مرة في مقابلة عن جيلنا من الكتّاب: "لم نضيع وقتًا في التطاول على بعضنا. نحن نحب بعضنا، ونحتفل بنجاحات بعضنا، ونحزن لخسائر بعضنا أيضًا."

وأنا شخصيًا كنت دائمًا مع توأمي المتماثل، روبرت بوش، الذي كتب روايات وقصصًا رائعة، أقرأها وأعيد قراءتها. ومن بينها: "الديك الأبيض وقصص أخرى"، والروايات مثل: "أنا القدير"، "حفرة في الأرض"، "حياة رايلي تشانس"، "في الخريف يعودون"، "بعيدًا كما ترى العين"، و"أسطورة جيسي سموك".

كما قال جون بيريمان في إحدى "أغاني الحلم" على ما أعتقد:

"العمل والأصدقاء. العمل والأصدقاء."

نعم.

* ريتشارد بوش/ Richard Bausch (مواليد ١٨ أبريل ١٩٤٥ ) روائي أمريكي، وكاتب قصص قصيرة، وأستاذ في برنامج الكتابة بجامعة تشابمان في أورانج، كاليفورنيا. نشر ثلاث عشرة رواية، وتسع مجموعات قصصية، ومجلدًا واحدًا من الشعر والنثر.صدرت له هذا الشهر مجموعة قصصية جديدة بعنوان مصير الآخرين/ The Fate of Others .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى