الخميس ٨ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

سحر خليفة وخسارة الفلسطيني الدائمة

في رواية سحر "الميراث" (1997) تورد الساردة ما قصته عليها فتنة ابنة القدس عن البيك ابن القدس الذي جاب العالم بحثا عن المجد والتجارب ليجد، في نهاية الأمر، أن القدس هي الأروع. ولا تترك الساردة المحكي له يتساءل عن سبب ذلك، فهي توضح سر تعلقه بالمدينة، فتقول:

"فالقدس حبيبته الأولى وهي الأخيرة وبدونها لا معنى للمجد او التاريخ. فهنا التاريخ قام ونام، هنا التاريخ والدنيا، كل الدنيا، سر الدنيا، لهذا نقتتل وأبناء العم حتى نرقى ونرث الأسرار، فهذا هو السر في حركتنا او حركتهم، قوميتان تقتتلان على التاريخ والكرامة وصنوف المجد والأصالة. نحن أم هم؟ من يرث المجد، من يرث القيامة والأقصى؟ من يرث المبكى وكنيسة المهد؟ من يرث ساحة سالومي حيث رقصت وجيء برأس يوحنا على طبق صنع من الفضة؟" (ص 81).

ورواية سحر هذه تأتي في أكثر صفحاتها على وصف حياة فلسطينيي الضفة بعد (أوسلو)، ويمتد زمنها الروائي الى فترة ما بعد دخول القوات الفلسطينية الى المدن العربية في الضفة والقطاع، واذا ما عاد المرء بذاكرته الى روايات الكاتبة التي تصف حياة الناس تحت الاحتلال، فسيجد أن ترتيبها بناء على الزمن الروائي يتطابق وتاريخ نشرها بالتوالي. أرخت الصبار” (1976) لحياة أهل الضفة بعد حرب 1967، وواصلت "عباد الشمس" (1980) هذا، وتناولت “باب الساحة” (1990) فترة الانتفاضة، وتواصل “الميراث” التأريخ حتى ما بعد (أوسلو).

وترى سحر في (أوسلو) جنينا بندوقا أمه عربية ووالده اسرائيلي، وتقول ان روايتها الأخيرة تتابع تناول خيبة الأمل والاعتراف بالهزيمة، وأن شخصياتها تفضح الواقع الفلسطيني المصاب بالعقم وتعريه، ومن هنا كان اللجوء الى الاستعانةب (هداسا) الاسرائيلي من اجل اخصاب المرأة لتلد المولود الهجين ابن (أوسلو). (انظر: دفاتر ثقافية، رام الله، تموز، 1997، ع 11، ص 8).

وكما أشرت في دراستي للميراث، فإن سحر التي تنقد القيادة الفلسطينية و (أوسلو) تكتفي بهذا دون أن تقترح البديل. (انظر الأيام، رام الله، 19/6/1997). وتبدو المفارقة في حضور صوت سحر النقدي هذا، في أكثر رواياتها، فلم تخل منه "باب الساحة"، وفي هذه نرى الانتفاضة في مأزق تبين، حتى لتصبح عبئا على الفلسطينيين اكثر مما هي في صالحهم، ولا يقرأ المرء اقتراحا لحل ممكن. وتيساءل المرء، وهو يقرأ سحر خليفة، إن كان نقدها نتاج مبنى عقلي لا يعرف سوى النقد أم أنه عائد الى حيرة الفلسطينيين وارتباكهم وعجزهم عن انجاز حل يرضون عنه؟

وليس أسلوب سحر في النقد بالجديد في الأدب الفلسطيني، فثمة روائيون آخرون نقدوا الواقع والثورة معا، ويلحظ هذا في نصوص غسان كنفاني ورشاد ابو شاور ويحيى يخلف وأفنان القاسم. ولكن بعض هؤلاء فيما أنجزوه كانوا يقدمون نصوصا تختلف فيما بينها، نصوصا لا تخلو تارة من نقد، وطورا من اعجاب ومديح وتمجيد. كتب كنفاني "رجال في الشمس" (1963) وأورد على لسان سائق الخزان أبي الخيرزان سؤالا مهما، يوم مات الفلسطينيون دون أن يحتجوا: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟" ولما قويت الثورة واشتد عودها ودق الفلسطينيون الثورة كتب “أم سعد” (1969)، وفيها تبرز شخصية سعد الفدائي، وتنتهي الرواية نهاية لا تخلو من حس تفاؤلي.

  برعمت الدالية يا ابن العم برعمت !

وخطوت نحو الباب حيث كانت أم سعد مكبة فوق التراب، حيث غرست - منذ زمن بدا لي في تلك اللحظة سحيق البعد - تلك العودة البنية اليابسة التي حملتها الي ذات صباح، تنظر الى رأس أخضر كان يشق التراب بعنفوان له صوت” (كنفاني، أ. ك، 1986، ط3، ص 336).

واذا ما قارنا هذه النهاية بنهايات روايات سحر، ومنها "الميراث" فسنجد الفرق واضحا: تبدو نهايات سحر دموية مليئة بالمرارة ولا تبعث علىالتفاؤل ابدا. وقد تعزو الكاتبة السبب في ذلك الى اختلاف الزمان والمكان.
سوف أعالج نهايات سحر الروائية لأبرز ان نصوص مرحلة السلام لم تختلف عن نصوص مرحلة الحرب وعدم الاعتراف بالاخر. وأود قبل ذلك ان أشير الى نقطة مهمة فيما يخص كتابات الكاتبة، وهي عدم خلوها من (موتيفات) متشابهة، ولعل هذا كان وراء اختياري عنوان "سحر خليفة والدوران في الدائرة نفسها" عنوانا لدراستي رواية "الميراث". وأرى أن هذه الاشارة مهمة في فهم نصوص سحر خليفة ومرمى الكاتبة. حقا إن (أوسلو) لم تنجز ما يمكن أن يفتخر به، وعليه فان لشعور الفلسطينيين بالخيبة ما يبرره، إلا أن ما هو غير مبرر- أو هكذا يرى الفلسطينيون- هو نهاية " باب الساحة"، وبخاصة في الفترة التي أنجزت الرواية فيها، فقد اعتز الفلسطينيون حتى ذلك التاريخ - أي 1990 - بما أنجزوه، ولم تبدأ الأمور تتخذ مجرى اخر، كما يرى الكثيرون، الا بعد عام 1991.

يتكرر في روايات سحر (موتيف) الثوري الانتهازي الذي يستغل المرأة ويغويها بارائه التحررية، ولكنه ينظر اليها، في نهاية الأمر، على انها امرأة وحسب.

تقع نوال في "مذكرات امرأة غير واقعية" في حب رجل ثوري يتزوج من غيرها، وتحديدا من ابنة عمه الفتاة الصغيرة التي لا تفقه شيئا. وتشعر نوال، لذلك، بالخيبة من الثوريين، فيما تعقب صديقتها : "رجل ثوري يفعل هذا ؟! لماذا؟" (ط بيروت، 1986، ص 117)

وتقص سحاب في "باب الساحة"، ذات نهار، على حسام المطارد قصتها مع قيادي كبير في الثورة :

"كان بلبنان قبل الضربة، أحيته اكثر من عمري، بس يا خسارة! المرأة عنده زوج جرابات. كل زوج من لون، كل لون في درج، وكل درج برقم، وخزانة مسكرة بالمفتاح، يمد يده يلوي الخزانة بالمفتاح، يفتح الخزانة، يفتح الدرج، ويغلق الدرج، يغلق الخزانة، يلوي المفتاح، ويمشي وكأنه مش لابس. هذا القيادي يا شاطر. وجاي انت لتحكي عن الحب" (ط بيروت، 1990، ص 174).

وترى فيوليت في “الميراث” ان الرجال جنس واحد، جنس ميئوس منه، وأن مازن، وهو الثوري هنا، مثل الباقين. تتذكر ما حل بالفتيات ايام القدس في صلاح الدين، وتشير الى انها "لم تكن هبلة مثلهن بدليل انها ما انزلقت بين الأيدي تتلقفها "أيدي سياسيين كانوا القادة وكانت أصداء مقالاتهم وتلك الاشعار تثير الضجيج في كل مكان: في حرم الجامعة وفي المسرح وقاعات الناشونال وال ـ YMCA". " فهو اذن قائد امة...أسمعت بروزا لوكسمبرغ ؟ فتقول : لا..! تعالي معي أعلمك فنون الحياة. ويأخذ بيدها ويدخل بها قائمة اخرى وأخرى ثم دكانا وتكية، وآخر يدخل، وآخر يدخل، وهي الأخر ى مجرد أخرى. ثم السقوط. تسع فتيات تعرفهن مررن بهذا وسقطن سقوط البغايا " (ط بيروت، 1997، ص 225).

ويجعلنا تكرار هذا (الموتيف)، وتكرار (موتيفات) أخرى غيره، نتساءل إن كانت نهايات سحر الروائية، بالأساس، نتاجا لمبنى عقلي أكثر مما هي تعبير عن نهايات مراحل النضال الفلسطيني!!.

سوف أعالج، اذن، نهايات الروايات، وتحديدا "عباد الشمس"و "باب الساحة" و "الميراث"، وهي نهايات تبعث على التشاؤم وتعبر عن خسارة مستمرة، وان كانت النهايات ليست وحدها هي التي تخلق هذا الشعور عند القاريء، فالميراث مثلا تحفل بعبارات تمتليء، مرارة وخيبة مما يجري، وان كانت صادرة عن اشخاص يمثلون ذاتهم الفردية او تياراتهم السياسية، ونحن نعرف ان من الفلسطينيين من يرفض (أوسلو)، وان كان منهم من يدافع عنه. وبما أن النص الروائي يعكس أصواتا متعددة فليس غريبا ان نصغي الى أصوات تعبر عن رؤى مختلفة. ومن هنا تبدو الوقفة عند النهايات مهمة، لأنها تعبر، في نهاية الأمر، عن مقصد الكاتب ورؤيته، حتى لو اختفى كليا عن المشهد الروائي، فمجرد اختياره لنهاية معينة هو انحياز لها، وهو تعبير عما يعتمل في داخله، والا لكان اختار نهاية مغايرة.

يقف الزمن الروائي في "عباد الشمس" عند عام 1979 تقريبا، فالرواية لا تخلو من اشارة الى زيارة السادات، وتظهر ايضا رفض الفلسطينيين اقتراح الحكم الذاتي، وتبين شكل العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية في الضفة الغربية، وتأتي على طريقة تعامل سلطات الاحتلال مع سكان الضفة. وهي فوق ذلك كله تبرز مواقف الفصائل من الحوار مع اليسار الاسرائيلي. تظهر في الرواية شخصية خضرون اليهودي الشرقي الاسرائيلي المنتمي الى حركة الفهود السود. ويمثل خضرون ذاته من حيث أصله ويمثل في الوقت نفسه حركة سياسية كان لها في السبعينيات حضورها. ونعرف، من خلال الرواية، عن فكرة السياسي اكثر مما نعرف عن حياته الشخصية الفردية. انه يمثل شريحة اجتماعية أكثر مما يمثل ذاتا فردية. ولا نكاد نعثر، عدا خضرون، في روايات سحر كلها على شخصيات يهودية غير الجندي والسجان، وان عثرنا، كما هو الحال في "الصبار"، فانما نحن أمام شخصية عابرة وظفت من أجل الحدث الروائي، أكثر مما أتي بها قصد اضاءة الشخصية اليهودية والتركيز عليها.

ويختلف موقف ممثلي الفصائل من الحوار مع خضرون، فبينما يرفض سالم الحوار رفضا تاما، نجد عادلا وأخاه أبا العز يحاورانه، وكان لوحق هذا منالسلطات الحاكمة في اسرائيل، في منزله في نابلس. ولا يستمر الحوار الفلسطيني الاسرائيلي في حينه، اذ يكتشف خضرون وأبو العز ان الظرف يتطلب ان ينشط كل واحد منهما بين شعبه، وأنهما قد يلتقيان في فترة لاحقة.

تنتهي "عباد الشمس" برفض الفلسطينيين مشروع الحكم الذاتي، وبمصادرة سلطات الاحتلال المزيد من الأراضي، فيم يقاوم السكان، ومن هنا يحدث الاشتباك بين الطرفين. ومع ان المقاومة تبدو جماعية وبدافع وطني، الا ان ما يلفت النظر هو ان سعدية تشترك في مقاومة الاحتلال لسبب واحد فقط هو مصادره ارضها التي اشترتها بعد كد وتعب. وهنا تبرز سحر نموذج المرأة المقاومة، ولهذا - كما سنرى- دلالته. تنتهي الرواية بالمقطع الحالي :

"اختبأ بعض الجند، حوصر آخرون، وهم فوق الاسوار. حجر أصاب احدهم فهوى. رصاص. حجارة. صياح. هتافات بعيدة. والنسوة يضربن ويتلقين الضرب. شباب خارج الاسوار. حجارة فوق الاسوار. اضرب اضرب. صاح ابو العز. اضرب. واندلع حريق.

جموع، أصوات، رصاص، أفواه مفتوحة، فتيان، فتيات تقفز كالجن. اشتعل الدم في الجبهة. اجتاح النسوة حماس عنيد.

صاح المختار: “عيب يا ولايا”. ارتمى على الارض، تعثرت الاقدام. وقفت سعدية، لمحت رشاد،يضرب من فتحة مقليعة، من اعمق الاعماق صاحت :

  عليهم يا رشاد، عليم يا ولدي. عليهم يا حبيبي يا زهدي” (القدس، 1980، ص 353).

ثمة غير طف، اذن، كان في نهياة السبعينيات يقاوم، ومع ذلك فقد صودرت الارض. ثمة خسارة بينة، وثمة مقاومة لم تؤد الى شيء، ولكن روح الكفاح لم تنطفيء، ولم يسلم الفلسطيني.

وتنتهي "باب الساحة" النهاية السابقة تقريبا. يشتبك الطرفان ويقاوم الفلسطينيون وتشترك نزهة التي عانت من ظلم مجتمعها لها معهم. تهاجم هذه جنود الاحتلال، وتنتهي الرواية بالمقطع التالي :

"ومشت تترنح نحو الفتاة، وكانت النسوة حواليها والحجة وشنطتها المفتوحة. كانت الزجاجة ملقاة بجوار الجدار تحت العلم. حملت الزجاجة وفتحتها ببطء شديد، ورشت السائل على اللونين، ومدت يدها، وحملقت في وجه سمر. همست سمر: “اخيرا عملتيها يا نزهة؟” هزن رأسها بدون تأثر وهمست بفحيح :

“- مش عشان الغولة - (أي فلسطين ع. أ) عشان احمد”

وتناولت عود الكبريت " (ص 222)

وكما هو واضح فان مشاركة نزهة في مقاومة المحتل لا يعود الى قناعة وطنية، قدر ما يعود الى الثأر لمقتل اخيها، فنزهة هذه تلعن فلسطين وأبا فلسطين، وقد كانت تفكر في الهجرة منها، وبخاصة بعد ان قتلت امها التي اتهمت بالعمالة والسقوط الاخلاقي. وما يلفت النظر هنا هو ان مقاومة نزهة يتشابه ومقاومة سعدية. كلتاهما قاومت لانها خسرت خسارة ذاتية : الارض او الاخ. ولنلاحظ هنا ان سحر خليفة تنهي روايتها بالتركيز على دور المرأة في مقاومة المحتل(!). وهنا نتساءل : كيف بدت نهاية " الميارث" التي كتبت في مرحلة مختلفة ؟

يتذكر قاريء القسم الثالث من “الميراث” الجزء الاخير من “عباد الشمس”، وتحديدا الفصول (31، 32، 33، 34، 35). ويخيل للمرء ان الكاتبة التي أنجزت "عباد الشمس" لم تتطور فيما يمس البناء الفني، ويبدوأو قضية الشكل الروائي لا تقلق سحر البتة، فما هو أهم من هذا المضمون ! ثمة مأزق يعاني منه الفلسطينيون، وكلما حاولوا اجتيازه اصطدموا بحاجز سلطات الاحتلال.

في "الميراث" يحتفل الفلسطينيون الذين سيطروا على المدن في الضفة بهذه المناسبة، وتشارك فتنة الحامل في الاحتفال على الرغم من انها على وشك الولادة. ولا ينجز الاحتفال بهدوء، وسرعان ما تبدأ الاشتباكات بين الطرفين :” الفلسطيني والاسرائيلي، وتلد نزهة، ويحاول مازن وأمها والمحافظ نقلها الى المستشفى، ولكن هؤلاء يصدمون بحاجز اسرائيلي، وتظل فتنة تنزف حتىتموت، ليعيش ابنها الوحيد عله يرث ما خلفه له ابوه المتوفي. وهكذا تتنتهي الرواية بالموت، تماما كما انتهت رواية "باب الساحة"، واذا كان هناك من خلاف، فان مازنا الذي وافق على الحل، لا يشارك في فعل المقاومة، كما ان والدة فتنة لا تقاوم المحتلين، كما قاومتهم سعدية، وانما تكتفي بمخاطبة الجندي الاسرائيلي قائلة :

“Thank you very much, this is your share “

أو كما ترجمتها سحر : "شكرا جزيلا، هذا نصيبكم".

ويشعر قاريء هذا الجزء بخيبات الفلسطينيين العديدة: خيبة كمال الذي درس في المانيا وعاد ليخدم في بلاده، دون ان يتمكن، وسرعان ما يعود من حيث اتى، وخيبة مازن الثوري من النهاية التي آل اليها، وقد عبر، في لحظة سكر، لاخيه كمال عما يشعر به حقيقة حين قال : "انا اللي حاطط روحي بكف والوطن بكف. وهلقيت لا باقي روح ولا كف ولا حتى وطن. راحت الشعلة من ايدي وصرت الضايع في سوق مسروق كله عتمة" (ص 275)، وخيبة الفلسطينيين من الحل المنجز، ففي اوج الاحتفالات تعقب الساردة:

"وهكذا استمر العرض وفرق الرقص وصياح الجمهور والفوضى، وما انتبه احد في الداخل، او في الخارج، ان الحصار قد تضاعف وقوات الامن زادت عددا، وان الرياح تحمل معها غزو الجرذان” (ص 287)، ولا يخلو هذا الجزء من عبارات كثيرة تحمل في ثناياها نقد الحل، وأخرى تصور المصير الذي آلت اليه الثورة. وهذا ما يرد على لسان المحافظ الذي كان واحدا من أفرادها :

"باتت الارض غريبة. أرض الوطن باتت غربة. أرض الاحلام بلا أحلام. حلم التحرر بات شعارا لا يصل الارض. بل كابوسا" (ص 300)
وتتجاوز المصاردة هنا أجزاء من الاراضي ليصبح الوطن كله مصادرا. وهكذا نلحظ نهايات سحر تنزف دما، وكأن ما ورد في "باب الساحة" عن النساء :

"كلهن بنزفوا، كل النسوان الله وكيلك. بنات وستات. بحوز وبلا جوز، كلهن، كلهن الله وكيلك" (ص 113)

كأن هذا هو قدر اهل فلسطين: أن يظلوا ينزفون حربا وسلما، بزوج تركي او بريطاني او اردني او اسرائيلي او فلسطينين غير متحرر كليا. ولكن سحر تقول ان نزيف هؤلاء لا يترك الاخرين يحيون بامان، فشعورهم بأنهم مظلومون يدفعهم، باستمرار، الى الرفض والمقاومة، والخيرة قدتهدأ حينا وقد تشتد أحيانا، وهذا ما تتوصل اليه الساردة حين

تقول ساعة ترى ما آل اليه الاحتفال :

"أما الان، وبعد ثلاثين عاما من الاحتلال ومصادرة التل واقامة مستوطنة كريات راحيل فوق الهضبة والاحاطة بالمستوطنة بسياج كثيف ونقطة تفتيش وحراسة، فقد اعتاد الناس النقطة والتفتيش والنظر بعيدا خلف الافق كيما ينسوا انه فوق الهضبة وذاك التل يعيش أغراب بسوالف يحملون السلاح ويقسمون ان الوادي وتل الريحان هما بالاصل وادي راحيل وتل سليمان، وان هم استعادوا تل الريحان في السبعينات فعلى امل بقية السهل والوادي في الثمانينات. لكن السمين مرت خلوا من أي تحرير من الجانبين.... ولهذا حوت تلك السنوات حوادث عنف وقتل ونهب من الجانبين... وفي هذا اليوم، يوم القلعة، وبسبب الفوضى والاصوات وحماس الناس، زاد الحصار... لحفظ الامن". (ص 289).

وهكذا لم تنجز الحرب حلا، ولم ينجز الاتفاق سلما قدر ما انجز، حتى الان، المزيد من المضايقات التي يعاني منها الفلسطينيون بين فترة وفترة، وتقول الرواية هذا بقدر من التفصيل، وهو ما تورده الساردة زينب، وتختفي سحر خليفة نفسها وراء معظم أقوال هذه ورؤاها، وبخاصة في الفصلين الثاني والثالث اللذين يشكلان اكثر الرواية، وهذه الاقوال والرؤى، وما يرد ايضا منها على لسان الشخوص، هو ما يقال في الشارع الفلسطيني في السر وفي العلن.

 [1]


[1---------------------------
(1) يبدو أن كتابة سحر عن المرأة ودورها كان السبب الرئيسي في ترجمة نصوصها الى اللغات الاوروبية، عدا كون سحر نفسها امرأة. وعلى سبيل المثال فقد نقلت اعمالها كلها، وباستثناء رواية “لم نعد جواري لكم” الى الألمانية، وأسهمت المرأة نفسها في نقلها، وان ترجم بعضها (هارتموت فيندرش) السويسري المهتم بادب العربية. واذكر ان ما لفت انتباه دارسة المانية الى رواية “باب الساحة” كونها - أي الرواية- نقدا نسويا للانتفاضة، والدارسة الالمانية هي (فيرينا كليم) حيث نشرت دراسة تحت عنوان "باب الساحة لسحر خليفة: نقد نسوي للانتفاضة”، في مجلة (عالم الاسلام)، وذلك في عام 1993/ عدد 33.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى