الاثنين ١٤ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم محمد نادر زعيتر

سيد الألوان

توشحت بأسود لحزنها وإذ بياض باهر من حسنها

في منتصف الشتاء المضطربة آفاقه يحصل اكتئاب في الجو العام يسبغ على الوجود ونحن جزء منه مسحة من التشاؤم المبهم السبب، وربما الركون إلى هبوط الهمة واللامبالاة واللااجتهاد، كيف لا والسماء تتلبد بالسواد المعتم بدلاً من الزرقة الصافية، أو ليس يقال للمكتئب أنه سوداوي المزاج! كما يقال ذو الحظ الأسود، وللتعبير عن السوء يقال جاء أسود الوجه، ويقال فقر أسود، وفتنة سوداء.....

أرى أن تلك هي من وجهة نظر ابن المدينة وهو ينظر إلى السماء من نافذة بيته....
لكن ثمة نظرة أخرى مناقضة تلك هي لابن الريف يرنو وهو في الفلاة إلى السماء والغيوم السوداء الداكنة،

ومرة كنت في البرية خارج قرية وبعيداً عن البيوت وادلهمت السماء وتراكمت الغيوم السود والتمع البرق وقعقع الرعد.
الحقيقة مشهد رائع وصلني بالعالم ووضعني في قلب الكون وأحسست بسعة العالم وروعته وجلاله،

انهمر المطر وساح، وفاح عطر الأديم، وشعرت بمتعة ما بعدها متعة، ذلك الغيث إذ يغوص في حنايا الأرض فتستحيل سندساً ولا أروع.

ليت السماء تدلهم
ليت البرق يشتعل والرعد يقعقع ....
فهو يسبح بحمد الله
ما أحوجنا إلى المطر.

يقول الفيزيولوجيون: إن الجو مشحون بتيارات كهربائية متوازنة من أجل استقرار الحياة العضوية، ولكن هذه التيارات يعتريها الاضطراب حينما تتزاحم الظواهر الطبيعية في الجو وبخاصة حين تتلبد السماء بالغيوم الداكنة وعلى أثر ذلك تنقبض النفوس.

لست أدري لماذا لا يستحب السواد؟

بهذا السياق أورد نصاً حول الألوان والأسود منها خاصة:

"الألوان لها تأثير سحري على المناظر وقد تضفي إليها المزيد من الروعة و الجمال، فاللون الأسود مثلا هو كالأبيض تماما لا يصنف بين سلسلة الألوان، فهو لون حيادي، إلا أنه يتميز بتأثيراته على الأجواء المحيطة به، وبمدلولاته المتعددة. فإذا كان اللون الأسود له تعبيرات ومعان سلبية في الحياة الاجتماعية كالحزن والتعاسة والألم والموت فإنه يعبر عن النبل والرقي والتميز في عالم الديكور وله درجات عديدة وإيقاعات متنوعة، ويستعمل ليعبر عن المظهر الشاحب وعن الليل المعتم وتتدرج درجات لونه بين الرمادي ولون الفحم ... ويستعمل مع باقي الألوان ليبعث فيها الحيوية والنشاط، ليبرزها في حلة جديدة على مستوى التفاصيل والجمال، والنوعية، وليعطيها القوة لاسيما في أجزاء المنزل حيث يجعل الألوان المخفية تخرج من سباتها وإذا ما وضع بجانب الألوان النقية والصافية جعلها واضحة وأكثر سطوعا. وتقلل الخطوط الهندسية للأرضيات والستائر من تأثيرات ثقله، في حين تعيد تنوع الألوان الذهبية الشاحبة له توازنه. ومن أجل ألا يسيطر اللون الأسود على المكان، يجب استعمال اللون الأحمر بجانبه أو الأخضر أو الألوان الفاتحة الأخرى. وتتزين الجدران المكسوة بالسيراميك بالأسود في الحمام وغرفة الطعام وعلى أطراف المدفئة. كما يدخل في ألوان اللوحات ويكون من بين الألوان المفضلة للمفروشات في المنزل وفي المكاتب.. ويساعد على جعل الألوان الأخرى تضيء ويلغي الحدود، ويزيد من بريق الإكسسوارات والمرايا والمصابيح في أطراف المنزل. وهو إذ يخفف من حدة الضوء والإنارة في المنزل فإنه يرسم تقاسيمه الخاصة في المكان"
وأضيف على ذلك أن اللون الأسود في اللباس له اعتبار في المحافل الاجتماعية والرسمية، أما ربطة العنق السوداء فهي تدل على الحزن، كما يدل على ذلك اللون الأسود الكامل لدى النساء.

أو ليس اللون الأسود يزين العيون الكواحل؟

وقيل في اللون الأسود:

اللون الاسود يخبرنا بوجود النور و الحب مهما طغى كلون حالك في حياتنا أو مشاعرنا..

هو لون السكينة و مرتبط بالليل و النوم وسمر العاشقين..

إذا وضع مع الأحمر فيعني إثبات أمر مهم..

أما مع الأزرق فيعكس رغبة الشخص في علاقة أو حياة هادئة..

مع الأصفر يعني بزوغ السعادة..

إذا لبسته المراهقة فهي تريد لفت الإنتباه..

أو تريد إحتضاناً..

إذا إرتدته المرأة الناضجة فيه تريد القول:..

أنا محترمة وفي ذات الوقت جذابة..

.. هو لون يبقي الإنسان في مكانه في أمان

واللون الأسود له شأن في مجال القداسة، فكانت حلة الكعبة سوداء، ويقدس المسلمون في حجهم الحجر الأسود، ورجال الكهنوت المسيحيون يرتدون الأسود من الثياب.

وللشعر إسهام في تقييم اللون الأسود:

قل للمليحة فى الخمار الأسود
ماذا فعـلت بـناســكٍ مـتعبـــد

وحول هذه القصيدة ورد أنه في العصر الأموي الأول، عاش ( الدارمي ) وهو أحد الشعراء والمغنين الظرفاء في الحجاز، وكان يتشبب ( يتغزل ) بالنساء الجميلات، إلا أنه عندما تقدم به العمر ترك نظم الشعر والغناء وتنسك وأصبح متنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة.

وفى إحدى زياراته للمدينة التقى بأحد أصدقائه وهو من أهل الكوفة بالعراق يعمل تاجراً ، وكان قدومه إلى المدينة للتجارة ويحمل من ضمن تجارته خمراً عراقية ـ (بضم الخاء والميم ومفردها خمار بكسر الخاء) وهو ماتغطى به المرأة رأسها، فباع التاجر العراقي جميع الألوان من تلك الخمر ما عدا اللون الأسود، ــ فشكا التاجر لصديقه الشاعر ( الدارمي ) عن عدم بيعه اللون الأسود ولعله غير مرغوب فيه عند نساء أهل المدينة.
ــ فقال له: ( الدارمي ) لا تهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع،
ــ ثم نظم ( الدارمي ) بيتين من الشعر و تغنى بهما كما طلب من مغنيين بالمدينة وهما ( سريح وسنان ) أن يتغنيا بالبيتين الذي قال فيهما:

قل للمليحة فى الخمار الأسود
ماذا فعـلت بـناســك مـتعبـــد
قد كان شـمر للصلاة ثــيابــه
حتى وقفـت له بباب المسجـد

فشاع الخبر فى المدينة بأن الشاعر ( الدارمي ) رجع عن تنسكه و زهده وعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحة إلا اشترت من التاجر خمارا أسود لها،
فلما تيقن ( الدارمي ) أن جميع الخمر السوداء قد نفذت من عند صديقه، ترك الغناء، و رجع إلى زهده وتنسكه ولزم المسجد، فمنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا الحاضر والنساء يرتدين أغطية الرأس السوداء ولم يقتصر هذا على نساء المدينة وحدهن بل قلدهن جميع النساء الأخريات.

وهكذا يكون أول إعلان تجارى فى العالم أجمع قد انطلق من المدينة المنورة.

وحين عيّـروا مجنون ليلي بسمرة حبيبته، قال مبرراً سمرتها بسواد المسك:

عشقتك يا ليلى وأنت صغيرة
وأنا ابن سبع ما بلغت الثمانيا
يقولون ليلى في العراق مريضة
ألا ليتني كنت الطبيب المداويا
و قالوا عنك سوداء حبشية
ولولا سواد المسك ما انباع غاليا
وفي السمر معنى لو علمت بيانه
لما نظرت عيناك بيضاً ولا حمرا

وهل أجمل من ختام كثيف عن الأبيض والأسود:

ﺇذا لبسَ البياضَ صارَ بدراً
وﺇن لبس السوادَ سبا العباد

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى