الخميس ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم عبد القادر بوطالب

شَظَايَا كَقَصِيدَةٍ تَأبى الِانْحِنَاءَ (*)

نَظَّارَتِيَ الَّتِي انْكَسَرَتْ عَلَى الْأَغْصَانِ وَاقِفَةً،
تَأبى الِانْحِنَاءَ.
واقِفًا كَشَظَايَا نَظَّارَتِي.
لَسْتُ زُجَاجًا مَكْسُورًا.
أَنَا العُيُونُ الَّتِي لَمْ تَغْمِضْ،
سَقَطَ الطَّبِيبُ،
وَلَمْ يَقُلْ: وَدَاعًا لِلدَّبِيحِ، وَلَا لِلْجَرِيحِ.
فَالْعُيُونُ الَّتِي بَكَتْ تَحْتَ الْأَنْقَاضِ،
لَمْ تَعُدْ تُبْصِرُ.
صَارَتْ حِكَايَاتٍ لِلصُّبْحِ، تُرْوَى لِلْأَطْفَالِ،
وَمَدِيحًا.
وَهَذِهِ الْأَغْصَانُ الشَّامِخَةُ لَنْ تَبِيعَ ظِلَالَهَا،
كَنَظَّارَتِيَ الَّتِي انْكَسَرَتْ.
أَيَّتُهَا الْأَغْصَانُ الشَّاهِدَةُ عَلَى انْكِسَارِ نَظَّارَتِي،
فَخَلْفَ الدُّخَانِ.. أَضْوَاءٌ تُصَلِّي فِي صَمْتٍ.
أَنَا لَسْتُ ذِكْرَى.
أَنَا وَاقِفٌ وَشَظَايَا نَظَّارَتِي.
أَنَا قَاعِدٌ هُنَا.
لَنْ أَرْحَلَ، وَإِنْ صَارَتِ الْأَشْلَاءُ لُغَتِي، وَالصَّمْتُ.
فَفِي الَأَغْوَارُ أَسْرَارُ الْعُبُورِ.
وَمَا يَكْفِي مِنْ حِبْرٍ وَأَوْرَاقٍ لِامْتِحَانِ نَوَارِسِ الْبَحْر.
هَذِهِ الْأَرْضُ تَتَنَفَّسُ إِذَا مَا انْكَسَرَ الْقَيْدُ.
وَصِرْتُ مِرْآةً لِلْمَسَاءِ،
تَنْحَنِي لِلْأَحْجَارِ الْوَاقِفَةِ، تَرْوِي الزَّرْعَ وَالقُبُورَ.
وَهَذِهِ الطِّفْلَةُ الَّتِي تَرْفَعُ الزَّهْرَ فَوْقَ الدَّمَارِ.
تَرْفُضُ أَنْ تَكُونَ غُبَارًا.
تَحْفَظُ الْأَسْمَاءَ كَالْأَنْهَارِ.
تَرْسُمُ بِخُيُوطِ شَعْرِهَا فِي كُلِّ انْكِسَارٍ، الْبِلَادَ الَّتِي لَنْ نُحِبَّ سواهَا.
وَالْكَلِمَاتُ الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كَالْمَطَرِ،
هَذَا دَرْبُنَا.. كَانَ مِنْ دَمْعِنَا... منْ دَمِنَا، مِنْ تُرْبَتِنَا.
كُلُّ انْكِسَارٍ فِينَا،
كُلُّ سُقُوطٍ فِينَا،
جَمْرٌ وَقَّادٌ تَحْتَ الرَّمَادِ.
يَبْعَثُ فِينَا أَبَابِيلَ تُخْبِرُ أَهَالِينَا: إِنَّا هُنَا بَاقُونَ
حَتَّى إِذَا جَاءَ الطَّبِيبُ، مَدَدْنَا لَهُ ظِلَّنَا الْوَرِيفَ، وَنَشَرْنَا فِي الْبِلَادِ :
لَنْ نَمُوتَ صَمْتًا ..
وَرَسَمْنَا عَلَى الْجِدَارِ بِدَمِنَا
شَظَايَا نَظَّارَةٍ تَأبى الِانْحِنَاءَ.
أَنَا الْعُيُونُ الَّتِي لَمْ تَغْمِضْ،
أَنَا شَظَايَا نَظَّارَةٍ وَسَطَ الدَّمَارِ.
أَمْشِي عَلَى الْجِرَاحِ.. أَصْرُخُ فِيكُمْ:
هَلْ رَأَيْتُمُ الطَّبِيبَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ وَسَطَ الدَّمَارِ؟
يُذِيبُ الصَّمْتَ كَالْفَجْرِ، وَيَرُشُّ فِي الدُّرُوبِ مَاءً،
وَيُزِفُّ لِلتُّرَابِ آخِرَ الْوَصَايَا : هَذِهِ وَدِيعَةُ الشُّهَدَاءِ
تُنَادِيكُمْ.. تَصْرُخُ فِيكُم:
أَنَا بَاقٍ... وَعَلَى الْمَاءِ أَمْشِي.
أَنَا شَظَايَا نَظَّارَةٍ.
لَنْ تَبْرَحَ ثَنَايَا الفُؤَادِ، وَهَذِهِ البِلَاد.
وَقَصِيدَتِي الْمَنْقُوشَةُ بِنَبْضِ الْأَطْفَالِ،
كَشَظَايَا نَظَّارَتِي، وَاقِفَةً.
تَأبى الِانْحِنَاءَ.

*هذه القصيدة من وحي معركة الصمود و المقاومة، والتي جسدها العديد من الأطباء وطواقم الإسعاف، فالقصيدة مهداة لهم، وعرفانا واعترافا بصمودهم البطولي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى