صدور العدد الثاني من مجلة تفكيك
الهويات المتحركة في زمن التحولات العابرة للحدود
صدر العدد الثاني من مجلة تفكيك للدراسات الأنثروبولوجية والثقافية وقضايا الهجرة، حاملاً عنوانًا لافتًا: "الهويات المتحركة: الثقافة، الذاكرة، والانتماء في زمن التحولات العابرة للحدود". بهذا الإصدار الجديد، تواصل المجلة مشروعها العلمي في مساءلة قضايا الهوية والمنفى والانتماء، في عالم تتسارع فيه التحولات وتتشابك فيه التجارب الإنسانية، ويشهد تغيرات عميقة بفعل الهجرة والاقتلاع والشتات. إن هذا العدد لا يقتصر على تقديم دراسات متفرقة، بل يسعى إلى بناء رؤية متكاملة حول كيفية تشكل الهوية في سياقات عابرة للحدود، وكيف تتحول الذاكرة إلى أداة مقاومة في مواجهة محاولات الطمس والإقصاء.
المجلة، التي تسعى إلى أن تكون منبرًا أكاديميًا رصينًا وحوارًا نقديًا مفتوحًا، تواصل في عددها الثاني مشروعها البحثي الطموح، حيث تجمع بين العمق النظري والدقة المنهجية، وبين التجارب الميدانية والسرديات الإنسانية الحيّة. وقد ضم العدد مجموعة من الدراسات التي تتناول قضايا الشتات العربي، والمرأة المهاجرة، وخطاب الهجرة في الريف المغربي، إضافة إلى إشكاليات المواطنة والتعددية الثقافية في ظل تحديات الديمقراطية المعاصرة. هذا التنوع يعكس حرص المجلة على أن تكون فضاءً جامعًا لمقاربات متعددة، وأن تفتح المجال أمام أصوات مختلفة تسهم في إثراء النقاش الأكاديمي حول قضايا الهجرة والهوية.
أصوات متعددة… سرديات متقاطعة
يُطلّ العدد الثاني من مجلة تفكيك على قرّائه بكلمة افتتاحية لرئيس التحرير الدكتور حسن العاصي، كلمة تحمل في طياتها روح المشروع النقدي الذي تتبناه المجلة، وتفتح أمام القارئ أفقًا واسعًا للتأمل في قضايا الهوية والمنفى والذاكرة. هذه الكلمة ليست مجرد تقديم تقليدي، بل هي نصّ تأسيسي يضيء مسار العدد، ويضع القارئ في قلب الأسئلة الكبرى التي تحرّك هذا المشروع: كيف تُبنى الهوية في زمن العبور؟ كيف تتحول الذاكرة إلى مقاومة ضد الطمس؟ وكيف يمكن للمنفى أن يكون فضاءً لإعادة صياغة المعنى؟ إنّها دعوة مفتوحة للانخراط في رحلة فكرية تتجاوز حدود المقالات والدراسات، لتصبح تجربة قراءة حيّة، تُعيد الاعتبار للإنسان بوصفه مركزًا للمعرفة وسردياته بوصفها شهادة على زمن التحولات.
العدد الجديد يضم أربع دراسات بارزة، لكل منها زاوية نظر خاصة، لكنها تتقاطع جميعًا في مساءلة سؤال الهوية والانتماء:
د. حسن العاصي: المنفى الداخلي والهوية، حيث يكتب أن "الذاكرة ليست مجرد استدعاء للماضي، بل أداة لفهم الحاضر". هذه الدراسة تفتح النقاش حول مفهوم المنفى الداخلي، أي ذلك الشعور بالاغتراب داخل الوطن نفسه، وكيف تتحول الذاكرة الفردية والجماعية إلى وسيلة لفهم الذات ومقاومة التهميش.
د. العالية ماء العينين: المرأة المهاجرة وحوار القيم، مؤكدة أن "الهجرة ليست عبورًا جغرافيًا فقط، بل عبورًا في منظومة القيم". هنا يتم التركيز على تجربة المرأة المهاجرة بوصفها تجربة مزدوجة، تجمع بين تحديات الاندماج الاجتماعي وصراع القيم، وتكشف عن قدرة النساء على إعادة صياغة أدوارهن في مجتمعات جديدة.
د. ياسين البجدايني: خطاب الهجرة في الريف الشرقي بالمغرب، الذي يربط بين الذاكرة الجماعية وإعادة بناء الهوية الاجتماعية. هذه الدراسة تقدم قراءة ميدانية معمقة لخطاب الهجرة في المناطق الريفية، حيث تتحول الهجرة إلى جزء من الذاكرة الجماعية وإلى عنصر يعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.
د. محمود عيسى: المواطنة بين الهوية الوطنية والتعددية الثقافية، متسائلًا: "كيف يمكن للديمقراطية أن تتسع لكل هذا التنوع؟". هذه الدراسة تطرح سؤالًا جوهريًا حول قدرة الديمقراطية على استيعاب التعددية الثقافية، وتناقش التحديات التي تواجه المجتمعات في بناء مواطنة شاملة لا تقصي أحدًا.
منبر جديد للأسئلة الكبرى
هذه الدراسات تعكس تنوعًا في المقاربات، حيث تتقاطع الأنثروبولوجيا مع السوسيولوجيا، والذاكرة مع السياسة، لتقديم صورة مركّبة عن قضايا الهجرة والانتماء في العالم العربي. بهذا الإصدار، تؤكد تفكيك التزامها بالمعايير الأكاديمية والأخلاقية، وسعيها إلى أن تكون منبرًا رصينًا يواكب التحولات الكبرى في قضايا الهوية والهجرة والذاكرة.
إنها ليست مجرد مقالات، بل محاولات جادة لإعادة التفكير في علاقة الفرد بجماعته، والجماعة بتاريخها، والتاريخ بذاكرة حيّة رغم محاولات الطمس والإقصاء. من خلال هذه الدراسات، تسعى المجلة إلى مساءلة السلطة وكشف البُنى التي تُعيد إنتاج التهميش، وتقديم معرفة نقدية قادرة على مقاومة التمثيل النمطي الذي يحوّل قضايا الهجرة والمنفى إلى مجرد أرقام وإحصاءات. إنها دعوة مفتوحة للباحثين والكتّاب والممارسين الميدانيين للمساهمة في بناء سرديات بديلة تُنصف التجربة الإنسانية وتعيد الاعتبار للذاكرة بوصفها أداة مقاومة ووسيلة لفهم الحاضر.
تفكيك… أكثر من مجلة
لا تكتفي تفكيك بأن تكون دورية أكاديمية، بل تسعى إلى أن تكون فضاءً معرفيًا حيًا يعيد الاعتبار للتجربة الإنسانية بوصفها مصدرًا للمعرفة النقدية، ومنصة للحوار النقدي الذي يفتح آفاقًا جديدة أمام التفكير في قضايا العبور والاقتلاع. العدد الثاني ليس مجرد إصدار دوري، بل محطة جديدة في مشروع نقدي طويل النفس، يطمح إلى إعادة صياغة العلاقة بين الفرد والجماعة، وبين الذاكرة والتاريخ، بما يمنح القارئ العربي نافذة على أسئلة العالم المعاصر.
إنها منصة مقاومة للتمثيل النمطي، ودعوة مفتوحة لبناء سرديات بديلة تعكس عمق التجربة الإنسانية في زمن العبور والاقتلاع. ومن خلال هذا العدد، تؤكد المجلة أنها ليست مجرد مجلة أكاديمية، بل مشروع ثقافي يسعى إلى مساءلة المفاهيم السائدة، وإلى إعادة التفكير في كيفية إنتاج المعرفة في سياقات متغيرة. إنها دعوة للباحثين والكتّاب للمساهمة في الأعداد القادمة، بما يعزز حضور المجلة كمنصة أكاديمية رصينة وملتزمة، ويمنح القارئ العربي نافذة على أسئلة العالم المعاصر.
تأخر الإصدار وتنويه هيئة التحرير
ورغم أن صدور العدد تأخر قليلًا عن الموعد المقرر، فقد أوضحت هيئة التحرير أن السبب يعود إلى تأخر وصول بعض الدراسات، إضافة إلى عدم تسلّم بعض الأبحاث التي كانت مدرجة ضمن المخطط العلمي للعدد. وفي هذا السياق، شددت المجلة على أهمية التزام الباحثين بالمواعيد المحددة لتسليم أعمالهم، مؤكدة أن احترام الجدول الزمني جزء أساسي من العملية الأكاديمية والنشر العلمي الرصين. هذا التنويه يأتي في إطار الشفافية مع القرّاء والباحثين، وتأكيدًا على أن المجلة ستواصل التزامها بالمعايير العلمية والأخلاقية، مع الحرص على أن تصل الدراسات في أعدادها المقبلة في الوقت المحدد، بما يضمن انتظام النشر واستمرارية المشروع العلمي الذي تمثله تفكيك.
