الخميس ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم عيشة صالح محمد

ضفائر وأشرعة

أنا امرأةٌ أزكمها رمادُ المدن المجتاحة،
أرادوني هناك،
حيث الجهات لا تتساوى.
أنا لا أنبتُّ في أرضٍ لا يعشقها البحر،
جذوري في حضن الأرض متعبة، لكنَّها تتقن أغنية الفراشات.

أردتُ معانقة الضوء، انتهرتني الضوضاء.
أسلمتني لظلال حرب تأكل الذاكرة.
يشبهني قمرٌ يسخر من ليل السامرين خلف الزقاق
يلوكون الحكايات المملة،
عن لون شعارات الجدران،
عن عدد الأدواء في جنحِ ذبابة،
عن طفل يحلمُ يرْكل دبَّابة
عن أي شيء إلَّا عن لذة الاشتهاء في تسبيح الوطن.

يعِدُونني بحياة تتدلى على حافةِ الموت،
تزدريني كقصيدةٍ غيرِ مقفَّاة في تابوت القوافي.
آه يا بلدي ...
يا أسطورتي المنقوشة على كف الوجود.
البحرُ يُراوغُ الخطى، وقلبي ملجأ نايات مكسورة،
أرضعته جبالك،
امتدَّت ضفائري لتُصافحَ أشرعة الشمس،
وتبدَّت أرجوحة العالم بثوب راقصة عاهرة.

بلدي، يا موطئ النجومِ،
يا زَفرة الجبالِ حين تحتضنُ الريحَ وتُعيدها أغنية،
أعرفكِ جيداً، عالمي السحري الذي حلمتُ به طفلةً،
خرائطي التي دلتني على مكامن العشق.

هل سمعتِ حديثَ الغُرباءِ؟
يتآمرون على ملامحِكِ تآمر الليل على اليقظة.
يُلقون ظلالَهم الطويلةَ على عتباتِكِ،
لكنَّكِ تُضيئين،
تُضيئين بعيني أمٍّ تنتظرُ عودةَ وليدها الغائبِ،
ربما عاد مضرجاً يحمل في قلبه جنة وعلى كتفيه حياة.
ذاكرتي مكسوةٌ برائحةِ أسواقكِ،
ملامحي مخضبةٌ بشموسك.
ممتلئةٌ بكِ.
هل تسمعينَ نعيقاً يحاولُ التهامَ ألوانكِ؟
كيفَ لي أن أُصدّقَ من أعارته الحرباءُ جلدَها؟
أنا هنا، أُقاومُ
أكتبكِ في دمي،
أتَشَكلُ في وجهِ الريحِ زوبعةً.
لن أسمحَ للظلالِ أن تتسكع بين أعطافك،
أزرعُ فيكِ بذوري،
وأُرتّلُ في ليلكِ قصائدَ لا تموت.

بلدي، يا أرض الوجوه الباسمة،
والأحلام التي لا تنطفئ.
أتدركين أنكِ أجنحتي حين أهربُ من فخِّ الحياة؟
سرقتْ الرياح صوتي،
نفختُ في الكلمات روحاً جديدة، أحيتني
أكتبكِ وليدي المحنَّك بالحب،
أغرسكِ في قلبي شعلةً مقدسة،
ألوي كل الاتجاهات وتبقين قبلتي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى