

عرائس الأطفال في العراق

بقلم: منـة الله العبيدي
في منتدى السليمانية لهذا العام، الذي استضافته الجامعة الأمريكية في العراق - السليمانية (AUIS)، كان من المحبط أن أسمع زهراء الصدر، المنتمية إلى تيار الحكمة، وهو تكتل سياسي شيعي ذو جذور في المؤسسة الدينية العراقية، تدافع عن زواج الأطفال على منبر علني. فقد زعمت أن الشيعة يعتبرون ما أسمته بـ"الزواج المبكر" مسألة ثقافية، وقالت: "نحن لا نتناول هذا الموضوع بالدعاية أو من خلال رؤية تعارض الفكرة بشكل مباشر. لا يوجد إكراه في مثل هذه الزيجات... إنها ثقافتنا".

وبصفتي خريجة الجامعة الأمريكية في العراق - السليمانية ، فقد صدمت من سماع هذا الخطاب الضار وقد تم تطبيعه في فضاء يفترض به أن يكون مخصصًا لتعزيز الحوار والسياسات العامة. كنت أعلم أن تعليقات الصدر تمثل النظرة إلى الزواج المبكر في التقاليد الشيعية، والتي لا تستخدم مصطلحي "قاصر" أو "دون السن" كما هو متعارف عليه في خطاب حقوق الإنسان، بل تستند بدلاً من ذلك إلى تعريفات النضج الجنسي التي تعود إلى آلاف السنين. ومع ذلك، فقد استخدمت منبر مؤسسة تعليمية ليبرالية مرموقة – تُعد من بين الأفضل في البلاد – لتبرير زواج الأطفال.
ومثل غيرها من المدافعين عن هذه الممارسة البالية، قللت الصدر من شأن الجهود المناهضة لزواج الأطفال المستندة إلى حقوق الإنسان، ووصفتها بأنها "دعاية" غربية. ولعل ما هو أكثر ضررًا على فتيات العراق، هو أنها زعمت أنها استفادت من الزواج المبكر، وقدمت نفسها كنموذج ناجح لهذه الممارسة، دون أن توضح الامتيازات التي تمتعت بها بفضل انتمائها إلى تيار الحكمة، الذي يستمد قوته وتمثيله من مزيج من الموقع السياسي، والتأثير التاريخي، وشبكات المحسوبية، والتي ساعدتها في الوصول إلى مكانتها الاجتماعية. أما غالبية الفتيات اللواتي يُجبرن على الزواج المبكر، فغالبًا ما ينتهي بهن المطاف إلى التخلي عن التعليم، والمهن، والمكانة العامة، فضلًا عن تعرضهن لأنواع من الإساءة الجسدية والعاطفية والجنسية التي تهيمن على بقية حياتهن – وهي حقيقة بدت الصدر وكأنها تتجاهلها تمامًا.
كلماتها أحزنتني، وأعادتني إلى تجربتي الخاصة عندما كنت أعيش في بغداد، حيث واجهت ولو للحظة واقع زواج الأطفال. وعلى الرغم من أنني لم أكن يومًا مهددة بأن أكون ضحية لهذا المصير، إلا أن حادثة معينة بقيت محفورة في ذاكرتي. كنت في الرابعة عشرة من عمري، عندما صدمتني معلمتي في المدرسة الثانوية بقولها: "فتاة في عمرك كانت تزوجت وأنجبت أطفالاً الآن." أتذكر جيدًا كم شعرت بالارتباك والانزعاج، إذ بدا أن قيمتي قد اختُزلت إلى مجرد أداة، صوتها غائب، ومهمتها تكرار واحدة من أسوأ علل المجتمع: أن تظل فتاة غير متزوجة. أن يُعاد ترديد هذا الخطاب في عام 2025 – وعلى لسان سياسية عراقية – كان تذكيرًا صارخًا بأن حقوق الفتيات والنساء في العراق تسير إلى الوراء.
بدت تصريحات الصدر مؤلمة بشكل خاص بسبب تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي دخل حيّز التنفيذ في فبراير 2025، حيث أتاح إبرام عقود الزواج داخل المجتمع الشيعي دون الحاجة للمرور عبر النظام القضائي المدني. وقد حظي هذا القانون بتأييد غالبية رجال الدين الشيعة الذين يمتلكون منابر عامة.
في أسرتي المسلمة، كان تعليم الفتيات يُقدَّر تقديرًا كبيرًا، وكان الزواج المبكر يُعتبر ممارسة اجتماعية ضارة – لم يكن مشجعًا عليها أبدًا، ناهيك عن أن تُطرح للنقاش. لقد كان هذا الموقف نابعًا من قيم الاحترام والتقدّم، لا أمرًا يحتاج إلى تبرير في الخطاب العام. أما اليوم، فنشهد تحولًا مقلقًا: سياسيون ورجال دين ومحامون ومؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي باتوا يتحدثون بشكل متزايد مؤيديين زواج الأطفال. وهذا التأييد العلني له وزنه، ويُعيد تشكيل المواقف الاجتماعية بطريقة تهدد عقودًا من التقدم.
صحيح أن الفقه الشيعي أباح تاريخيًا زواج الأطفال ضمن شروط معينة، إلا أن المسألة كانت – وما زالت – محل جدل داخل التقاليد الشيعية، وليست محل قبول بالإجماع. فقد عبّر بعض العلماء ورجال الدين الشيعة، خصوصًا أصحاب التوجهات الإصلاحية، عن اعتراضات أخلاقية واجتماعية على هذه الممارسة في السياقات المعاصرة. من أبرز الأمثلة على ذلك، المرجع اللبناني الراحل آية الله محمد حسين فضل الله، الذي أدان علنًا زواج الأطفال، واعتبره مناقضًا لكرامة الإنسان ومضرًا بالأسر والبنى الاجتماعية.
لكن على الجانب الآخر، هناك عدد كبير من رجال الدين الشيعة على وسائل التواصل الاجتماعي يؤكدون علنًا الأحكام الكلاسيكية التي تبيح زواج الفتيات ابتداءً من سن التاسعة، سواء في إطار الزواج المؤقت أو الدائم. ورغم أنهم يزعمون أن هذه الحالات نادرة أو رمزية، إلا أنهم يؤكدون أن تلك الأحكام "شرعية إلهية" لا يجوز التشكيك فيها أو إعادة تفسيرها. ولتبرير هذه المواقف، يستشهد بعضهم بمصادر تراثية مثل الشهيد العتابي، الذي ينقل عن كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي – أحد أهم مصادر الحديث والفقه الشيعي – حديثًا يقول: «من سعادة الرجل أن لا تحيض ابنته في بيته»، ما يوحي بأن الزواج المبكر مرغوب فيه. وقد ساهم هذا الحضور المتزايد في تطبيع خطاب زواج الأطفال في المجال العام العراقي.
تُجمع الإحصاءات العالمية بشأن زواج الأطفال من خلال آلية رصد زواج الأطفال التي تقودها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وتُقدِّر هذه البيانات أن 28٪ من النساء في العراق ممّن تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا قد تزوّجن أو دخلن في علاقة زواج قبل سن 18. ووفقًا لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، فإن 22٪ من الزيجات غير المسجّلة تشمل فتيات دون سن 14 عامًا. أما منظمة هيومن رايتس ووتش، فقد أكدت أن معدل زواج الأطفال في العراق آخذ في الارتفاع بشكل مطرد.
وتتجلى آثار هذا التأييد الفقهي بشكل أكثر وضوحًا في المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية. فمعدل الزواج بين الفتيات دون سن 18 يبلغ 43.5٪ في محافظة ميسان، و37.2٪ في النجف، و36.8٪ في كربلاء – وهي من أعلى المعدلات في البلاد. وتشير هذه الأرقام إلى أن ما يُقدَّم على أنه "نادر" في الخطاب الديني، هو في الواقع أمر شائع ومقلق على أرض الواقع.
ويُتبع في العراق مذهب الجعفري في الفقه، المستند إلى تعاليم المذهب الإثني عشري في الإسلام الشيعي، من قِبل العديد من الشيعة في العراق ولبنان وإيران. وفي عام 2014، قُدِّم مشروع قانون بعنوان "قانون الأحوال الشخصية الجعفري"، وهو تعديل طائفي على قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، وكان الهدف منه تنظيم شؤون الزواج والأسرة والميراث للشيعة وفقًا للفقه الجعفري، وهم يشكلون ما بين 55 و60٪ من السكان. وقد نصّ مشروع القانون حينها على السماح بتزويج الفتيات اعتبارًا من سن 8 سنوات، لكنه قوبل بالرفض واعتُبر مناورة سياسية.
وفي يوليو 2024، قُدِّم إصدار جديد من التعديل، ما أثار موجة جديدة من الاحتجاجات، خصوصًا من المجتمع المدني ومجموعات الدفاع عن حقوق المرأة، التي ندّدت بما رأت فيه تأييدًا واضحًا لزواج الأطفال، وانتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية، وتهديدًا بتعميق الانقسامات الطائفية داخل المجتمع العراقي. وعلى عكس القانون المدني الموحد القائم، فإن هذا التعديل يفرض على المحاكم تطبيق أحكام كلا المذهبين السني والشيعي عند تسجيل عقود الزواج، ما يؤدي فعليًا إلى إضفاء الطابع المؤسسي على التعددية القانونية الطائفية، ويسمح للأفراد باتباع التفسير الديني الخاص بمذهبهم.
وسيتم تطوير قانون الأحوال الشخصية المستند إلى الفقه الجعفري من قِبل المجلس العلمي للوقف الشيعي – وهو جزء من المؤسسة المعنية بالشؤون الدينية والتنمية الثقافية للطائفة الشيعية في العراق – بالتعاون مع المرجعية الدينية، بالإضافة إلى قضاة وخبراء قانونيين ومجلس الدولة. وعلى الرغم من أن القانون يجب أن يتوافق مع أحكام قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 – الذي يتيح الزواج ابتداءً من سن 15 فقط في حالات استثنائية – فإن من المرجح أن تستمر الزيجات المبكرة دون تسجيل رسمي، أو أن يتم تأجيل تسجيلها حتى بلوغ السن القانونية.
ورغم اختلاف الأطر والسياقات، فإن مسألة زواج الأطفال حاضرة أيضًا داخل التقاليد السنية. فالفقه السني الكلاسيكي، مثل نظيره الشيعي، لا يحدّد سنًّا صغرى ثابتة للزواج، ويجيز عمومًا عقد الزواج قبل البلوغ، على أن يُؤجّل الدخول حتى يتحقق النضج الجسدي. لكن مواقف العلماء والمؤسسات السنية المعاصرة تختلف اختلافًا كبيرًا في هذا الشأن.
في العراق، عارض رجال الدين والسلطات الدينية السنية في الغالب تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 2024، منتقدين إياه على أساس أنه يُكرّس الانقسامات الطائفية وقد يشجع على الزواج دون السن القانونية. وقد اختار ديوان الوقف السني والأحزاب السياسية السنية الاستمرار في الالتزام بالقانون الصادر عام 1959، الذي يحدد سن 18 كحد أدنى قانوني للزواج، مع السماح باستثناءات فقط في ظروف خاصة وبموافقة قضائية. ورغم أن بعض الأصوات السنية المحافظة لا تزال تدافع عن الزواج المبكر لأسباب دينية، إلا أن التعبئة العلنية لدعم خفض سن الزواج كانت أقل وضوحًا مقارنةً بالجهود الأخيرة التي قادتها تيارات دينية شيعية. غير أن هذا الصمت النسبي لا يعني بالضرورة وجود إجماع، ولا بد من التعمق في النقاشات الداخلية داخل الأوساط السنية لفهم الصورة الأوسع.
وقد عبّر ديفيد بيكهام، سفير النوايا الحسنة المخضرم لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والمدافع عن حقوق الأطفال حول العالم، عن مشاعر الكثيرين ممّن يشعرون بالغضب إزاء مساعي تطبيع زواج الأطفال، حين قال في مقابلة مع مجلة تايم إن هدفه هو إبقاء الأطفال في مقاعد الدراسة وبعيدين عن الزواج:
"أريد أن أرى هؤلاء الأطفال وهم يتجولون بملابس تليق بهم، لا أن يكونوا عرضة للعنف في منازلهم أو مدارسهم أو مجتمعاتهم."
يُعد زواج الأطفال قضية عالمية وانتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، وهناك جهود قانونية متزايدة لحظر هذه الممارسة. وتشير منظمة "فتيات لا عرائس" (Girls Not Brides) إلى أن 12 مليون فتاة حول العالم يتم تزويجهن سنويًا قبل بلوغهن سن 18. ورغم وجود بعض الفروق في كيفية ظهور زواج الأطفال من بلد إلى آخر، فإن هذه الظاهرة متجذرة في التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وفي البُنى القانونية والاجتماعية التي تكرّسه. وما يوحّد هذه الحالات هو النتائج السلبية التي تواجهها الفتيات اللواتي يُجبرن على الزواج في سن مبكرة.
في العديد من الدول، يُحدد سن الزواج القانوني للفتيات عند عمر أصغر من الفتيان، كما أن احتمال تزويج الفتيات في سن الطفولة يفوق ما بين خمس إلى عشرين مرة احتمال تزويج الأولاد، مما يجعلها قضية تؤثر على الفتيات بشكل غير متكافئ. وقد تم توثيق الآثار الضارة لهذا النوع من الزواج بشكل واسع، وتشمل أضرارًا جسدية ونفسية، إضافة إلى تبعات اقتصادية واجتماعية سلبية تمتد مدى الحياة.
تُسجّل منطقة أفريقيا جنوب الصحراء أعلى معدلات زواج الأطفال عالميًا، ويُقدّر أن نحو 130 مليون امرأة في المنطقة اليوم قد تزوّجن قبل بلوغ سن 18. وفي إندونيسيا، تُزوّج فتاة واحدة من كل تسع قبل هذا السن. كما ينتشر زواج الأطفال على نطاق واسع في آسيا الوسطى وجنوب آسيا؛ ففي بنجلاديش، على الرغم من أن زواج الأطفال غير قانوني، إلا أن نصف الفتيات هناك يتزوجن قبل سن 18، بينما تبلغ النسبة في باكستان 18٪.
أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتُسجّل العراق أحد أعلى معدلات زواج الأطفال، إلى جانب كل من مصر وإيران والسودان واليمن. ففي إيران، حيث يبلغ السن القانوني لزواج الفتيات 13 عامًا، تُقدّر الأرقام أن نحو 2.3 مليون امرأة قد تزوّجن قبل بلوغ سن 15. وترتبط هذه الزيجات في الغالب بأعراف اجتماعية وثقافية، وقد رُفضت المحاولات الرامية إلى رفع السن القانونية إلى 16 عامًا.
وفي مصر، ورغم تراجع ظاهرة زواج الأطفال، إلا أن الأرقام ما تزال مرتفعة. ووفقًا لتعداد عام 2017، فإن واحدة من كل عشرين فتاة مصرية تتراوح أعمارهن بين 15 و17 عامًا كانت متزوجة، وغالبًا ما تُبرم هذه الزيجات بمساعدة أئمة. وعلى الرغم من وجود تشريعات تُجرّم زواج الأطفال في مصر، تشير التقارير إلى أن كثيرين يتمكنون من التحايل عليها دون عقاب.
لقد ارتبط ازدياد حالات زواج الأطفال بظواهر أوسع، مثل الزواج القسري بشكل عام، وارتفاع معدلات الفقر، والنزاع، والنزوح، والاتجار بالبشر في المنطقة. أما الجهود التي تبذلها الحركات النسوية والمنظمات غير الحكومية للقضاء على زواج الأطفال في الدول العربية – بما فيها العراق، والأردن، ولبنان، وسوريا، والأراضي الفلسطينية – فقد حققت نجاحًا محدودًا. وربما تكون الكويت استثناءً، إذ رفعت مؤخرًا السن الأدنى للزواج إلى 18 عامًا، بغض النظر عن التفسيرات القانونية الدينية أو الطائفية.
ولا يقتصر زواج الأطفال على دول الجنوب العالمي؛ فعلى الرغم من ندرته، إلا أنه لا يزال قائمًا في الولايات المتحدة، حيث لا يزال قانونيًا في معظم الولايات. واعتبارًا من يوليو 2025، قامت 16 ولاية أميركية وإقليمين، إلى جانب مقاطعة كولومبيا، بحظر زواج الأطفال. أما المملكة المتحدة، فقد رفعت السن الأدنى للزواج في إنجلترا وويلز إلى 18 عامًا، وهو قانون دخل حيّز التنفيذ عام 2023. وفي ألمانيا، تم إقرار "قانون حماية القُصّر من الزيجات الأجنبية" العام الماضي، والذي حدّد السن القانونية للزواج عند 18 عامًا دون استثناءات.
يختلف السياق من بلد إلى آخر. ففي الولايات المتحدة، تمتلك العديد من الولايات ما يُعرف بقوانين "روميو وجولييت"، التي تحمي القُصّر المتقاربين في العمر من العقوبة الجنائية بسبب علاقات جنسية بالتراضي. كما تركز النقاشات حول زواج الأطفال هناك على السياسات الأميركية الخارجية، واستقلالية المراهقين، والرضا، وحقوق الصحة الإنجابية. وغالبًا ما يُعارض البعض المعايير الحقوقية وتجريم الزواج قبل سن 18 باستخدام حجج تتعلق بقدرة الفتيات على اتخاذ القرار، وإزالة الوصمة عن الحياة الجنسية للمراهقين، والسياقات المحلية. ويُقدَّم قانون "روميو وجولييت" باعتباره الخيار الأقل سوءًا ضمن خيارات محدودة لمواجهة ظروف قاهرة.
وعندما يُسجَّل الزواج كعقد قانوني، قد يمنح حقوقًا وحمايةً ومسؤوليات، وذلك حسب تعريف كل دولة للزواج. ولكن حيثما يحدث زواج الأطفال، قد يؤدي فرض العقوبات إلى تعريض الفتيات لمزيد من المخاطر، بل وزيادة الآثار السلبية للممارسة ذاتها. وتُظهر الأبحاث أن الهدف النهائي لا يجب أن يقتصر على حظر زواج الأطفال نظريًا، بل يتطلب معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة. فلا بد من سنّ قوانين وبناء أنظمة لحماية الفتيات، وتوعيتهن بأضرار الزواج المبكر، مع ضمان حقهن في اتخاذ قرارات تتعلق بأجسادهن، وتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتعليم، والفرص الاقتصادية.
ورغم أن حالات الزواج أو الحمل بين المراهقات الأكبر سنًا – أي بين 16 و19 عامًا – تُرصد وتُناقش بشكل أكثر علنية، فإن الزيجات التي تشمل فتيات أصغر سنًا لا تحظى بذات الانتباه العام، على الرغم من أن المخاطر التي تواجهها الفتيات في هذه الفئة العمرية أخطر بكثير. وتشمل هذه المخاطر مضاعفات الحمل والولادة المبكرين، وارتفاع معدلات وفيات الأمهات، وحرمان الفتيات من التعليم.
وقد أظهرت الدراسات أن العنف من قبل الشريك الحميم أكثر شيوعًا بين الفتيات المراهقات والنساء اللواتي تزوّجن في سن الطفولة. ورغم أن قوانين سن الرضا الجنسي والاعتداء الجنسي في الولايات المتحدة تختلف من ولاية إلى أخرى، إلا أن القوانين الفيدرالية تُجرّم أشكالًا متعددة من الاستغلال والاعتداء الجنسي على الأطفال. كما توجد قوانين لحماية الأطفال من المحتوى الفاضح أو الضار على الإنترنت، مثل "قانون حماية الأطفال على الإنترنت".
ورغم الجهود العالمية المتزايدة والوعي المتنامي، تبقى الحالة العراقية مقلقة بشكل خاص، حيث تُجسِّد كيف يمكن لتغلغل السلطة الدينية في الأنظمة القانونية والسياسية أن يُطمس الحدود بين التقاليد الثقافية وانتهاكات حقوق الإنسان. ففي العراق، لا يُعدّ تطبيع زواج الأطفال مجرد نتيجة للفقر أو عدم الاستقرار، بل هو ممارسة يُعاد إنتاجها بشكل نشط من قِبل رجال الدين، والمشرّعين، والمنصات الإعلامية التي توظف الدين كمبرّر ودرع في آنٍ واحد.
ما يبدأ كنقاش فقهي حول "الزواج المبكر" سرعان ما يتحوّل إلى خطاب عام يُضفي الشرعية على ممارسات جنسية مع فتيات صغيرات، غالبًا تحت ستار "الحرية الدينية" أو "الحياء الثقافي". إن الغموض القانوني الناتج، وعدم مساءلة رجال الدين، وتضخيم وسائل الإعلام لمثل هذه الآراء، كلّها تكشف عن فشل مؤسسي أعمق – فشل يتمثل في تردّد الدولة في مواجهة السلطة الدينية، مما يترك الفتيات في وضع هش وبائس للغاية.
ويمثل المسار الذي يسلكه العراق تحذيرًا مؤلمًا لما يحدث حين تُستخدم النصوص المقدسة لإسكات المعترضين وتقنين الانتهاكات، بدلًا من حماية كرامة وسلامة أصغر المواطنين سنًا. فهناك قوى اجتماعية وسياسية وثقافية وقانونية تسمح باستمرار هذه الممارسة الضارة، ولا بد من إصلاحات عاجلة لكسر هذا النمط.
في العراق، يُقصد بـ"الزواج المبكر" عادةً زواج الفتيات الصغيرات من فتيان أكبر سناً أو رجال بالغين، وغالباً ما يتم ذلك تحت ضغط من أفراد الأسرة. هذه الظاهرة ليست جديدة في المجتمع العراقي؛ فهي موجودة أيضاً بين المجتمع الكردي. على الرغم من أن إقليم كردستان العراق قد حقق تقدماً في منع زواج الأطفال من خلال تصنيفه كشكل من أشكال العنف الأسري، إلا أن القانون لا يزال يسمح باستثناءات للزواج بدءاً من سن 16 عاماً. ومع ذلك، نظراً لأن العراقيين يمكنهم السفر بسهولة إلى محافظات أخرى حيث يمكن ترتيب زيجات الأطفال بشكل رسمي أو غير رسمي، فإن القوانين التي تحظرها يمكن التحايل عليها. في جميع أنحاء العراق، ساهمت تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في زيادة زيجات الأطفال على مر السنين. يُسمح قانون الأحوال الشخصية حالياً باستثناءات للفتيات اللواتي تبلغ أعمارهن 15 عاماً، بشرط "البلوغ الشرعي والقدرة الجسدية". عملياً، يتم تقييم ذلك عادةً من قبل القاضي بناءً على علامات البلوغ والقدرة المُدرَكة على الإنجاب. ومع ذلك، لا توجد تقييمات طبية أو نفسية موحدة، مما يجعل المعايير غامضة وتخضع لتقدير كبير. شجع الزعماء القبليون والدينيون مثل هذه الزيجات باستخدام مبررات دينية وثقافية، وعادةً ما يقدمونها على أنها نتائج إيجابية في مجتمع محافظ.
يستخدم القادة الدينيون والسياسيون مصطلح "الزواج المبكر" دون ذكر فئات عمرية محددة، ويتجنبون مصطلحات مثل "القصر" أو "المراهقين". على سبيل المثال، يُعرف رجل الدين والسياسي الشيعي العراقي عمار الحكيم بتشجيعه للزواج المبكر لتحقيق الواجب الديني. أما في لبنان، فقد قال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله (الذي تم اغتياله) ذات مرة إن الذين يعارضون الزواج المبكر يقومون بعمل الشيطان. غالباً ما يتم تقديم هذه الممارسة على أنها شكل من أشكال الحماية للإناث. دافع رجل الدين الشيعي هادي المدارسي عن الزواج المبكر في حلقة بودكاست حديثة، حيث قال للمحاور إن المرأة "التي لا تتزوج سينظر إليها بشكل مختلف، فقد يرغب بها كل من يراها، خاصة في مجتمعاتنا... عندما نعتمد الزواج المبكر، نغلق باب الطمع في النساء".
يعارض المحافظون الدينيون ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، كما أن المعايير الثقافية - التي تعتمد غالباً على الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والطائفية - قد تحكم بأن شرف وسمعة الأنثى وأسرتها يكونان في أمان عندما تتزوج. في ثقافة تخلو عادةً من أي حوارات حول التثقيف الجنسي أو الوصول إلى وسائل منع الحمل خارج إطار تنظيم الأسرة للأزواج، يُنظر إلى الزواج المبكر للقاصرات - الذي يتطلب موافقة والد الفتاة - على أنه شكل أكثر قبولاً من الحشمة. هناك قول شائع في المجتمع العراقي - "تزوجها صغيرة وربّيها" - يقترح أن يتزوج الذكر البالغ من أنثى مراهقة، لتشكيل شخصيتها في سن مبكرة وتوجيه سلوكها في منزل يسيطر عليه.
لقد فشل التعديل الذي أُجري في يوليو 2024 على قانون الأحوال الشخصية في تحديد موقف الفقه السني والشيعي بوضوح بشأن زواج الأطفال، مفوضاً تلك السلطة إلى الأوقاف الدينية في مرحلة لاحقة، مما ترك ثغرات واسعة مفتوحة أمام تفسيرات ذاتية أو متطرفة.
تقول شيري طالباني، رئيسة ومؤسسة منظمة "SEED" غير الحكومية في إقليم كردستان: "بمجرد أن تأخذ الأمر خارج المحكمة لإصدار عقد زواج وتضعه في أيدي الخدمات الدينية، لن نعرف بعد ذلك في أي سن سيتزوج الفتيات والفتيان".
وفقاً للفقه الشيعي، فإن العمر الذي يُسمح فيه بعقود الزواج هو 9 سنوات للفتيات و15 سنة للفتيان. لا يزال الكثيرون يقيمون زيجات لفتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عاماً، ويتم تسهيل هذه الزيجات غير المسجلة من قبل رجال الدين. كشف تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في عام 2019 أن ما يسمى بـ"الزواج المؤقت" - المعروف باسم "زواج المتعة" والمُعرَّف بأنه عقد متفق عليه مسبقاً يسمح بعلاقات جنسية لفترة زمنية مقابل المال أو الهدايا - أصبح تجارة مربحة لرجال الدين الذين يسهلونها. لا تعترف القوانين المدنية العراقية بهذه العقود، ويقول النقاد إنها قد تشبه الدعارة والاتجار بالبشر، خاصة عندما تتضمن قاصرات ولا تسمح إلا للرجال بفسخها. أظهر فيلم وثائقي حديث بثته قناة "رووداو" الإعلامية الكردية البارزة في إقليم كردستان العراق أن بعض رجال الدين المرخصين يقومون بإجراء زيجات أطفال خارج المحكمة، أحياناً باتفاقات شفهية فقط.
يستشهد مؤيدو القانون من الطائفة الشيعية غالباً بفقه الإمام جعفر الصادق، الإمام الشيعي السادس. كما يعتمد بعضهم على فتاوى آية الله الخميني الإيراني، خاصة في كتابه "تحرير الوسيلة"، وأبي القاسم الخوئي في كتابه "منهاج الصالحين"، الذي يجيز زواج الفتيات من سن 9 سنوات، سواء في زواج دائم أو مؤقت. ويذكر كتاب الخميني بشكل مثير للجدل أنه "لا مانع من الاستمتاعات الأخرى مثل اللمس بشهوة، والمعانقة، وفرك الفخذين، حتى مع الرضيع". ويتكرر هذا الرأي في كتابات رجل الدين الشيعي العراقي علي السيستاني، خاصة في كتابه الذي يحمل نفس العنوان "منهاج الصالحين". وفي عام 2019، أصدر السيستاني بياناً لتنصل من زواج القصر، قائلاً إن أجزاء من فتاويه قد حذفت من كتبه الحالية.
كما يستشهد المؤيدون من الطائفتين السنية والشيعية غالباً بصحيح البخاري، وهو مجموعة متفق عليها من الأحاديث، والذي يتضمن رواية أن النبي محمد تزوج زوجته عائشة وهي في السادسة من عمرها ودخل بها وهي في التاسعة. غالباً ما يستشهد المدافعون عن تعديل قانون الأحوال الشخصية بصحيح البخاري كأساس شرعي لقوانين الزواج اليوم. إلا أن دراسة حديثة تتحدى الرواية المقبولة على نطاق واسع عن عمر عائشة الصغير عند الزواج، وتشير إلى أنها قد تكون مختلقة من القرن الثامن، وربما بدوافع سياسية، وليست قائمة على حقائق تاريخية.
بالنسبة للعديد من المؤيدين المحافظين للقانون من الطائفة الشيعية، فإن حجج رجال الدين المؤيدين مقنعة إلى حد كبير، لأن النقاد غالباً ما يركزون على التداعيات القانونية والاجتماعية للتعديل، بدلاً من مواجهة السلطة السياسية لهذه الشخصيات الدينية مباشرة. أما أولئك الذين يتجرأون على التشكيك في سلطة المرجعية أو الدور الأوسع للدين في السياسة العراقية، فإنهم يواجهون رد فعل عنيفاً من شرائح محافظة في المجتمع. غالباً ما يتم استهداف الأفراد الذين ينتقدون المؤسسات الدينية العراقية - وخاصة القيادة الدينية الشيعية - وتشويه سمعتهم من قبل مؤيدي هذه القيادة.
في المشهد الإعلامي الحالي، يتمتع العراقيون بإمكانية الوصول إلى المواد الدينية عبر التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق. تتوفر مقاطع الفيديو لرجال الدين وهم يناقشون جواز زواج القصر بسهولة على منصات مثل يوتيوب وفيسبوك. في المناقشات التلفزيونية والمنتديات عبر الإنترنت، يخوض رجال الدين والمحامون في الجوانب العملية لكيفية تطبيق القانون المقترح في العراق. فهم يطرحون أسئلة مثل: هل يمكن لفتاة تبلغ من العمر 9 سنوات أن تعطي موافقة قانونية؟ كيف تُعرِّف المفاهيم الإسلامية مثل "الرشد" (نضج الحكم) و"البلوغ"، ومن له السلطة لتقييم هذه المعايير؟ هل يسمح التعديل الجديد صراحة أو ضمناً بزواج الأطفال؟
في العام الماضي، بُثت مناظرة استضافتها الصحفية منى سامي على القناة التلفزيونية العراقية "الرابعة"، تحت عنوان "جدلية التعديل على قانون الأحوال الشخصية بين الشريعة والعلمانية". استضافت الحلقة رجلين دينيين - الشيخ مصطفى البياتي ممثلاً عن الطائفة السنية، والشيخ محمد رضا السعيدي ممثلاً عن الطائفة الشيعية - لمناقشة التعديلات المقترحة على القانون. خلال النقاش، وجهت المذيعة سؤالاً استفزازياً: "إذا أراد الأب تزويج ابنته البالغة من العمر 9 سنوات، هل هو حلال (جائز)؟" فأجاب السعيدي، ممثلاً الرأي الشيعي، دون تردد: "نعم، لا مشكلة، إذا كانت قادرة جسدياً". واستمرت المذيعة في سؤالها: "عندما تتزوج طفلة قاصر، يُسمح للزوج الذي تزوجها قانونياً بملامسة فخذيها ولمسها وتقبيلها والرغبة الجنسية بها وهي ما تزال طفلة؟"
غالباً ما يتم وصم معارضي القانون وتكفيرهم من قبل المؤيدين على شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي. فقد وصف السعيدي أي معارض بـ"الفاسق" لرفضه حكماً يعتبره "واجباً" دينياً. بل ذهب رجل الدين الشيعي البارز رشيد الحسيني إلى أبعد من ذلك، حيث اتهم النقاد بالإلحاد وأعلن: "حفنة من الرجال والنساء الفاسقين يريدون أن يقرروا لنا كدينيين كيف ندير قوانين أحوالنا الشخصية... نحن نريد قانون الله".
وفي مناظرة تلفزيونية أخرى على قناة الرشيد، لفتت المحامية قمر السماري الانتباه على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بردها الحاد: "لا تتصرف كشيخ وتعظني". جاءت تصريحاتها خلال نقاش محتدم أعربت فيه عن معارضتها القوية للتعديل المقترح. وفي مواجهة مشاركين ذكرين مؤيدين للقانون، تحدتهما السماري في انتقائية تطبيقهما للأحكام الإسلامية، متسائلة لماذا - إذا كانا يدافعان حقاً عن تطبيق الشريعة - لم يطالبا بتفعيل أحكام أخرى مثل حظر الكحول أو عقوبات الحدود على الزنا والسرقة التي لا تُطبق في العراق.
ويجادل المعارضون بأن زواج القاصر يشكل اعتداء جنسياً على الأطفال واغتصاباً للقُصَّر، وينتقدون المؤيدين لتجاهلهم أو التقليل من هذه الحقائق. في حلقة من برنامج "جعفر توك" على قناة DW الألمانية، استشهد المقدم مراراً بمعايير حقوق الإنسان الدولية لحماية الأطفال - وهي معايير رفضها رجل الدين الشيعي علي الشريفي تماماً، دافعاً عن موقفه بالقول إن الفتاة يمكنها الزواج حتى في سن 13 أو 14 عاماً، مستنداً إلى الشريعة.
وفي مناظرة مماثلة مع المقدم عدنان الطائي على قناة UTV العراقية المستقلة، دافع رجل الدين الشيعي نور السعيدي عن التعديل بإعادة صياغة المخاوف العامة، مدعياً أن المشكلة الحقيقية تكمن في الطلاق وحضانة الأطفال. وقال: "صدقوني، الزيجات تحدث في كل الأعمار، والموضوع مقبول في المجتمع، والعادات لا تتغير". كما برر مفهوم "ملامسة فخذ الرضيع" في الفقه الشيعي ("المفاخذة") بالقول إن تزويج الطفلات لرجال بالغين قد يكون مفيداً في بعض الحالات طالما لم يحدث جماع.
وظهر هذا التوتر بوضوح في برنامج "البشير شو" على DW أيضاً، حيث وصف المقدم أحمد البشير النقاش مع منى سامي بأنه "حوار قذر"، وقابل محاميتين معارضتين للقانون، مما أثار انتقادات واسعة من المؤيدين على وسائل التواصل الاجتماعي. رد رجل الدين الشيعي عمار الشوالي بالاستشهاد بمصادر سنية لها أحكام مماثلة. في أي مجتمع حديث، يمكن تفسير النقاش العلني حول جواز الأفعال الجنسية مع القُصَّر في سياق الثقافة والدين بسهولة على أنه تطبيع - إن لم يكن تشجيعاً صريحاً - لاستغلال الأطفال.
من الجدير بالذكر أن المنصات الرقمية الكبرى تتخذ خطوات متزايدة للحد من المحتوى الذي يشجع زواج الأطفال. فعلى سبيل المثال، يعرض إنستجرام الآن تحذيراً عند البحث عن مصطلحات مثل "زواج القصر"، بينما يقوم ChatGPT بوضع علامة على الاستفسارات التي يراها مخالفة لسياساته. وفي حالة بارزة العام الماضي، أمر مجلس الإشراف على فيسبوك بإزالة فيديو يظهر تحضير طفلة إيرانية تبلغ 14 عاماً لزواجها، مشيراً إلى مخاوف من أن المنشور يسهل زواج الأطفال.
لفهم سبب استمرار العراق، برفقة رجاله الدين، في خذلان نسائه وأطفاله، يجب علينا تحليل التقاطع بين الدين والسياسة والقانون. في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ملأت الأحزاب الطائفية الفراغ السياسي الذي أعقب سقوط النظام، وساهمت السلطة الدينية في التآكل التدريجي للحماية المدنية، خاصة للنساء والفتيات. بدلاً من أن يكونوا حراساً للأخلاق، يستخدم العديد من رجال الدين والسياسيين الخطاب الديني لتبرير ممارسات ضارة مثل زواج الأطفال، معززين فكرة أن قيمة الأنثى مرتبطة بوضعها الزوجي وجاهزيتها الجنسية كما يُنظر إليها عبر عدسة أبوية.
لقد تم استخدام الدين كأداة لتعزيز المصالح السياسية، وغالباً ما يتم تشويه معارضة السلطة الدينية والنخب السياسية ووصمها بتأثير الغرب. الغموض القانوني وضعف التنفيذ والضغوط المجتمعية تشجع بشكل أكبر على هذه الممارسات.
في مقال عام 2024، وصفت بلسام مصطفى هذا بأنه نظام "هجين": "على السطح، هناك ’دولة’ بدستور - رغم تناقضاته وفجواته - وصندوق اقتراع رسمي ومؤسسات هشة. دولة تصادق وتوقع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بحماية النساء والأطفال (دون الالتزام بها أو تنفيذها)، بينما في العمق، تمتد أذرع السلطة الدينية في اتجاهات متعددة لفرض سلطتها عبر وسائل شبه رسمية أو غير رسمية، معتبرة الفتيات والنساء أهدافها الرئيسية."
غالباً ما تلجأ المحاكم العراقية إلى تفسير طائفي للشريعة، وتتجنب الدولة تحدي سلطة رجال الدين خوفاً من ردود فعل سياسية. عملياً، لا تشكل التفسيرات الدينية الحياة الخاصة فحسب، بل تكتب السياسات العامة أيضاً، غالباً على حساب أكثر الفئات ضعفاً في البلاد.
يزيد من حدة هذه الإخفاقات الدور المتزايد لوسائل الإعلام كمنصة ومضخم للخطاب الديني المتطرف. بدلاً من تحدي تجاوزات رجال الدين أو فحص الإصلاحات القانونية الضارة، توفر العديد من وسائل الإعلام العراقية منصة لرجال الدين لتبرير زواج الأطفال علناً تحت غطاء الفقه.
هذه النقاشات - التي تُصوَّر على أنها حوارات أخلاقية أو لاهوتية - نادراً ما تتضمن أصوات الناجيات من زواج الأطفال. يتم تصويرها دائماً تقريباً على أنها معركة بين رجال الدين المحافظين والرجال من جهة، والنساء الليبراليات وناشطي حقوق الإنسان من جهة أخرى، مما يعزز بيئة يتم فيها تطبيع الممارسات الضارة للذكور وتشويه معارضة الإناث. موقف الإعلام السلبي أو المتواطئ حول الأثير إلى ساحة معركة أيديولوجية، مما زاد من تعميق الانقسامات المجتمعية وترك النساء والأطفال مع حماية ضئيلة من الثقافة أو القانون.
غالباً ما يتم التذرع بالنسبية الثقافية - الرأي القائل بأنه يجب النظر إلى المعايير الاجتماعية في سياق ثقافتها الخاصة بقطع النظر عن بعدها عن معايير حقوق الإنسان الدولية أو المعايير الأخلاقية المقبولة عالمياً - في مناقشات التقاليد أو العرف الديني، ولكن لا ينبغي استخدامها كدرع للممارسات الثقافية الضارة، خاصة تلك التي تعرض الأطفال والنساء للخطر. يجب رسم خط واضح بين احترام الثقافة والدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية. أي محتوى متداول في المنتديات العامة يطبع الأعمال الجنسية مع القصر يجب إدانته وإزالته دون مواربة. النقاشات العامة التي تصور مثل هذه الأفعال على أنها مقبولة دينياً أو ثقافياً ليست مجرد مثيرة للجدل - إنها خطيرة.
في خضم هذه التساؤلات القانونية واللاهوتية، يظل هناك سؤال جوهري بلا إجابة: على أي أساس يستمد الهؤلاء من رجال الدين شرعيتهم، وما الذي يجعل تفسيراتهم الخاصة للشريعة الإسلامية صالحة؟ في المجتمع العراقي، يُنظر إلى المسؤولين الدينيين غالبًا على أنهم "محترمون" بحكم مناصبهم، وبالتالي يُفترض أنهم يمتلكون معرفة عميقة بالفقه الإسلامي. على العراق أن يعزز ثقافةً لا يتم فيها تبرير أو تعزيز أو شرعنة موضوعات حساسة مثل إساءة معاملة الأطفال والاستغلال الجنسي للأطفال. بينما التفكير في الانجذاب الجنسي نحو القصر ليس جريمة، فإن التصرف بناءً على ذلك - خاصة مع الاعتقاد بأنه مسموح - يمكن أن يسبب أضرارًا جسدية ونفسية بالغة للضحايا.
على الرغم من الادعاءات بأن زواج الطفولة المبكرة نادر ويمكن أن يكون بالتراضي أو مفيدًا للفتيات في العراق، فإن مجرد القبول الاجتماعي لمثل هذه الممارسات، حتى لو لم تُنفذ بالكامل في القانون، يشجع على الإساءة ويسمح للمؤيدين بإيجاد ثغرات في النظام القانوني لممارسة ما يعتقدون أنه حقهم الديني. فلا عجب أن العراق يحتل مرتبة دنيا في مؤشر المرأة والسلام والأمن لمعهد جورجتاون.
تكشف المناقشات الجارية حول زواج القصر في العراق، خاصة تلك التي تشمل شخصيات دينية وسياسية، عن مشكلة مجتمعية أعمق وتزايد نفوذ رجال الدين في الحياة العامة. يجب على المجتمع الدولي والمجتمع المدني العراقي مواصلة الضغط على المشرعين والقادة الدينيين لرفض هذه الممارسات.
يمكن للعراق تنفيذ قوانين تحمي النساء والأطفال من العنف المنزلي وتحسن جودة التعليم وإمكانية الوصول إليه، مع توفير المزيد من الفرص لدخول النساء سوق العمل. ما زال من غير الواضح ما إذا كان المجتمع العراقي سيتحدى التفسيرات المتطرفة الضارة لما هو مسموح، تمامًا كما رفض الأيديولوجيات المتطرفة مثل تلك التي يتبناها تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم أن الأعراف الاجتماعية قد تستغرق وقتًا حتى تتغير، إلا أن الرقابة على المحتوى الضار ومتابعته يمكن أن تسهم في تغيير التصورات والمواقف
(انتهى)
الكاتبة: منـة الله العبيدي: منة الله العبيدي كاتبة وباحثة عراقية الأصل ، تحمل العبيدي درجة الماجستير من كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون، حيث تخصصت في الدراسات العربية المعاصرة مع التركيز على قضايا التنمية والسياسة في الشرق الأوسط. وهي من بغداد، العراق، وقد حصلت على درجة البكالوريوس في الدراسات الدولية من الجامعة الأمريكية في العراق – السليمانية.