الجمعة ١٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاَي الفائز بجائزة نوبل فى الأدب 2025

ولد لازلو كراسناهوركاَي في عام 1954 في جيولا، المجر. أكمل دراساته الجامعية في المجر، ومنذ ذلك الحين وهو يعيش على عمله كمؤلف مستقل. عندما حقق أول منشور رئيسي له نجاحاً مذهلاً في عام 1985، انطلق كراسناهوركاَي على الفور إلى طليعة الحياة الأدبية الهنجارية. سافر خارج المجر الشيوعية للمرة الأولى في عام 1987، حيث أمضى عاماً في برلين الغربية كمتلقٍ لزمالة DAAD. منذ انهيار الكتلة السوفيتية، عاش في مجموعة مذهلة من المواقع. يعود غالباً إلى ألمانيا والمجر، ولكنه قضى ولا يزال يقضي فترات زمنية متفاوتة في فرنسا، إسبانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلترا، هولندا، إيطاليا، اليونان، الصين، واليابان.

في عام 1993، حصلت روايته ( كآبة المقاومة) – ترجمت الى العربية - على جائزة "Bestenliste-Preis" الألمانية لأفضل عمل أدبي في العام. من الولايات المتحدة إلى اليابان، أقر النقاد بأهمية كتاباته. وفقاً لسوزان سونتاج: إنه "السيد الهنجاري المعاصر ليوم القيامة [و] أحق بالمقارنة مع جوجول وميلفيل". وقال عنه دبليو. جي. سيبالد ما يلي: "عالمية رؤية كراسناهوركاَي تضاهي رؤية النفوس الميتة لجوجول وتتجاوز بكثير كل الاهتمامات الأقل شأناً للكتابة المعاصرة." وفي عام 1996، كان ضيفاً على (معهد برلين للدراسات المتقدمة). أثناء محاولة إكمال روايته (حرب وحرب، 1999)، سافر على نطاق واسع عبر أوروبا. وقد ساعد الشاعر الأمريكي آلن جينسبرج فى استكمال هذه الرواية ؛ أقام كراسناهوركاَي لبعض الوقت في شقة جينسبرج في نيويورك، وكانت نصيحة الشاعر الودية لا تقدر بثمن في إحياء الكتاب.

في عام 1990، عاش لازلو كراسناهوركاَي لفترة في شرق آسيا، وخاصة منغوليا والصين، ولاحقاً، في 1996 و 2000 و 2005، في اليابان. ألهم هذا اللقاء مع الثقافة الآسيوية روايتيه سجين أورغا 1992 والخراب والحزن تحت السماوات 2004) بالإضافة إلى مجموعة قصصية قصيرة، سايبو هناك في الأسفل 2008) ، والتي حصلت على جائزة Brücke-Berlin-Preis الألمانية في عام 2010. تأخذنا هذه القصص إلى الأعماق الغامضة للفن، وإلى أزلية الإلهي، مسلطة الضوء على التنوع الثقافي للحضارات الشرقية والغربية. بمعرفة مذهلة ومفصلة للخلفيات الثقافية والتاريخية، تصور حكايات سايبو، الموشومة بكآبة عميقة، أحداثاً مفاجئة من فترات، وثقافات، وعقليات مختلفة —توراتية أو تاريخية—. تُبرز المجموعة المكونة من 17 قصة قضية الفن، واستقصاء الأعمال الفنية للفن نفسه. بالنسبة لراوي كراسناهوركاَي المتشائم، فإن عالم الفوضى والانحدار يجعل حتى الفن والجمال غير ملموسين، ولا يمكن التعبير عنهما، وزائدين عن الحاجة.

منذ عام 1985، أكمل المخرج الشهير وصديق المؤلف المقرب بيلا تار أفلاماً تعتمد بشكل شبه حصري على أعمال كراسناهوركاَي، بما في ذلك تانغو الشيطان وتناغمات فِركمايستر الناجحين للغاية. يستمر تعاونه مع تار حتى يومنا هذا: يكتب كراسناهوركاَي السيناريوهات، ويساعد المخرج في جميع القرارات المهمة.

كُرم كراسناهوركاَي بالعديد من الجوائز الأدبية، من بينها أعلى جائزة في الدولة الهنجارية، جائزة كوشوت، و"Brücke Berlin Preis" في ألمانيا. في عام 2008، كان أستاذاً زائراً باسم S. Fischer في جامعة برلين الحرة، وهو الآن أستاذ زائر في جامعة كولومبيا، نيويورك. في السنوات الأخيرة تم ترشيحه ثلاث مرات لجائزة نوبل. لديه ثلاثة أولاد، ومنذ عام 2005 وهو يعيش في برلين مع زوجته الثانية، دوركا كراسناهوركاَي، وهي عالمة صينية وفنانة جرافيك.

لاشك أن لازلو كراسناهوركاَي، المولود في 5 يناير 1954، يعد أحد أبرز المؤلفين الهنجاريين المعاصرين ذوي المكانة الدولية. ككاتب مستقل منذ عام 1982، حصل على جميع الجوائز الأدبية الهنجارية الكبرى، من بينها جائزة كوشوت المرموقة في عام 2004، بالإضافة إلى العديد من التكريمات من الخارج، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان. وقد حصدت كتبه، المترجمة إلى لغات عديدة، إشادة نقدية في جميع أنحاء العالم. منذ عام 1985 وهو يتعاون مع المخرج السينمائي بيلا تار ككاتب سيناريو. وقد ضمنت له أفلام تانجو الشيطان، المأخوذ عن روايته التي تحمل الاسم نفسه ( ، 1985)، وتناغمات فِركمايستر، المأخوذ عن روايته كآبة المقاومة (1989)، مكاناً له بين عمالقة السينما. كان أحدث مشاريعه مع تار هو الفيلم الضخم لعام 2011 حصان تورينو، الذي فاز بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم (الدب الفضي) وجائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (FIPRESCI) في مهرجان برلين السينمائي. إن شعرية كراسناهوركاَي، الحزينة والمكتئبة (saturnine)، تنقل القارئ بسهولة إلى أعمق متاهات الوجود البشري. إنه شاعر المهمشين، والمنعزلين، وتستند شاعريته على حيرة الإنسان في المجتمع والزمن. إن تكوينه الدقيق يضع شخصياته في عالم وجودي كئيب ومُنهِك بلا نهاية. وتتوافق هذه الأجواء الكئيبة مع البلاغة التي تعبر عن مزاج أعماله: بلاغة الحذف والإبهام . يصور عالم كراسناهوركاَي الشعري أفراداً ذوي خصائص غريبة أُحِيلوا إلى هامش المجتمع، وهاوية الوجود. وهذا يستحضر أجواءً من العبث الذي لا مفر منه، ويبرهن على شكل من أشكال الوجود الذي يفتك بالمزيد والمزيد من الناس في أيامنا هذه.

تعد رائعته، تانجو الشيطان ، 1985، بمثابة عمل تمثيلي، نموذجي، ومُقنن في النثر الهنجاري المعاصر. في هذه الرواية، وهي الأولى له، صاغ كراسناهوركاَي نوعاً أدبياً جديداً، معدلاً بنية الرواية ووظيفتها، وقبل كل شيء، سردها ولغتها. يحمل العنوان نفسه — ’تانغو الشيطان’ — دلالات رمزية قوية، تُلمح إلى التانغو الأرجنتيني، الذي يعتمد على خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. توفر خطوة التانغو المكررة والملعونة هذه — الزخم والركود — إطاراً سردياً للرواية بأكملها: فالشخصيات عالقة في دائرة شيطانية، حيث البقاء والمغادرة مستحيلان على حدٍ سواء. في رواية كراسناهوركاَي، هذا التانغو هو رقص الشخصيات بلا أفق في مستنقع السهل الهنجاري العظيم الكئيب، في حانة بائسة حيث تنتظر مجموعة من النفوس الضائعة منقذها، على أمل أن ظهور نبي قيامة قد يدفع إلى تحول حاسم نحو الأفضل في ظروفهم، وفي عقليتهم، وفي مجتمعهم. حشد محاصر في عالم لا يرى منه مخرجاً، حشد فقد كل إحساس بالهدف، ينتظر منقذاً ليمنح حياته معنى. وفي النهاية يظهر النبي إريمياش، وهو شخصية رمزية تلمح إلى إرميا التوراتي. تؤمن به الشخصيات وتتبعه دون قيد أو شرط حتى تدرك أنه مجرد دجال، يستغل ضعفهم وتدهورهم الإنساني. إن هذه الضربة غير المتوقعة والمنفلتة للحظ الجيد، هذه الهدية السماوية الظاهرة، هي التي تمنحهم إشارة طريق واضحة، وإمكانيات للهروب من عالمهم اليائس الذي لا يطاق. النفوس التي تعودت على القلق تتذوق فجأة وعداً (زائفاً) بالعالم الواسع المفتوح. يغير إريمياش إدراكاتهم، وحالات وعيهم لفترة وجيزة: فالشخصيات المحاصرة في بؤس ماضٍ بلا أفق وعاجز تسارع إلى الاستسلام لأمل مستقبل أفضل. إريمياش ليس سوى متلاعب بالأرواح البشرية، بارع في التعامل مع الأشخاص الذين حُرموا من كل كرامة إنسانية ودُفعوا إلى حافة البقاء. ليس من الصعب خداع هؤلاء الأشخاص بوعود جمال العالم وآمال كاذبة في مستقبل أفضل، يُفترض أن كل ذلك في متناول أيديهم إذا أطاعوا فقط. وبما أن الشخصيات تتحرك على مستويين سرديين، مستوى التدهور ومستوى انتظار المعجزة، فإن تانغو الشيطان يدور بمهارة تامة على أرضية رقص من القطبية التي تشير إلى كل من الأمل وانعدام الثقة.

الروايات اللاحقة: الكآبة والمتاهة والفن كمخرج

ينفتح في رواية كآبة المقاومة ( 1989). عالم نصي مشابه (خيالي؟ حقيقي؟) قد يشعر المرء مع شخصياتها برغبة في الهروب لولا حِيَل المؤلف، التي تتسم بالدقة والتأمل الذاتي، وأحياناً بالسخرية المريرة، والتي تحملنا مرة أخرى إلى سهول الألفولد الهنغاري. يصف الكتاب وصول سيرك متنقل يضم جاذبيتين رئيسيتين: حوت عملاق وأمير صغير أنيق. عناصر الرواية هي: الفراغ، الحيرة، التخلي، اليأس، انعدام الثقة، الخوف، العنف، التعطش للسلطة. الشخصيات، التي تعجب بالحوت وتخافه في نفس الوقت، يثيرها خطاب الأمير إلى أقصى حد، حيث يتهجم بعنف على الحشد الضعيف والمضطهد. على مستوى رمزي، يصور الكتاب انتقال السلطة، مع التفكك التدريجي للنظام القديم وصعود نظام استبدادي جديد. ما يبرز هو صورة مظلمة للحاضر والمستقبل البشريين، اللذين لا يتركان مجالاً للمثالية ويطمس خط الفصل بين القتلة والضحايا فعلياً. عند قراءة الرواية، يتجول المرء بين حطام وبؤس الرؤى المروعة، مستشعراً انسداداً كاملاً في العقل والحس السليم. تثير الرواية عدداً من الأسئلة الفلسفية والوجودية: هل العالم مظلم حقاً إلى هذا الحد؟ هل يتمسك الشر بقوة باللاعقلانية واللامنطقية؟ هل الشر قادر على النظر بحدة إلى الليل الصافي، أم أن نظره أعمته بالكامل نشوة التباهي بسيادته على هذا العالم؟ تتعزز النغمة القاتمة والمخيفة لعالم الرواية المظلم بإدراك أن التدهور الوجودي للعالم يجعل كل خطوة يائسة. ومع ذلك، يتم تفتيح كل هذا الكآبة بفضل حس الفكاهة والسخرية الغريب للمؤلف، وغالباً ما تكون سخرية ذاتية قوية. فازت الرواية بجائزة Bestenliste-Preis في ألمانيا ككتاب العام 1993.

إلى هذه الأعماق الغامضة نفسها للوجود ينقلنا عمل آخر لكراسناهوركاَي: رائعته حرب وحرب ( 199) ننحدر إلى الحياة المتاهية لأمين المحفوظات، الدكتور جيورجي كورين، الذي يتميز عيد ميلاده الأربعين باعتراف مصيري بأنه لا يفهم نفسه ولا العالم. فجأة، يضطهده الواقع كعبء مزعج، فيعثر على مخطوطة غامضة في الأرشيف وينطلق في رحلة، مدفوعاً بالبحث عن معنى الحياة ورغبة في فك شفرة النص. مرشده هو الإله اليوناني هيرميس، وهو رجل غامض، بعيد المنال، وكئيب. وهكذا، تأخذنا رواية كراسناهوركاَي المليئة بالصوفية والغموض في رحلة نزول مثيرة إلى طبقاتها وفخاخها العديدة. خطة كورين لإحالة النص إلى الأبدية عن طريق طباعته بالكامل على شبكة الويب العالمية لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا إذا توجه إلى مركز عالم (الإنترنت)، أي نيويورك. يقوده النسخ كفعل شرح وفهم إلى إدراك أن عمل الكاتب المجهول يتعلق به أيضاً، وأنه هو أيضاً جزء من القصة، التي يقرأ فيها حياته الخاصة. وهكذا تتطور حرب وحرب إلى رواية داخل رواية، مضاعفة العالم الخيالي من خلال لعبة سحرية. أثناء نسخ المخطوطة، يدرك كوريم وجود توازيات بين العالم النصي والعالم الحقيقي المحيط به: أبطال المخطوطة، الملائكة الأربعة، يكافحون ويتوقون في عصور وأماكن مختلفة من أجل نفس الأسباب التي تبناها: السلام، الهدوء، الجمال. لكن يظل الأربعة جميعاً تحت ظل ماستمان (Mastemann)، ملاك الخوف، وروح الدمار، وأمير الظلام. يجد كورين مخرجاً من العالم الخارجي الذي لا يطاق في الفن: في تسجيل النص عبر الإنترنت، تحت عنوان حرب وحرب.

الخلاصة

يصور لازلو كراسناهوركاَي ببراعة رقصة للفخاخ، وتشريحاً للدمار، ورؤية مروعة للعالم. ومع ذلك، بالرغم من صورته الكئيبة والمأساوية لليأس البشري، فإن تقنياته البلاغية وخطابه المشحون فكرياً تجعل أعماله ممتعة للقراءة. تستند نصوصه على جمال السرد الكلاسيكي. تخلق شاعريته سرداً عن نسيج حي، يعكس الديناميكيات الاجتماعية التي تحمل بذور الدمار الوشيك. مجتمع فاسد وغبي حتى النخاع، كسوف تام للأبعاد الأخلاقية والأدبية البشرية، علاقات إنسانية تسبب الألم للأفراد في كل لحظة—كل هذا يتم التعبير عنه في روايات لازلو كراسناهوركاَي بكمال جمالي. تبني أعماله القصصية الجزئية (micro story) على المستوى الكلي (macro level). ينتشر الجو الخانق لانعدام الأفق من عالمه الجزئي الأصلي، والنزعة الإقليمية والتدهور، إلى العالم الكلي، وهو بُعد أكبر، يغلف الدولة والعالم. تشير الأعمال إلى نموذج أوروبا الشرقية للمجتمع والتغيرات المجتمعية، وهي قضية ملحة في الوقت الحاضر لأنها ذات تأثير عالمي. تخترق المعارك السياسية، والأكاذيب، والديماغوجية، والوعود المقنعة التي تتلاعب بالملايين من الناس وتتخلل حياتهم، الأعماق البشرية، وتطلق العنان لكوارث الحياة الحقيقية. إن أعمال كراسناهوركاَي هي تصويرات بارعة لـتأليه الشر، وتدهور النفس والأخلاق البشرية والاجتماعية. والشخصيات بمثابة تصويرات دقيقة للإنسان المعاصر، لكنها خالدة أيضاً؛ فهي أدبية وغير أدبية في آن واحد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى