الأربعاء ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤
بقلم أحمد سامي خاطر

عَلَي أثَرٍ لَهَا.. يَمْضِي النَّخِيلُ

أحمد سامي أحمد حسن خاطر

خُطُوطُ الوَشْمِ فَوقَ الصَّدْرِ، شَاعِرُهَا
وفَارِسُهَا ضَلِيلْ.
رَاحَ يَفْتَحُ صَدْرَهُ للنَّارِ، يَرْسُمُ جَنَّةً،
مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ تَجْرِي، والصَّهِيلْ.
يَصِلُ النَّخِيلَ، كَأَنَّمَا يَصِلُ الحَلِيلَةَ بالحَلِيلْ.
كأنَّ عُصْفُورَاً، تَصَايَحَ بالنَّدَي صُبْحَاً
فَرَدَّدَهُ صَدَاهُ معَ الأُفُولِ، وذَابَ فِي دَمْعِ
الأصِيلْ.
مِنْ شَطِّ دِجْلَةَ للفُرَاتِ،
نَخِيلُهُ، وصَهِيلُهُ بالنِّيلِ، مُنْتَظِرٌ عَرُوسَاً
كَلَّلُوهَا في مَعازفِهَا، بِمَاءٍ مِنْ عُيُونِ
المُسْتَحِيلْ.
خُطُوطُ الوَشْمِ فَوقَ الصَّدْرِ، شَاعِرُهَا
وفَارِسُهَا ضَلِيلْ.
لَكَ الأسْفَارُ يَا بَدَوِيُّ مِنْ زَمَنٍ،
كَمَا للدَرْبِ أسْوَارٌ.
وأَقْمَارٌ لِبَلْقِيس التي صَبَّتْ
دُمُوعَ الزَّيْتِ بَارِدَةً، طَوَالَ اللَّيْلِ بالقِنْدِيلِ،
وانْتَظَرَتْ عَلَي وَشْمٍ مِنَ الحِنَّاءِ،
مَحْفُورٍ بِذَاكِرَةِ الشَّوَارِعِ والرَّحِيلْ.
كُلُّ مَا فِي الأرْضِ حُرٌ لِي.
ولِي بَلقِيسُ كُلَّ الأرضِ.
جَمَّعْتُ النَّخِيلَ عَلَي التِّلالِ لأجْلِهَا.
وَارَبْتُ أبْوَابَ السَّمَاءِ لِأجْلِهَا.
ونَطَقْتُ هَمْسَاً في المَرَاعِي
بِاسْمِهَا الذَّهَبِيِّ.. ..
يَا بَلْقِيسُ! جَاوَبَنِي الصَّدَى.. ..
بَلْقِيسُ يَا طَلْعَاً مِنَ الجُمَّارِ والأسْرَارْ.
يَا وَجْهَاً بِمَاءِ النَّارِ،
مَوشوماً عَلَي صَدْرِ الشَّوَاشِي
والنَّخِيلْ.
بَلْقِيسُ يَا شَفَقَاً عَلَي الأمْوَاجِ أَجْدِلُهُ،
كَأَنِّي حِينَ رَاقصَ وَجْهَهَا في المَاءِ وَجْهِي،
واهْتَزَزْنَا.. نَصَّبَتْنِي سِنْدِبَادً للبَرَارِي والسُّهُولْ.
مُسْتَحِثَّاً كُلَّ أبوابِ المَعَانِي عَنْ دَلِيلٍ..
كلَّ وجهٍ فِي الوُجُوهِ، عَنِ البِشَارَةْ.
سَائِلاً مَطَرِي المُشَرَّدِ فِي عِيُونِكِ كُلَّ لَيلٍ،
عَنْ نَصِيرٍ.. أو إِجَارَةْ.
عَنْ سَمَاءٍ تَصْطَفِينِي.
عَنْ ضُلُوعٍ تَحْتَوينِي.
عن خُطَي جَمَلٍ، تَعَلَّمَ في رِمَالِكْ.
كَيْفَ يَبْكِي الشَّعْرَ مَقْهُورَاً عَلَى صَدْرِ المَمَالِكْ.
كَيْفَ يَشْكو الرَّمْلَ والحَصَوَاتِ، للدَرْبِ الطَوِيلْ.
سَيَقُولُ رَاعٍ، لِلتِلَالِ:
ألَسْتُ مُرْتَحِلٌ، بِضَاحِيةِ القَصِيدَةِ
وَسْطَ مَنْ عَبَرُوكِ طُولَ الوَقْتِ
فَامْتَدِحِي، لِعَمْرِكِ مَرَّةً خُطْوِي عَلَي أثرٍ لها
فوق الرِّمَالْ.
يُعِيدُنِي دَوْحَاً، ويَمْنَحُ لِلصَّدَى وَقْعَ النَّخِيلِ
عَلَي التِّلَالْ.
سيُشَكِّلُ الإِكْلِيلَ مِنْ رَمَسٍ جَديدْ.
ويَنْحَتُ التِّمْثَالَ في جَبَلِ الجَلِيدْ.
ويَكْتَفِي بِالسَّعْفِ مُحْتَفِيَاً بِرِيشَتِهِ،
عَلَى لَوْحِ التَّهَيْؤِ، للمَوَاسِمِ والحَصِيدْ.
كَأَنَّهُ وُدٌّ، تَشَهَّي وُدَّهَا.
وكَأنَّهَا صَغُرَتْ عَلَي كَفَّيْهِ،
ذَابَتْ في تَلاشِيهَا البَعِيدْ.. ..
كأنها طَـرْحٌ وَحِيدٌ فِي الحُقُولِ، وَظِلُّ يُنْبُوعٍ شَرِيدْ.
ضَاقَ ذَرْعَاً بالمَرَايَا في أَكَالِيلٍ مِنَ الذِّكْرَي،
عَلَى نُصُبٍ بَعِيدٍ، للشَّهِيدَةِ.. والشَّهِيدْ.
هَذَا الذِي يَشْكُو حِجَارَتَهُ لِسُنْبُلَةٍ،
تُحَاصِرُهَا الصَّوَاعِقُ والرُّعُودْ.
سَيَفِيضُ أمْوَاجَاً عَلَى كُلِّ الشُّطُوطْ.
سيَفِيضُ آهَاتٍ وآيَاتٍ تُرَتِّلُهَا المَدِينَةُ كُلَّ فَجْرٍ
في صَلَاةْ.
وَيَدُقُّ أجْرَاسَ التَّفَاصِيلِ الصَّغِيرَةِ،
للحِجَارَةِ..، والبُنَاةْ.
ماذا تَبَقَي في رِحَالِكَ، مِنْ (أنَاشِيدِ الرُّعَاةْ)؟
ماذا تَبَقَي غَيْرَ مَا قد هَيَّئُوا لَكَ
مِنْ تَفَاصِيلِ الضَّحِيَّةِ، ألفَ وجْهٍ لِلطُّغَاةِ..
وللجُنَاةْ.
غيرَ ما قد رَتَّبُوا لَكَ مَا اتـقُوُهُ مِنَ الخَطَايَا..
مَا انتَقُوهُ مِنَ البَقَايَا..
زَيَّنُوكَ لِأَلْفِ عُرْسٍ،
أطْلَقُوا زُغْرُودَةً لِوَدَاعِكَ المَنْسِيّ
فِي حَجْلِ الصَّبَايَا، وانْحِنَاءَاتِ النَّخِيلْ.
عَطَّرُوُكَ بِكُلِّ حَرْفٍ فِي مَلَاحِمِهِمْ.. (أبَا زَيْدٍ)،
هِلَالِيَّاً، ونِيلِيَّاً، وشَامِيَّاً.. شَمَالِيَّاً، جَنُوبِيَّاً..
كَأَوَّلِ مَنْ يَشُقُّ الطَّمْيَ وَجْهَاً، طَلْعُهُ الذِّكْرَي،
وعَيْنَاهُ القَصِيدُةُ والفُصُولْ.
ضَلِيلاً عُدْتَ يَا ابْنَ الرَّمْلِ، لَا وَصْلاً عَلَى دَرْبٍ،
ولاَ مَوْصُولْ.
خُطُوطُ الوَشْمِ فَوْقَ الصَّدْرِ، شَاعِرُهَا
وفَارِسُهَا ضَلِيلْ.
قَطَعَتْ حُقُولُ الصَّمْتِ رَاحِلَتِي،
أطَوفُ، وَطَلَّةُ العُرْبَانِ حَولَ تِلَالِهَا، عَصْفٌ..
هَزِيمٌ رَاعِدٌ.
وَجْهِي عَلَي مِرْآتِهَا، كَفٌ تُرَتِّبُهُ،
وكَفٌ لِلعَزِيفِ تَرُدُّهُ، بِئْرَاً مُعَطَّلَةً، وأدْيَرَةً،
وأصداءً لمِئْذَنَةٍ، تَعَرَّي ضِلْعُهَا المَكْسُورِ،
أطْلَالَاً عَلَي تَرْنِيمَةِ الشَّفَقِ.
إِذَا زُغْرُودَةٌ دَوَّتْ، من الحَلْقِ.
فَكَمْ تَغْرِيبَةً حَطَّتْ عَلَي الأُفُقِ.
وكَمْ حَقْلَاً مِنَ الوَرَقِ.
وكَمْ نَهْرَاً تَسَعَّفَ بالنَّخِيلِ، فَمَالَ مَحْمُولاً
عَلَي دَوَّامَةِ الغَرَقِ.
وكَمْ ضِلْعَاً تَمَزَّقَ فِيكَ مُنْكَسِرَاً،
عَلَي عُودٍ نَحِيلْ.
وَكَمْ عُصْفُورَةً ضَلَّتْ، فَأشْقَاهَا السُّقُوطُ،
وقَدْ نَسَاهَا السَّلْسَبِيلْ.
وكَمْ نَخْلَاً تَصَدَّعَ، ثمَّ مَالَ عَلَى ضُلُوعِكَ،
وانْحَنَي، بينَ التَّصَدُّعِ في رِمَالِكَ،
والتَّسَكُّعِ في رِحَالِكَ، بالعَصَا (عَابِرْ سَبِيلْ).
لا تُطَهِّرُهُ الدُّمُوعُ.
ولا تُعَانِقُهُ الضُّلُوعُ.
ولا تَمُدُّ يَدَاً -إِذَا اشْتَدَّ الحِصَارُ- إِلَـيْهِ
شَيْئَاً مِنْ رَجَا، فِي مُسْتَحِيلْ.
الرِّيحُ تَنْهَشُ فِي قُطُوفِكَ كَالسِّيُوفِ،
وتَسْتَرِيحُ عَلَي عَرَاجِينِ النَّخِيلْ.
الرِّيحُ تَلْعَقُ فِي حَشَاشِ الصَّدْرِ أحْزَانَ
الصَّهِيلْ.
الرِّيحُ طَرْحِي
فِي غُيُومِ الشَّاطِئِ المَجْهٌولِ.
قُلْتُ لِتَلَّةٍ، أنْتِ المَلِيكَةُ..
فَاحْتَوِي عُمْرِي تَصَاوِيرَاً، تُمَزِّقُهَا عَلَي الجُدرَانِ،
لَطْمَةُ مَوْجَةٍ، ورَحِيقُ ذَاكِرَةٍ بَتُولْ.
مَغْلُولَةٌ يَدُهُ النَّخِيلُ.
يَمِيلُ، حَيْثُ تَمِيلُ بَوْصَلَةٌ، بِكَفٍّ حَاصَرَتْهُ،
وألْفُ يَدٍ رَمَتْهُ، بِالرَّمَالِ وبِالحِجَارَةْ.
مَغْلُولَةٌ يَدُهُ النَّخِيلُ.
يَمِيلُ حَيْثُ تَمِيلُ، تَسْأَلُ فِي حِصَارِكَ،
عنْ نَصِيرٍ..
عنْ إِجَارَةْ.
أيُّهَا البَدَوِيُّ،
مَاذَا قَدْ تَبَقَّي فِيكَ بين صَدَيً وَرِيحْ؟
وكَمْ مِنْ شِعْرِكَ المَجْرُوحِ في شَفَتَيْكَ،
تَنْظِمُهُ بلا عَزْفٍ، ولا مَغْنَي.
وكَمْ مَعنَيً، صَرَفْتَ العُمْرَ تَغْزِلُهُ عَلَي كفَّيْكَ
فِي حُزْنٍ وفي فَرْحٍ، وخَانَكَ فِي عِبَارَةْ.
وكَمْ من نَفْخَةٍ في نَايِكَ المَبْحُوحِ،
راقَصَتِ الأفَاعِيَ فَانْزَوَيْتَ، فَرَاشَةً مَاتَتْ
مُعَلَّقَةً عَلَى نَقْشٍ قَدِيمٍ في مَغَارَةْ.
وَكَمْ قَوْسَاً حَمَلْتَ عَلَي الرِّياحْ.
وكَمْ سَهْمَاً رَمَيْتَ, فَمَا رَمَيْتَ، وَمَا جَرَحْتَ،
سِوَي يَدَيْكَ، وَمَا سَلِمْتَ منَ الرِّمَاحْ.
في كُلِّ نَاصِيَةٍ، وَحَارَةْ.
أيُّ رِيحٍ غَافَلَتْكَ،
وأَغْلَقَتْ كُلَّ اتِّجَاهٍ قَدْ أَشَارَ إلي ضُلُوعِكَ،
حِينَ خَالَفْتَ الفُرُوضَ، ومَا تَوَخَّيْتَ الإِشَارَةْ.
مَنْ لِخَطْبِكَ يَسْتَجِيبُ، إِنْ اسْتَجَرْتَ.
ومَنْ إذَا خَاطَـبْتَهٌ فَهِمَ الإِشَارَةْ؟
مَنْ لِخَطْبِكَ لَوْ صَرَخْتَ عَلَي الرِّمَالِ،
سِوَي الرِّمَالِ، تُجِيبُ رَجْعَ صَدَاكَ مَنْسِيَّاً
بِوَادِي الرَّمْلِ، مَطْوِيَّاً بِتَجْويفٍ بَعِيدٍ في مَحَارَةْ.
هَبَاءٌ صَوْتُ قَلْبِكَ، فِي المَعَانِي المُسْتَعَارَةْ.
فَلَا شَمْسٌ تُحَلِّقُ فِي مَلَاجِئِهِ، ولا طَـيْرٌ
يَحُطُّ عَلَي يَدَيْهِ، مُرَاقِصَاً مَنْفَاهْ.
لا عَبْسٌ بِخَيْمَتِهِ، ولا عَبْلَاهُ.
لا قَيْسٌ، ولا لَيْلَاهُ سَاهِرَةٌ مَعَ قَمَرٍ بِشُرْفَتِهَا،
تُنَادِمُهُ عَلَي درْبِ الـمَوَاوِيلِ انْتِظَارَه.
إنَّنِي البَدَوِيُّ أمْضِي فَارِغَاً، وأعُودُ..
نَخْلَاً طَارِحَاً فَوْقَ التِلَالِ بِلَا جَنَاحْ.
أرُدُّ تَقْدِيرَ الطُّيُورِ إلي الطُّيُورِ،
وأنْتَمِي لِلرَّحْلِ دُونَ مَطِيَّةٍ..
لِي غُرْبَتَانِ عَلَي الطَّريقِ، فَلَا حُدُودَ لِوِجْهَتِي،
أو ذِكْرَيَاتٍ خَلْفَ أبْرَاجِ الصَّبَاحْ.
لا تـنْحَنِ يَا صَاحِبِي،
كَالنَّخْلِ في وَجْهِ العَوَاصِفِ، والرِّيَاحْ.
النَّخْلُ مَسْحُوقُ الرِّيَاحِ، ولا يَحُطُّ عَلَي فَمِي.
النَّخْلُ مَحْنيُّ عَلَي جَرْحِي.
يَمِيلُ، يَشْرَبُ من دَمِي، ويَمُوتُ
مَكْسُورَاً عَلَي كَتِفَيَّ، لا جَرْعَاً.. ولا ضَرْعَا.
النَّخْلُ لا حِجْرٌ، ولا مَرْعَي،
كعُصْفُورٍ حَبِيسٍ، لا فَضَاءَ، ولا سَرَاحْ.
النَّخْلُ يَلْعَقُ مَا تَبَقَّي من حَنِينٍ،
في يَدِيّ بَلقِيسِ، للشَّمْسِ الجَدِيدَةِ، والصَّبَاحْ.
بَلْقِيسُ هَيَّا جَمِّلِي وَجْهَ الصَّبَاحِ.
وعَطَّرِي لُغَةَ الصَّبَاحِ.
وآنِسِي طِفْلَ الصَّبَاحِ علي التِّلَالِ المُقْفِرَةْ.
بلقيسُ هَيَّا، وامْنَحِيهِ الوَشْمَ نَافِذَةً،
ووَجْهَاَ آخَرَاً لِلضَّوْءِ، يَصْحُو ضَاحِكَاً مُسْتَبْشِرَا.
كَجَنَاحِ عُصْفُورٍ يَتِيمٍ، كُلُّ مَا يَرجُوهُ أَقْبِيَةً..
وَخَيْمَةَ لَاجِئِينَ.. وَذَاكِرَةْ.
مَاذَا تَبَقَّي في ضُلُوعِكَ من حِصَارٍ،
تَحْتَوِيهِ وَيَحْتَويِكْ؟
أخبزٌ فَوْقَ رَأْسِكَ للجَوَارِحِ، أمْ رِيَاحٌ تَشْتَهِيكْ؟
تَشْتَهِي كَفَّاً عَلَي مِهْبَاشِ بَابِكَ،
كُلَّمَا أتَتَ الرِّيَاحُ بِظِلِّ جَارٍ، أو نِدَاءٍ من صَدِيقْ.
يَحْتَسِي قَهْوَاكَ، شَاحِبَةَ العَصَارِي، مُرَّةً.
تَطْوِي القَصِيدَةَ فِي عُيُونِ الطَّيْرِ،
فِي صَدْعِ الحَنِينِ إلي بِدَايَاتِ السُّطُورْ.
وتَكْتَفِي بالكَأْسِ بَارِدَةً وفَارِغَةً، سِوَي من سَكْرَةٍ،
طَوَتَ الدَّفَاتِرَ في حُضُورٍ للغِيَابِ.
وفي غِيَابٍ لِلحُضُورْ.
تَرْتَوي بِالِمَلْحِ في كَأْسٍ تَدُورُ.. ولَا تَدُورْ.
فِي قَهْوَةِ الغُّيَّابِ، رُكْنٌ للصَّدَى.
تَتَجَمِّعُ الآهاتُ في خَيْمَاتِهِ،
رَجْعَاً حَزِينَاً في الصُّدُورْ.
وتَطِيرُ حِبْرَاً فَوْقَ سُورْ.
في قَهْوَةِ الغُّيَابِ تَزْدَحِمُ الأمَاكِنُ
بالمَحَابِرِ والمَعَابِرِ والجُسُورْ.
في قَهْوَةِ الغُيَّابِ رَائِحَةُ الأَضَاحِي والــنُّذُورْ.
ورَنِينُ خُلْخَالٍ، بِرُكْنٍ تَحْتَ قِنْدِيلِ (امِّ هَاشِمِ)
و(الحُسَينْ).
وَرَحِيقُ أنْفَاسِ الحِجَارَةِ فِي ضُلُوعِ اليَاسَمِينْ.
وَصَوْتُ (كُلْثُومِ) الحَزَينْ.
يَمُدُّ سِرْبَ اللَّيْلِ، مَوْصُولَاً بإيقَاعِ (الطَّوَالِى)
والقُدُورْ.
في قَهْوَةِ الغُيَّابِ تَعْرِفُنَا الأمَاكِنُ فِي الصَّبَاحِ،
وفِي المَسَاءِ، وكُلَّ حِينٍ، كالشَّوَاهِدِ في قُبُورْ.
مَاذَا تَبَقَّي فِي رِحَالِكَ أيُّهَا البَدَوِيُّ،
مِنْ عَرَقِ المَبَاخِرِ كُلَّ لَـيْلٍ، والعُطُورْ.
ذِكْرَيَاتٌ بِالعَصَا سَتَهُشُّهَا، قَدْ أنْكَرَتْكَ، وأسْلَمَتْكَ
بِلَا يَدَيْنِ، لِزورقٍ مَكْسُورْ؟.
ذِكْرَيَاتٌ بِالعَصَا سَتَهُزُّهَا، مَالَتْ كِشَمْسٍ
خَلَفَ أَسْوَارِ السَّمَاءْ.
كَعُيُونِ من ذَابُوا، كَمِلْحٍ في هَوَاءٍ، أَوْ كَحِبْرٍ
فِي سُطُورْ.
تَرَكَتْكَ بَرْدَانَاً وَجَوَعَانَاً، بِمَوْتِكَ تَنْطَفِئْ.
تَرَكَتْكَ مصْلُوبَاً عَلَي حَجَرٍ بَعِيدٍ في المَرَايَا،
تَسْتَجِيرُ وتَخْتَبِئْ.
تَرَكَتْكَ نَهْبَاً للعَرَاءِ، فَلَا اشْتِهَاءٍ، أو مَطَـرْ.
نَذْرَاً لِخُبْزٍ مَالِحٍ، صَمْتَاً تَفَجَّرَ فِي حَجَرْ.
موجٌ علَي فَمِكَ السُّؤالُ..
وكَمْ علَي الأمْواجِ من حَرْفٍ، تَعَرَّي وانْحَسِرْ.
قُلْ للبِلَادِ، بأنَّ يَومَاً سَوفَ تُشْرِقُ في رِكَابِكَ
أغْنِيَاتُ الخَيْلِ، سَاحَاتٍ لِنَصْرِكَ، وانْفِتَاحَاً، وسَكَنْ.
قلْ لَهَا يَومَاً بَأنَّكَ سَوْفَ تَحْكِي ذِكْرَيَاتِ البَحْرِ مَدَّاحَاً،
وتصْدَحُ في وَطَنْ.
سَتُزَفُّ يَوْمَاً للنَّخِيلِ وللقَمَرْ.
وتَهزُّ أجْرَاسَ الصَّبَاحِ المُنْتَظَرْ.
سَفَرٌ ووجْهُكَ عَالِقٌ في مُنْحَدَرْ.
مَطَرٌ سَيُؤْوِيهِ العَزِيفُ، وأنتَ رُمْلُ العَيْنِ، مَمْحُوُّ الأثَرْ.
نَخْلٌ يُسَطِّرُهُ العُزُوفُ عَلَي التِّلَالِ،
وبَيْنَ عَيْنَيْكَ المَرَاعِي تَسْتَجيرُ وتَشْتَجرْ.
وَطَنٌ سَيَسْكُنُهُ الزُّجَاجُ، وأنْتَ وَحْدَكَ.. فِي شُرُوخِكَ
تَسْتَحِيلُ،
وتَنْكَسِرْ!

أحمد سامي أحمد حسن خاطر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى