الاثنين ٤ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

عِنـَادُ حِمَار

استفاق سعيدٌ على صراخ زوجته، وهي تقول؛ بأن المحصول في مزرعتهم سيهلك، قام كالملسوع يفرك عينيه، ويرتدي ثوبه بالمقلوب من هولِ ما سمع.. استفسر منها متعجباً:

ماذا دهاك يا امرأة؟

الحمار، والحمار أدهى مما تتصور.

أيّ حمار؟!!! ليس لدينا أي حمار.

حمار في المزرعة عاث بها فساداً، أكل ما أكل وأفسد ما أفسد.

نظر صاحبنا إلى الحمار نظرة متفحصة، فرأي في عينيه كبرياءً، وثقة، وحزما، وتصميما. لم يكن يفهم لغة الحمير ولا فلسفتها، ولم يخطر له ذلك ببال، لأنه طول عمره إنسان مسالم؛ لا له ولا عليه. لكنه تمنى في هذه اللحظة أنه يحمل مؤهلاً عالياً في فلسفة وسلوك الحمير. هاله ما حلّ بمزرعته من خراب، وقد شقي وتعب هو وأولاده شهوراً حتى يقطف ثمار ما زرع، لكن الحمار أفسد كل شيء، أو هو في طريقه إلى ذلك.

وقف سعيدٌ في حيرة من أمره، هل جلب عليه الاسم تلك المصيبة!!! حاول أن ينهر الحمار ويبعده عن المزرعة بالصراخ عليه، والتنديد به، وفضح سلوكه الشائن، هو وجنسه، وبأنه سيفضحه على رؤوس الأشهاد، ويشهر به بإعلان قبْلَ نشرة الأخبار في أشهر قناة إخبارية، أو في الصحيفة الرسمية، يوم الأربعاء، في الصفحة الرياضية – وهي الأكثر قراءة–. كل ذلك لم يُجدِ نفعا، وبقي الحمار على عناده، ثارت ثائرة سعيد فأتى بعصا غليظة، وهَوى على الحمار ليضربه، لكن الحمار أذكى مما يظن سعيد، مجرد أن رأى ظلال العصا مرفوعة، وبدون إن يلتفت جمع قائمتيه الخلفيتين وبكل قوته (لـَبَط) سعيدا، على صدره رفسة أطاحت به أرضاً، مكتوم النـَفـَس.. استنجدت زوجته بأهل القرية، حيث تجمعوا واطمأنوا على صحة سعيد، وحمدوا الله على سلامته، وأن الأمر أسهل مما لو كان الحمار عضّه، لأن عضّة الحمار الهائج ربما تودي إلى الموت كما قال المختار. أرجع المختار سبب اغتياظ الحمار إن سعيدا لا يجيد لغة الحوار، وعمد إلى التشهير وفضح الأسرار، وهذا لا يجوز ويعتبر سابقة خطيرة حسب التقاليد"الحمارية". طلب المختار من جميع أهل القرية إحضار لافتات مكتوب عليها: "أرجوك أخرج أيها الحمار المحترم، لأنك أتلفت زرعي"، ووضعوها جميعا أمام الحمار، بحيث أنه يراها أينما يمم وجهه. رفع الحمار رأسه إلى الأعلى، وقد بانت أسنانه بيضاء، وبدا كأنه يسخر منهم جميعاً.. استنجدت زوجته بكلاب القرى المجاورة، لأنها رأت أن مستقبلهم يضيع، الكلاب تنبح وتحيط به من كل ناحية، لكن يبدو أنها غير جادة في مسعاها، لأنها لا تقترب كثيرا، والحمار يرفس كل من يحاول اقتحام دائرة الخصوصية.. باءت تلك المحاولة كسابقاتها بالفشل. الأستاذ خالد؛ المدرّس الوحيد في القرية يجلس على طعس من التراب، متأملا ذلك المشهد، كأنه يفكر بحلّ. اقترب منه سعيد قائلا: "أبوس إيدك يأستاذ اعطيني حلّ، كل شيء خرب"، ردّ الأستاذ: لم يكن يشغلني إيجاد الحل، لكن الذي كان يشغلني هو لماذا تصرفت الكلاب هكذا، ولم تبدِ حماساً؟!!!
أتعرف لماذا يا سعيد؟

يا أستاذ "أنا وين وأنت وين؟".

يا سعيد، ليس من مصلحة الكلاب أن يذهب الحمار بحال سبيله، هناك مصالح مشتركة، وتحالف غير معلن.

"ولو إني ما فهمت كلمة من اللي قلته، بس قلي: بيطلع الحمار ولا مابيطلع؟ وهاد المهم عندي".

عَرَكَ الأستاذ خالد جَبهته، وقال:

أنتم العوام دائماً تفكيركم غير منظم، وسطحي، الأمر جليّ؛ إما يطلع وإما لا يطلع.
خيمّ اليأس على الجميع، والحمار قد أكل وشبع، وانتفخت بطنه، وعاث في المزرعة فسادا، برك يستمتع بحرارة الشمس في ذلك اليوم الربيعي.أتى ولد سعيد يركض، قائلا: " بابا.. بابا، عندي فكرة، أنا أقدر أطلعه". سخر الحاضرون من الولد، لكن والده – كالغريق الذي يتعلق بقشة–، قال له:

"إذا كنا كلنا عجزنا، شو بدك تعمل؟".

ردّ الولد:

"إعطيني فرصة".

"تفضل، شوفنا عبقريتك،إذا أستاذك مالقى حلّ".

طلب الولد ولاعة، فذهل الحضور، وقال المختار معترضا:

"لايكون بدك تحرق الحمار!!! أنت صغير ومابتفهم، هاي الحمير إلها حصانة دولية، بدك تستعدي العالم علينا؟!!!".

ردّ الولد مؤكدا أن تلك لم تكن نيته أبدا. أخذ ورقة وأشعل طرفها ووضعها تحت مؤخرة الحمار، تحت ذيله.. ذهل الحضور مما شاهدوه؛ عندما قفز الحمار يركض خارج المزرعة، وهو ينهق. ومنذ ذلك الحين أعلنت الحمير أن الأطفال عدوّها الأول.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى