غزوة الرياضيات الإدارية
آه..... قد مر الزمان سريعاً. فهل في ذلك من عجب؟
بالأمس فقط كنت أحمل شهادتي الثانوية المرفقة بالأوراق المطلوبة للالتحاق بالجامعة....
و بالأمس فقط كنت تائهاً هائماً على وجهي في هذا الوسط الجديد. كطفلٍ تاه في المدينة!
كبر هذا الطفل...وهاهو ذا يشارف أن ينهي الدراسة الجامعية،ومرت السنوات الجامعية كما البرق. كما لم أكن أعتقد!
فما أبطأها من سنوات عندما نعيشها. وما أسرعها من سنوات بعدما ننهيها....
فها أنا ذا أشارف على إنهاء دراستي الجامعية حيث لم يتبق لي سوى مقررين سأتقدم لامتحانهما في الدورة الامتحانية الصيفية.ولكن الخوف سيد الموقف!
أجل فأحد هذين المقررين هو مقرر الرياضيات الإدارية والاقتصادية وهو المقرر الذي لم أتمكن من اجتيازه على مدى أكثر من عامين من المحاولة؟
ما أذهل الموقف! أمن المعقول أن أيتأجل تخرجي من الجامعة لفصل دراسي آخر بسبب هذا المقرر اللعين؟
ولكن مهلاً! لم أنعت هذا المقرر باللعين؟ليس هو بالمقرر المستحيل أو الصعب حتى!فأين العيب إذاً؟
فلو أن محل العيب كامن بذاتي لما كنت استطعت أن أتجاوز ما مر من سنوات أو حتى أن أتخطى ما صعب من المقررات!
فأين العيب إذاً!لم يتبقى سوى أستاذ المقرر الموقر والمبجل.وإنه لعلى خلق....؟ أتراه مكمن العلة ومطرح العيب؟
مهلا.. ربما علينا التريث قبل أن نطلق أحكامنا على الآخرين فلعل الرجل كان مظلوماً..
لكن الغريب أنه ذو سجل حافل بالسوابق. والشائعات وأقول الشائعات معظمها يدور حوله!
المهم.... اقترب يوم الفصل. وبغضبة من الحظ أطاح بها بمعنوياتي وأولى خطوط دفاعاتي بأن تطابق يوم التقدم للمقررين في اليوم ذاته والأدهى والأمر أنهما كانا متعاقبين متتاليين دون فاصل للراحة..فما العمل؟........... لا أظنني بالقادر على المواجهة وأظنني هالك لا محالة....ولكن.... فلأهلك كما الشجعان في ساحة الوغى في وسط الكلية لا كما يموت الجبناء. يرسبون وهم على فراشهم الوثير..
فالموت الموت ولا الاستسلام...
استنفرت قواي و حزمت خصري وربطت جأشي و تهيأت للنزال. فإما التخرج أو الانتظار للدورة الامتحانية القادمة...
وقياساً على ما قاله القائد العظيم طارق بن زياد :
أستاذ المادة الموقر من أمامي والرسوب من ورائي.. فالصبر الصبر..
وبدأت المعركة :
بدأها أستاذنا المبجل بالهجوم بجحافل الأسئلة الثقيلة. وأغار علي غارة عظيمة ظننت أنه مبتلع بها جيوشي وذاكرتي.فمن أعراف إستاذنا المظفر أن يغير بكل جيوشه وقواته دفعة واحدة ويضرب بها خصمه ( أقصد طالبه ) ضربة واحدة حتى وإن كان الخصم نعامة........
فلم يكن أمامي سوى الهجوم بل الانطلاق مهاجما بأقصى سرعة لعل لذلك أن ينزع الخوف من قلبي!
فلما اقترب الجيشان من بعضهما وكادا أن يتطاحنا كبا جوادي كبوة مرة كادت أن تقصم ظهر البعير كالقشة المعروفة. وذاب جيشي في جحافلة الجرارة. فبدأت قواتي بالتقهقر والتراجع إيذانا بالانسحاب والانكسار، ولاحت بوادي الهزيمة في الأفق....
فأيقنت أني مهزوم مهزوم. ولكن..... الموت الموت ولا الانسحاب..
وها أنا ذا أنادي وسط المعركة ( أقصد الامتحان ) حتى كادت أن تنقطع أنفاسي :
قاتلوا بشرف. لا ينسحبن منكم أحد إلا و جعلت سيفي في نحره قبل أن يصل قلم الأستاذ إلى سؤاله..
وبينما أنا كذلك..
قلبت نظري يمنة ويسرة في المعركة لتقع عيني على ثغرة في جيش العدو
أدركت منها أني أضيع قواي ووقتي بلا جدوى. فصحت بأعلى صوتي :
أخلو مواقعكم وكثفوا هجومكم على السرية الأولى ( أقصد السؤال الأول )
فلا ملاذ إلا منها. وبالفعل انسحبت قواتي من مواقعها وتوجهت لمواجهة السرية الأولى ووثبت وثبة فهدٍ بعد ربضة..
وكان من الصعب على جحافله الثقيلة أن تتحرك بسرعتنا فما كانت قادرة لا على اللحاق بنا ولا على إدراك السرية الأولى. وهاهو الحال كذلك ونحن نضربهم برجالنا حتى قطعنا جيشه و نثرنا أشلاءه على الرمال
( أقصد على ورقة الامتحان )
وحل الليل. وما أطوله من ليل. ذهب الصعب ولم يبقى سوى السهل. هذا ما عللت به نفسي طوال الليل. فأنا أبيت في وضع الغالب ويبيت هو وجيشه أقرب للهزيمة.
وتعلن الهدنة. وننتظر إعلان نتيجة المعركة ( أقصد الامتحان ) وما أصعب الانتظار
فصاحبنا لا يتورع عن الاستنجاد بالعدو. عدو الأمة. وقد يفكر بالاستنجاد بالفرنجة
عندها لن يظل لي سوى الانسحاب وتهيأة النفس والقوى لمعركة الفصل الدراسي الأول. وما أحقر تأخير النصر بعد أن كان في متناول اليد.
ويمر الوقت وتنتهي لجنة الامتحانات من إعلان جميع المواد. ولم يبقى سوى مادة استاذنا الموقر. وصاحبنا لا يبدي أي حركة...
ويمر الوقت ويطول الانتظار. ويأبى صاحبنا الاستسلام وإعلان النتيجة...
ولازالت هذه القلعة مستعصية علينا لم تفتح. حتى بدأت المؤن بالنفاذ...
وتمر اللحظات عصيبة....
وبعد الصبر و الانتظار. و وصل الليل بالنهار
وبعد ما طال على أستاذنا الاحتضار... ودون أي سابق إنذار..
جاء النصر.. الحمد لله جاء النصر كفلق الصبح. و فتح الله على أيدينا قلعة الرياضيات و من علينا بالتخرج.
ولكن يبقى السؤال :
هل ستبقى الرياضيات الإدارية عقبة في وجه فتوحات التخرج؟