الجمعة ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم عناية جابر

فادي طفيلي: أتجنب العاطفة.. المحايدة بُعد كتابي

يبدو الشاعر الشاب فادي الطفيلي، غير كثير الاهتمام، أو المبالاة بالترويج الإعلامي لنتاجه الشعري . يكتفي الشاعر بكتابة الشعر، ويتريّث بنشره مع ذلك . بدورنا لا نستطيع أن نغفل تميّز الطفيلي في ديوانه الأول الذي صدر حديثا عن «مؤسسة الانتشار العربي، لندن، بيروت» تحت عنوان: «أو أكثر»، ولا جديده الشعري الصادر حديثًا
عن « دار النهــضة العـربية » تحت عنوان : « هل جرحت يدك ؟ هل جرحت خدك ؟ » اللافت، من تأثره بفنون ما بعد الحداثة، الفيديو، البصريات عموماً، كما بما يطرحه من وجهة نظر بالشعر والعيش اليومي والتواصل مع الأشياء
ومع الآخر . عن جديده كان هذا الحوار :

 الاختلاف حقيقي وجوهري ما بين كتابتك في ديوانك «هل جرحت يدك؟ هل جرحت خدّك؟» وكتابات جديدة لشعراء آخرين. هل للصورة، للبصريات أعني، النصيب الأكبر في شعرك؟
 للصورة والبصريات حضور واضح حتماً. وهذا بالنسبة لي جزء لا يتجزّأ من اللغة نفسها، اللغة التي أتلقّاها واستخدمها وأعيها وأحلم بها. فهذه الأخيرة بحسبي باتت كائن متمدّد واختراقي لكافة وسائط ميدياس التعبير، وقد بات من العبث الحديث عن لغة مخصّصة للورق، وأخرى للألوان، وأخرى للشاشة الرقميّة.

لقد شهد العقد الأخير الذي عشناه بصخب ملحوظ تداخلاً غير مسبوق للوسائط البصريّة واللغويّة المختلفة، تلك التي مارست، بكافة طرقها المبتكرة، تفاعلات أخذت خلاصاتها تصلنا بسهولة رهيبة. تأمّلي مثلاً في أن أحد المهرجانات العالمــيّة للأفـلام قامت أخيراً بعرض أوّل فيلم سينمائي يصــوّر بواسطــة كامــيرا الهاتف الجوّال. إنّه لأمر بالغ الثـوريّة، وهو يعبّر تماماً عمّا تشهده علاقتنا بالصورة من قرب بالغ الحميميّة. فالصورة باتت شيء متداخلا باللغة. شيء يلازمنا، ليس بمعنى التلقّي فحسب، بل أيضاً من ناحيّة القدرة على صنعها وتبادلها والتحكّم بها وعرضها وتقديمها بسبل لم يعد بالإمكان حصرها أو تحديدها.

هذا من الناحية العمليّة، من ناحية العيش اليومي والتواصل مع الأشياء ومع الآخر. أمّا من ناحية المزاج الشعري ? الكتابي، فأنا شديد الإعجاب بالفيديو، الميديا البصريّة الرائدة في ما يعرف بفنون «ما بعد الحداثة». وإنّي أستلهم فرانك أوهارا، أحد شعراء نيويورك في الخمسينات، إذ كتب قصيدة شهيرة بعنوان: «لماذا أنا لست رسّاماً؟»، فأقول، مستلهماً إيّاه: «لماذا أنا لست فنان فيديو؟؟؟».

حنان بين السطور

  في الحياديّة الشعوريّة التي تكتب بها، ثمّة الحنان ما بين السطور. هل تخاف من العاطفة؟ هل ما عاد لها مطرح في الشعر؟
 ربّما هو سحر ما بين الســطور. إنــني أشــعر بإطـراء لذيذ في حديثك عن «الحنان» ما بين السطور، وهــذا يشــعرني بشيء من الغبطة. إذ أنني شخــص هــارب على الــدوام من ذاك الحنان الخالص الذي يعطّلني. ذاك الحــنان الخالص في كلّ شيء، في الجملة التامة، أم في الفقرة الكاملة. إنّه حنان يرهقني ولا أقوى على احتماله. كما أنني شخص هارب ومتوجّس من كلّ ما هو خالص أو كامل. إنني أكره الكمال والكاملين، وأتوجّس منه ومنهم في كلّ شيء، في اللغة والأفكار وفي العيش والصور. الكسور هي ملاذي، وهي دليلي الوحيد على أنني كائن موجود.

العاطفة لا تحفّزني على الكتابة. إنّها شيء واضح بالنسبة لي ولا تشكّل المنطلق المهشّم، الذي يناسبني في المناخ الكتابي. في النواح التي قد تطغى فيها المضامين العاطفيّة قد أنحو نحو الحياديّة الشعوريّة، التي ذكرتها، وذلك كنوع من الانسحاب التكتيكي الذي يودي إلى معطيات وأبعاد مختلفة تماماً. حينئذ يصبح تجنّب العاطفة الخالصة، أو الهرب منها، بعد كتابي بحدّ ذاته ونافذة على ما أودّ تناوله.

 إلى أيّ مدى يفيد السفر، رؤية العالم، النصوص الشعريّة؟ هل تكتب من سفر خارجي، أم داخلي؟
 السفر الخارجي هو سفر داخلي بالنسبة لي. فأنا كائن أمكنة لا أفهم الـ «لا مكان»، وكينونتي مصدرها بالتأكيد مكان أحياه، وأبلغه، لا بدّ، بعد سفر ما.

السفر بالنسبة لي كان شديد التأثير في ما أكتب، إذ انني انتقلت للعيش في مدينة أخرى، باتت في سنتين مدينتي الأثيرة. كما أنّ ما أنجزته في تلك المدينة، وفي مدن أخرى ليست ببعيدة عنها، كان محوره الكتابة. إذ انني أنجزت كتابة أطروحة أكاديميّة، محققاً بحثاً حصّلت مواده من مكتبات جامعات ومن معاهد لاهوت متفرّقة في الأراضي المنخفضة. كان ذلك قويّاً جدّاً بالنسبة لي، يشبه النزهات الروحيّة إلى حدّ ما، في بلاد هي أشبه بالمعجزة. إنّها بلاد صنعها سكانها وصمّموها شبراً شبراً ابتداء من القرن الثالث عشر، حيث أخرجوا مساحات شاسعة منها من البحر الذي كان يغمرها. وثمّة في تلك البلاد منحىً تأمّلي خاص في معنى السفر. كأن تسافر مثلاً، بشكل اعتيادي تماماً، من أمستردام إلى باريس على دراجة هوائيّة. أو أن تحيى في روتردام قبالة مرفأ «دلفت»، الذي انطلق منه «البيوريتنز» ليؤسسوا أولى مدن الولايات المتّحدة في مطلع القرن السابع عشر، ذلك المرفأ الذي ما زال كما هو منذ ذلك الحين.
المناحي التأمّليّة في معنى السفر ذاك لا بدّ لها من أن تدمج النواحي الخارجيّة والداخليّة للسفر، ولا بدّ لها أن تتجسّد في الكتابة.

 ما هو سرّ إعادتك تكراراً لبعض الكلمات في النص، هل هو الإيقاع أم شيء آخر؟
 أنا أفترض أن المقاطع المكرّرة في النصّ الشعري الذي أكتبه هي اختبارات على احتمالات الجملة الواحدة. فالجملة المكرّرة، أو العبارة، التي ترد على أثر الجملة أو العبارة نفسها التي سبقتها، هي بالنسبة لي كمثل يد تشبه اليد الأخرى في الجسد ذاته من دون أن تكون الشيء ذاته. وثمّة في ذلك شيء من الابتعاد عن الذات وعن المعنى الخالص للأشياء، كأن تكرّر الكلمة ذاتها مرات ومرات فتصبح في غير معناها الأوّل. كما أن في ذلك، على ما افترض، شيئا من الوجد، أو الطرب، أو شيئا من «البوب آرت» وأندي وارهول، أو شيئا من الفيديو والمونتاج والفهم المختلف للمشهد الواحد المكرّر بنبرة إيقاعيّة، أو صوريّة، مختلفة. ثمّة بالتأكيد ارتباط بالإيقاع، أو بموسيقى ما.

 هل يرضيك أن تصنّف في جيل شعري عمري معيّن؟
 لا يزعجني هذا الأمر كوني لا أفكّر به كثــيراً. كمــا لا ينعكس هذا الأمر سلباً أو إيجاباً على نوع أو طريقة الكتابــة بحدّ ذاتها عند كلّ فرد كاتب، ولا على الأفكار التي تحفّز كتابته. إنّه أمر تنظيمي، ربّما، أو ترتيبي، قد تكون له قيمة أنطولوجيّة معيّنة غير مؤذية. لكنّي لا أحيا ذلك الوعي العمري، أو العصبيّة العمريّة، أو الهويّة العمريّة، ولا أحبّ أن أحياها أو أشعر بها كمعنى له أثر كتابي. أرى أن التصنيف الجيليّ المذكور هو شأن آخرين غير الكتّاب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى