الأربعاء ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم إيناس أحمد الحبشي

فرسان بلاد العرب

أثار عجبي الإهمال والاستخفاف الذي تواجهه لغتنا العربية بكل حذافيرها، وأثارت فزعي تلك العناوين التي رسمت على ملامح وجهي كل خوفٍ وشحوب قائلة:

(انقراض اللغة العربية خلال القَرن الحالي)، و( مجمع اللغة العربية يشتكي إهمال العربية في تاريخه الحديث)...!، وأكثر ما استفزني هو أن إدراج الكلمات والمصطلحات الأجنبية بات جزءاً لا يتجزأ من مظاهر التحضر في عصرنا الحالي، سواء كان هذا الاستخدام في الحديث اليومي أو المسلسلات وحتى في القصص والروايات الحديثة لكتـّاب فضّلوا مزج الكثير من اللهجة العامية والقليل من الكلمات الأجنبية لمنح الحديث أو القصة أو غيرها نكهةً حضارية مميزة وجديدة مرتبطة أشد الارتباط بما يطلقون عليه اسم (الإصلاح اللغوي) وتهميش الفصحى، وبعد كل ذلك يأتي من يناقشني وينازعني في كون اللغة العربية من المظاهر الأثرية التي اندثرت مع تقدم الأيام والسنين، وأن عصر التكنولوجيا قد فرض علينا لغةً حضارية جديدة تتماشى مع متطلبات (المول.. والكوليج.. والدوت كوم) ...!

حقيقةَ أجد الكثير من الدوافع التي ترغمني على الدفاع عن اللغة العربية كونها تقبع ضمن الأصل والجذور، وحبي لها وإدماني عليها ليس بمس ٍ من الجنون، وإنما فرطاً من الإعجاب وبعضاً من الفضول، وإن وصل بغيري السؤال إلى كيفية تحول هذا الحب إلى ذاك الفضول، فالإجابة تكمن في التاريخ العريق لروائع العرب مقارنة ً بتاريخ الغرب، وسبب تقدير البعض وافتخاره بلغته في حين انجذاب البعض الآخر –

بل الأغلبية – إلى حب التجديد (والظهور)، وقد يصل بهم الأمر إلى الخجل منها أو (النفور).

علــّق أحد الكُتاب في مطلع إحدى المُجلدات التي تتضمن تفسيراً لأرقى معاني الأبيات والأمثال: " لو بلغت قصة حياة المتنبي شاعريته إلى مسامع شكسبير لكان عنوان مسرحيته الثامنة والثلاثين (فارس بلاد العرب)...!! "، فأي إطراء وتعليق أجمل وأروع من هذا...! بل أي حقيقة أعذب لنا من هذه...!، وتأكيدا ودعماً لهذا الإطراء أود القول بأن المتحف البريطاني قد احتفظ منذ أكثر من ثلاثين سنة بنسخة من شرح ديوان المتنبي، فأي تقدير عجيب لروائع اللغة العربية ومحبيها في ماضينا الواعي الدفين...؟ وأي إهمال مؤسف وشديد لبقايا اللغة العربية في حاضرنا الغافل المشين...؟

فليتأمل (المتحضرون) جمال لغتهم العربية وثقلها، والقوة والهيبة التي تتفضل بها عليهم، طال بهم الزمان أو قصر، عندها قد ترجع بهم عقولهم إلى كونها لغتنا الأم، وقد يظهر حينها فرسانٌ آخرون لا فارساً واحداً فقط لكل بلاد العرب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى