الأحد ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم قيس عمران اخليف

فلسطيني مع وقف التنفيذ

أسير لوحدي في الشوارع الخالية، البيوت مهجورة، صوت بكاء يتردد من احد المنازل، أقترب منه، أنظر عبر النافذة فأرى طفلاً صغيراً يلتحف برداء أزرق علها عباءة أبيه. كان الطفل في السابعة من عمره تستنطق تعابير وجهه معاني الأسى و الحرمان التي بعاني، و نظرته الشاخصة إلى المجهول عله يرى المستقبل قد أشرق لكن تراءى له مظلماً معتماً.

شعرت بأن من واجبي أن أفعل شيئاً لهذا المسكين، طرقت الباب لعله يرد، حسبني واحداً منهم، طرقت ثانية قلت بأنني عربي مثله و أود تقديم المساعدة، لكنه لم يصدقني، لقد كررت الرجاء حتى اقتنع أخيراً بأنني لست منهم، فتح الباب و هو ينظر إلي بشك و ريبة، دخلت وأنا ألقي بنظرات على بيته الذي صار حطاماً و بقايا. رأيت صورة صغيرة في برواز مكسور و اقتربت منها و رفعتها من أمام ناظريه فقال:

إنها صورتنا أنا و أخي الصغير إنه لم يتعد الخامسة من عمره و لكنهم قتلوه دون أن تهتز فيهم المشاعر الإنسانية.

قلت له بعد أن أعطيته الصورة التي خبأها في عباءته الزرقاء:

لم لا ترحل كما فعل الآخرون؟

رد علي و هو شارد الذهن: أريد أن أثأر لأسرتي التي قتلوها فرداً فرداً و لو لم أكن نائماً في العلية لقتلوني أنا الآخر، كانت المشاهد تتراءى له، و الذكريات المرة تسرق البراءة من وجهه. قلت له:

تستطيع أن تقاتلهم عندما تكبر، لكنك الآن مكبل بالحجارة و هم يملكون المدافع و البنادق.

أجاب: عندما اكبر.. ما معنى هذا؟

قلت: اليوم أنا راحل مع مجموعة من الفلسطينيين، وأنت ستكون معي، فالغد لنا و إن كان اليوم لهم.

قبل أن يجيب وصل إلى مسامعنا صوت دباباتهم و سياراتهم و هي تقترب من الحي.

فأسرعت إليه و لففته بالعباءة ثم حملته و خرجت أجري به لا أدري كم مضى من الوقت و أنا أجري، لقد شعرت بأن قدماي لم تعودا في مكانهما و أنهم في لحظة أو أخرى سيقولون لي:

قف عندك.

مضى النهار و جاء الليل و أنا أجري و عند تباشير الفجر وصلت إلى العربة التي ستقلنا إلى خارج فلسطين.

قال الطفل: يتم، تشرد و موت و أسى إلى متى يا فلسطين؟

سارت بنا العربة، رأيته ينظر إلى الوراء، إلى ما خلفته مدافع دباباتهم من حطام، كان فلسطينياً معذباً، فلسطينياً كتب عليه أن يعيش خارج فلسطين، فلسطينياً مع وقف التنفيذ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى