الثلاثاء ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

في مديح الذات

ابتداء، أنا مدين بهذا العنوان للروائي السوري خالد خليفة ولروايته: مديح الكراهية. لقد حضرت الرواية وعنوانها وألحت على ذهني منذ حزيران كثيرا. كيف لم تفز بجائزة البوكر العربية؟ علما بأنها كانت من الروايات الستة التي صمدت للفوز في المرحلة الأخيرة؟ كيف لم يلتفت إليها في مؤتمر جامعة فيلادلفيا "ثقافة الحب والكراهية" (2008)؟ كيف لم يلتفت إليها ناقد عربي أو سوري فيدرسها؟ وربما سألني: لماذا لم تلتفت إليها أنت؟ فأجيبه: لقد اكتشفتها بعد أن قدمت ملخصا لبحثي الذي خضت فيه، وقرأتها بعد أن انتهت مدة تقديم الملخصات. وسأقترح على بعض أصدقائي ممن يقرأون أن يقرأوها.

ما الذي دفعني إلى تبديل الذات بالكراهية؟ هل أنا معجب بالمتنبي مثلا الذي مدح ذاته ومدح شعره، حين قال إن كل ما خلق الله وما لم يخلق محتقر في همته كشعرة في مفرقه، وحين قال إن كلماته أسمعت من به صمم، وأن الأعمى نظر إلى أدبه؟ هل أنا معجب بسلفه عمرو بن كلثوم حين افتخر بقومه مثلا؟ هل أنا معجب بأبي فراس الحمداني حين قال: سيذكرني قومي إذا جد جدهم، وحين قال: وهل لفتي مثلي على حاله نكر؟ وربما تذكرت شاعرنا محمود درويش وبعض أسطره في مديح الظل العالي حين خاطب قريبه سمير درويش الذي استشهد في 1982، وأشيع يومها أن الشهيد هو محمود درويش: أتعرف من أنا حتى تموت نيابة عني؟ طبعا عاد درويش في آخر أيامه في قصيدته: لاعب النرد، ليتساءل قائلا: من أنا لأقول لكم/ ما أقول لكم؟/ أنا لاعب النرد: أربح حينا وأخسر حينا: أنا مثلكم/ أو أقل قليلا. حقا ما الذي دفعني إلى استبدال كلمة بأخرى: الذات بالكراهية؟ هل أنا مثل الذين ذكرتهم ومثل غيرهم ممن مدحوا ذاتهم؟ هل أنا نتاج ما كتبوه؟ هل أنا مثل الشاعر الغنائي الذي يصور انعكاس العالم على ذاته؟

قبل فترة طلب مني أحد المشرفين على المواقع مقالا لي لينشره، وفضل ألا يكون مصوغا بضمير الأنا، مثل مقالاتي التي أنشرها في زاويتي الأسبوعية. أراد مقالا خاليا من الحديث عن الذات. ومنذ ثلاثة أسابيع نشرت لي مقابلة في الدستور أتى فيها واضع الأسئلة على نشاطي النقدي والبحثي، فقد اختار الأسئلة من عناوين كتبي التي صدرت، كتبي البحثية، لا رواياتي وقصصي. ونشرت المقابلة في الدستور وفي مواقع الكترونية أخرى، وعقب عليها بعض القراء. منهم من ذمني، ومنهم من دافع عني، ومنهم من وصفني بأنني أبو العريف.

على أية حال كانت ملاحظة المشرف على الموقع الالكتروني، وملاحظات قراء المقابلة باعثا لي للتفكير في الأمر، بخاصة في أسلوبي في كتابة الزاوية الأسبوعية التي لا يخلو أكثرها، إن لم يكن كلها، من نقل مجال حياتي للقراء، يبرز انعكاس الأحداث على الذات. كأنني مثل الشاعر الغنائي، علما بأنني لست شاعرا. أنا أكتب تجاربي وانطباعاتي ومشاهداتي وقراءاتي لعل فيها عبرة للقارئ، وغالبا ما لا أقول رأيا نهائيا يبرزني مالك الحقيقة، إذ تغلب صيغ التشكيك أو التساؤل على موقفي من الأشياء، فما عدت أمتلك يقينا، ولهذا نشرت مرة مقالا عنوانه: فقدان الثقة... فقدان اليقين.

ولست، على أية حال، أول كاتب عربي يكتب بهذه الصيغة. هناك كتاب آخرون كثر سبقوني وتعلمت منهم ومن أسلوبهم، وما زال قسم منهم ينشر مستخدما هذا الأسلوب الذي يقترب من أدب المذكرات والرحلات والسيرة الذاتية. ولا أخفي سرا حين أقول إنني أقرأ المقالات التي تكتب به أكثر مما أقرأ المقالات التي تخلو من هذا الأسلوب، ويغلب عليها الطابع العقلي الخالص. المقالات التي تخلو من لمسة شخصية أو تجربة إنسانية، ولا أنسى، على سبيل المثال، كتابات الكاتب المصري حسين أحمد أمين التي نشرها في أماكن مختلفة. إنني أقرأها بشغف.

ما لا شك فيه، وهذا لا شك فيه، أنني كاتب مكثر، فقد أنجزت، حتى اللحظة، ما لا يقل عن ثلاثة عشر كتابا نقديا، نشرت ورقيا والكترونيا. ولاحظ هذا أحد المحررين لصفحات الثقافة، وأخبرني أن هناك من يلومه لأنه جعل صفحته مستوطنة لي. هكذا قال لي. طبعا أحب أن أقرأ لغيري، وأقول لطلاب الدراسات العليا الذين أشرف على رسائلهم: آمل أن تواصلوا الكتابة حتى نستريح نحن. يجب أن تأخذوا مكاننا، فالآن دوركم. وللأسف فإن أكثرهم لا يواصل الكتابة بعد إنجازه رسالته. إنهم حقا كسالى، ومثلهم حملة الدكتوارة في جامعاتنا، الذين درسوا في العالم العربي وفي العالم الغربي أيضا. ماذا أنجز هؤلاء كلهم لخدمة حركتنا الأدبية والثقافية؟

هناك أَلفُ شاعر فلسطيني، فلماذا برز محمود درويش مثلا؟ في لاعب النرد يقول: (لا دور لي في القصيدة إلا/ إذا انقطع الوحي/ والوحي حظ المهارة إذ تجتهد) أنا سأكرر ما قاله: أنا مثلكم أو أقل قليلا، والوحي حظ المهارة إذ تجتهد، وآمل أن تجتهدوا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى