الخميس ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم سامر مسعود

قراءة موضوعية في رواية (خارج الجسد)

بينما كنت في زيارة لإحدى المكتبات العامة في ولاية (كاليفورنيا) استوقفتني رواية بعنوان (خارج الجسد) للروائية عفاف البطاينة. وهي كاتبة غير مشهورة في العالم العربي، في حدود اطلاعي على أقل تقدير. استهواني عنوانها الذي يتناص، بطريقة غير مباشرة، مع رواية (ذاكرة الجسد) للكاتبة أحلام مستغانمي. الطبعة التي بين يدي هي الطبعة الأولى عن دار الساقي، ونشرت عام ألفين وأربعة، وتقع الرواية في أربعمئة وست وأربعين صفحة.

الرواية تتحدث عن فتاة اسمها (منى) تعيش في أسرة ريفية تقليدية، وهذه الأسرة امتداد لعائلة معروفة في المجتمع الأردني، ولها حضور قوي على مسرح الأحداث السياسية في المملكة الأردنية. تعاني الفتاة من سلطة الأب وقسوته جعل أفراد الأسرة كلهم ضحايا لسلطته العمياء القاسية. تلتقي منى بزميلها (صادق) بعد التخرج في المدرسة الثانوية في أحد المقاهي، وكانت تلك تهمة كافية لوضعها في دائرة الاتهام، والسقوط الأخلاقي، مما جعل أبوها يحرمها من متابعة تعليمها الجامعي، ثم يجبرها على الزواج من (محروس)، ولكن هذا الزواج لم يدم طويلا، ولكنها استغلته لتثأر من ابيها، وتكمل دراستها الجامعية، وخلال ذلك كانت تتعرض لأقسى أنواع الإهانة والضرب من أبيها، الأمر الذي دفعها للزواج من (سليمان) رجل في الأربعينيات من عمره، يعيش في بريطانيا، وله محلات تجارية كبيرة هناك،تتزوجه رغما عن أسرتها، وتقرر السفر معه إلى بريطانيا، وهناك بعد مضي شهور قليلة يتبين لها مقاصد هذا الرجل؛ فهو يريدها خادمة مطيعة، وموطنا لإشباع غريزته فقط، وعندما يتبين له أنها حامل بابنه، يحثها على التخلص منه، لأن ذلك ليس ضمن ما يريده من ذلك الزواج، ولكنها ترفض ذلك، وتنجب طفلها (آدم)، وتتطلق منه بعد معارك طويلة في المحاكم. وبعد مدة تتعرف على (ستيوارت) الشاب البريطاني، وتقرر الزواج منه محطمة كل التقاليد والعادات العربية والدينية في ذلك. يزورها عمها (سالم) زيارة مفاجئة في بيتها في بريطانيا، بعد أن كانت حاملا بطفل (ستيوارت)، ويطلب منها الطلاق منه فورا، مذكرا إياها بالعادات والتقاليد العربية والدينية، ولكنها ترفض طلبه، فيحذرها من إخوتها الذين سيقتلونها إذا أصرت على ذلك، ولكنها تتمسك بموقفها غير آبهة، وتقرر المواجهة، فتبيع بيتها، وتتخفى عن الأنظار، ويأتي أخوها بحثا عنها ليتخلص منها، ولكنه يخفق في العثور عليها، فيعود من حيث أتى. أما (منى) فتقرر إجراء عمليات تجميل لتغير ملامح وجهها، وتغير اسمها العربي بآخر أجنبي، وتعود لتعيش مع زوجها (ستيوارت) وابنها آدم وابنتها المولودة حديثا، وتتفرغ بعد ذلك للدفاع عن حقوق المرأة والأطفال في مؤتمرات عالمية كثيرة...

لم تأتِ الكاتبة بشيء مميز على المستوى الفني، فاللغة بسيطة، تتضمن، في كثير من المحاورات، اللهجة الأردنية الريفية الدارجة، وهذا منح الرواية واقعية ومرونة في رسم الشخصيات، كذلك لجأت الكاتبة إلى تقنية سردية أخرى تمثلت في إفساح المجال أمام الشخصيات لتتحدث بالضمير الأول، مما ساهم إلى حد كبير في إضفاء واقعية وحرية كبيرة في التعبير عن ذواتها.

ما أريد أن أتناوله في هذه الرواية، باختصار،جوانب موضوعية أثارتها الرواية بعنف، وهي موضوعات مازالت قائمة في مجتمعاتنا العربية بشكل قوي:

1- السلطة الأبوية التقليدية الغاشمة: حيث تهاجم الكاتبة، على لسان شخصيتها المركزية (منى)، ابا منصور/سلطة الأب، وتنعته بأقذع العبارات وأسوأها، متنصلة من كل قيم الاحترام والتقدير.

وأتساءل هنا، ما الذي تريد الكاتبة توصيله من خلال هذه الأوصاف المقذعة للأب؟ ما الذي سيحصل للمجتمع العربي إذا قام أفراده بهذا التمرد الأعمى الحاقد؟ هل هذا هو الحل الأمثل للتخلص من المظاهر السلبية لسلطة الأب؟ أعتقد أن الكاتبة لم تكن موفقة في معالجة هذه القضية، بل على العكس من ذلك كان طرحها يخدم توجهات تدميرية للمجتمع.

2- المرأة/ الزوجة: صورت الكاتبة المرأة العربية مسلوبة الإرادة، وضحية لسلطة الأب، وجاهلة لكيانها، وغير قادرة على تلمس سعادتها، وحتى إذا أتيح لها أن تكمل تعليمها فهي تظل حبيسة مجتمع ذكوري يفرض عليها أن تمارس حياتها في ظل عادات وتقاليد محددة وصارمة. تحاول الكاتبة أن تعالج هذا الواقع من خلال تقديم صورة (منى) المتعلمة الثائرة على كل العادات والتقاليد السائدة، وتجد الحل الأمثل في تغيير ملامح جسدها العربية، وتغيير اسمها العربي بآخر أجنبي، بمعنى آخر التنصل من مجتمعها العربي، واللجوء إلى مجتمع آخر تجد فيه كيانها وحريتها. هذا الحل غير منطقي لأن المجتمعات الغربية فشلت حتى الان في معالجة مشاكل المرأة، بل إن المتابع لأوضاع المرأة الغربية يجد أن معاناتها تضاعفت، وبالتالي فإن اللجوء للغرب لإنصاف المرأة ومنحها حقوقها مناف للحقيقة.

3- القتل دفاعا عن شرف العائلة: وهي ظاهرة منتشرة في الأردن وفي معظم الدول الاسلامية، وهي ظاهرة سلبية تكشف فشل مشروع الدولة، ودولة القانون من جهة، وفشل أفراد المجتمع في وضع معايير سلوكية وأخلاقية عصرية تلائم بين متطلبات الحياة العصرية والمحافظة على القيم العربية الراسخة عبر مئات السنين من جهة أخرى. وترى الكاتبة أن الاستعانة بقوى خارجية هو الحل الأمثل للتخلص من هذه المشكلة، ولكن هذا تصور غير صحيح، لأن الخلل نابع من معطيات داخلية بحتة، وليس من مؤثرات خارجية. لذا فإن الحل الأمثل يتمثل في التوعية السوية، وتعزيز دولة القانون، والعمل على إيجاد منظومة قيمية توائم بين التقاليد والمعاصرة.

4- الموقف من الدين: تلجأ منى للدين للهروب من واقعها الصعب، ولكن الدين لم يقدم لها حلولا تخلها مما هي فيه، وكذلك يفشل الدين في تقديم حلول لمحروس ليحافظ على زواجه من منى، وفي نهايات الرواية تتحدث منى صراحة أن الإسلام هو مجرد إرث يتوارثه الآباء عن الأجداد، ليس أكثر. وتقرر الكاتبة على لسان منى أن السعادة الحقيقية تتمثل بالتنصل كليا من كل دين، والإيمان بالعقل والنظريات الفلسفية.

5- الموقف من النظام الحاكم: تدين الكاتبة على لسان منى النظام الحاكم، وتكشف مؤامراته ضد القضية الفلسطينية، وتسخر من أي انتصار عسكري حققه النظام.

6- نظام التعليم الجامعي: يظهر التعليم الجامعي في الرواية تعليما تلقينيا عاجزا عن إعداد الخريجين إعدادا سليما لمواجهة الحياة. وتفضح الكاتبة على لسان منى بعض الأساتذة الجامعيين الذين يستغلون مناصبهم الجامعية لابتزاز الفتيات من أجل شهوة عابرة، وتوفر الجامعة الحماية المطلقة لهم ضد أية شبهة.

يخرج قارئ هذه الرواية بانطباع سوادوي للمجتمع العربي، وكأن كل السلبيات تجمعت فيه. إذا كانت هذه هي الرسالة التي تريد الكاتبة توصيلها للقارئ، فقد وصلت الرسالة بوضوح تام، ولتفرح الكاتبة، ولتنتشي بهذا الانجاز العظيم، ولتفخر بأن روايتها أصبحت على الرفوف الأولى في المكتبات الغربية. وهي بالتأكيد ستكون مادة "دسمة" للمغرضين الذين يتلهفون لمثل هذه الصرعات.

أعتقد أن العالم العربي فيه حراب كافية تطعنه ليل نهار، وآخر شيء يحتاجه حربة جديدة مسمومة تضاعف من معاناته. الكتابة أمانة ورسالة وعلى كل كاتب مخلص أن يجعل من قلمه منارة إصلاح وتقدم لا معول هدم وإدانة لمجتمعه. ولكن مهلا، فنحن نعيش في زمن رديء تداخلت فيه القيم وتغيرت معاييره، ويطل سؤال موجع: أما لهذا النفق المعتم من نهاية؟ لست أدري...


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى