

قناعٌ بلون الشّمس
من خاصرةِ الليمونِ وَلَدتني أمّي،
"فلسطين المجدليّة"؛
كان حبلي السّريُّ غصناً،
و كان وجهي مستديراً وَ مشرقاً كقضيّة..
من خاصرة الزّيتون وَلَدتني أمّي
في أصعب عمليّةٍ قيصريّة!
رَبَطَتْ حبل خلاصي في جذرٍ،
ووَشَمَتْ فوق سرّتي رهاناً:
"بأنّ الحيّاة هي ذاتها الحريّة"
من خاصرة الشّرق وَلَدَتني أمّي
من رحم حكايةٍ أزليّة..
وظلّ جرحها مفتوحاً
ينزفُ مدائن وقصائد وليموناً وحريّة،
وَيسقي التّراب بدمٍ
لا من شريانٍ مقطوعٍ
وإنّما هو نزفٌ من هويّة!
من خاصرة التّاريخ وُلِدَت أمّي
لم يوثّقوا اسمها في بطاقةٍ شخصيّة،
لذا حفرناهُ فوق الصّخر والغيم
والشّجر والحجر والبندقيّة..
فالأوطانُ ولو كُتِبَت بماء الذّهب
لا يخلّدها الورق،
ولا تحفظها الهويّة!
الأوطانُ لا تُكْتَبُ إلّا بالدّم،
وما أُخِذَ بالقوّة
لا يُستَردُّ إلّا بفيضاناتٍ دمويّة!
الأرض لي.. والأرضُ روحي
فلا تأخذها حتّى تتأكّد من موتي،
ومهلاً ..
اقرأ على شاهدة قبري حروفاً أزليّة:
"لا تحلم أن تمسح تاريخي بإصبعٍ،
ولا حتّى بسكّينٍ أو بندقيّة..
تاريخي بحرٌ وسماء
فمن يشرب البحر ببلعةٍ؟!
أو يطوي السّماء
كما يطوي مناديله الورقيّة؟!
فنحن كحبّات الليمون والزّيتون
نُولدُ جيلٌ بعد جيلٍ
وقد نذرتنا أمّهاتنا من قبل الولادة
قرابين للحريّة"
تلك هي فلسطين أمّي
امرأةٌ كنعانيّةٌ.. آراميّةٌ وعربيّة،
ترتّبُ سرير إبراهيم ويعقوب وإسحاق،
وَ تفرشُ الفضاء بالكواكب الدّريّة..
في غفلةٍ من التّاريخ تسلّلوا إليها،
وقيّدوا يديها بسلاسل حديديّة..
تركوها فوق طريقٍ معبّدٍ بالأشواك
تنخلُ من التّراب قمحاً وشمساً وحريّة،
وَترتّب أسماء مدائنها:
بيت لحم ويافا وحيفا...
وردةً.. وردةً في مزهريّة
أخبرتهم يوم انتفضت:
بأنّ لغة الحجارة والمآذن
وسنابل القمح عربيّةٌ.. عربيّة؛
فأطلقوا عليها رصاصاتٍ عبريّة!
لكنّ أمّي وُلِدت بعد موتها من جديدٍ؛
إذ صارت تملك حجراً وإصبعين وبندقيّة..
وَكلّما قتلوا ربيعها
أزهر حلمٌ جديدٌ،
وتفتّحت براعمُ للقضيّة!
الحقّ توأم الشّمس،
والشّمس لا تغيب،
وإنّما تغطّي وجهها
بقناعٍ على مقاس القضيّة؛
لتشرق ذات فجرٍ
وتحرّر من سرّتي رهاناً:
"بأنّ الحيّاة هي ذاتها الحريّة"
فمن يستطيع أن يطفئ نور الشّمس بفيهِ؟!
ومن يستطيع أن يقتلع من سرّة الأرض
جذوراً بعمر التّراب والتّاريخ والهويّة؟!