قوة المبنى ودقة المعني في (الخروج من البين بين)

الشاعرة مرهفة الحس وضيئة الحرف (د.حنان فاروق) دائما ما تلهب مشاعرنا بقصائدها التي لا تخلو مع معالجتها لقضية ما من معالجة الروح، قرأت لها مؤخرا قصيدة بعنوان (الخروج من البين بين)، وكم هو معبر هذا العنوان وكم هي عمبقة دلالاته.

تعتمد الشاعرة في قصيدتها القصيرة والتي رغم ذلك مكتملة الغرض على المقاطع القصيرة مستغلة براعتها في انتقاء الموسيقى والسجع الرنان، وربما رغبة منها في أن تكون كلماتها كجرعات مركزة فتخرج مخرج الحكمة في بعض الأحيان، وتتناول القصيدة في مجملها حالة اللاهوية التي نعيشها فلا نحن نقول أننا مع الباطل ولا نحن نرضى بنصرة الحق، فحتى الأيام ملتنا وتحيرت أين تضعنا.

وكم جاء جميلا قولها (في الصباحْ.. يعترينا نزف آمال الجراحْ.. فندورْ… حول قرص الشمس نبحثْ .. عن ضياءْ..)، فهي تصور مدى العمى الذي أصابنا حتى أننا ندور حول الشمس ورغم هذا نبحث عن ضياء وأجد الشمس استعارة عن الحق الذي ينير البصائر، ولما كان الليل سكنا وهدوءاً جعلته موطن الانحناء والركون وكذلك البكاء إذ فيه يصدق الانسان مع نفسه ويراجعها.

ونرى جناسا ناقصا في قولها (كلنا مازال يسألْ.. عن مهمات الضمير كلنا في الوهم نختط المصيرْ..) بين الضمير والمصير وما زاده حسنا كونه يقع في موضع القافية وكذا في كلمتي (مهمات) و (وهم)، وجاء اتماما لصورة التحير واللاهوية استفهامها على لسان القوم عن وظيفة الضمير وهو أبسط ما يكون معرفة ولا يكاد يجهله أحد، ونجد حكمة في قولها (إن بقى فى العمر ساعهْ.. قد تضيعْ.. لا تكن حرفاً قميئاً في (وضيع)) ، مستقاة من حكم عربية قديمة.

ولم تنس شاعرتنا في نهاية قصيدتها أن تترك بصيص نور قد يدركه البعض ليخرج من هذه المحنة وليستفيق على هويته الحقيقية إذ تقول (ضع يديك الآن فوق الاختيارْ وتشبثْ.. لن يظل الحلم أشعثْ.. أو يعيش الواقع المجنون أخبثْ..)، ثم تمتدح الشاعرة الإنسان الصابر المثابر على طريق الحق حتى يصل إلى الحق.

خلاصة القول حول هذه الرائعة، أنني كلما قرأت لشاعرتنا الدكتورة حنان فاروق أدرك أن ثمة ارتباط وثيق لديها بين قوة المبنى ومرونة الألفاظ ودقة المعاني، كما أنها لا تغفل الموسيقى الخارجية أو الداخلية حقها وتجعل من قصائدها لوحات تخلب البصائر كما تخلب الأبصار