السبت ٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم ناصر الحجيلان

كيف يمشي السعوديون مع زوجاتهم؟

لا أعلم هل يفكر الأزواج وهم يمشون مع زوجاتهم باتباع طريقة معينة في المشي أم أن ذلك يحصل بشكل آلي لا يولونه اهتمامهم؟ ومهما يكن الأمر فإن هذا السلوك له دلالته الثقافية التي تبين لنا طبيعة العلاقة بين الجنسين بشكل عام وسمات العلاقة بين الزوجين بشكل خاص.

إنه من الطبيعي أن يمشي الرجل مع زوجته في كل مكان في العالم باعتبارهما يتشاركان في كل شيء في هذه الحياة بما في ذلك المشي. ولكن كل مجتمع له ثقافة معينة في إعطاء قيمة لكل من الرجل والمرأة؛ وهذه الثقافة تظهر في السلوك العام للمجتمع بمختلف أفراده. ولهذا يمكن اعتبار الطريقة التي يمشي بها السعوديون مع زوجاتهم مؤشرًا يمكن أن يدلنا على الثقافة الشعبية للمجتمع التي نمارسها بشكل عفوي يخلو من التخطيط.

ومن أبرز أساليب المشي ما يمكن ملاحظته بالنظر إلى المسافة بين الزوجين أثناء المشي وأيهما يتقدم الآخر وما يرتبط بذلك من بعض التصرفات. وسنركز على الأساليب الواضحة التي لاتخطئها العين حينما يمشي الرجل السعودي مع زوجته في الأماكن العامة كالأسواق أو الطرقات أو المستشفيات وغيرها من الأماكن التي يضطر فيها بعض الرجال لاصطحاب نسائهم معهم.

وإذا اتّخذنا المسافة التي تفصل بين الزوجين أثناء المشي معيارًا للتعرف على تلك الأساليب، فيمكننا أن نخرج بعدد من الأساليب؛ ومن أوضحها أن يمشي الزوج متقدّمًا زوجته، وقد تفصل بينهما مسافة تطول أو تقصر بحسب مدة المشي. وكلما ازدادت مدة المشي ابتعد الزوج عن زوجته. وبعضهم يلتفت إلى الزوجة على فترات متقطعة للتأكد من سلامتها أو للاطمئنان على أنها لن تضل الطريق. وقد يتوقف الزوج أحيانًا لكي تلحقه الزوجة وبخاصة إذا كانا خارجين من السوق ومتجهين نحو سيارتهما، وكان الزوج يحمل المقاضي الثقيلة في يديه وخلفه الزوجة تجر معها طفلا أو أكثر. ومن المتوقع أن ثقل الحمل وطول المسافة قد يؤثران على مزاج الزوج وربما ينهر زوجته لكي تسرع في مشيها. ويبدو أن الأزواج كبار السن أكثر ممارسة لهذه الطريقة في المشي مع زوجاتهم؛ وكأن الزمن يحرض أولئك الأزواج على المضي قدمًا في المشي وعدم موازاة المرأة لكي لا يجلب ذلك مزيدًا من التأخير. على أن البعض يفعل ذلك ليس بدافع العجلة وإنما لأنه يشعر بنوع من الإهانة في "مباراة" المرأة، أي المشي بجوارها خطوة بخطوة لاعتقاده أن موازاتها تعني المساواة بينهما في أشياء كثيرة ومنها القوة. والرجل يجزم بقوته وبجرأته وفهلوته مقارنة بالمرأة، لأن الثقافة تعتبر تشبيه الرجل بالمرأة من باب المسبة والاحتقار له.

وهناك نوع آخر من الرجال ممن يمشون بجوار زوجاتهم بشكل متواز وتفصل بينهما مسافة قصيرة لا تسمح بمرور شخص ثالث. ويبدو أن هؤلاء الأزواج بينهم توافق في سرعة المشي ليس فقط حينما يكونون في شوارع الحوامل ولكن قد تكون هذه سمة ترافق سلوكهم بشكل دائم. أما من يفعل ذلك صدفة فالعبرة بسلوكه المستمر. وفي الغالب فإن جيل الشباب ممن هم في الثلاثينيات فما فوق يمشون بجوار زوجاتهم من باب احترامهن وقضاء وقت ممتع في تبادل الأحاديث أثناء المشي. ومما يمكن توضيحه أن الجيل السابق لجيل الشباب كذلك يكن الاحترام للزوجة ولكن البعض منهم يمارس سلوك المشي بعيدًا عن المرأة بشكل آلي أملته عليه الثقافة أكثر من كونه سلوكًا فرديًا.

على أن بعضًا من الجيل الجديد يمشي خلف زوجته وعيناه لا تفارقان "زولها" وما حولها. وقد سألت أحدهم عن السبب، فأجابني بأن المشي خلف المرأة في الأسواق وأماكن تجمع الناس هو من باب حمايتها من تلصص العيون عليها من ناحية، ولضبط سلوك المرأة من ناحية أخرى لكي لا تأخذ راحتها في إلقاء النظرات على هذا وذاك! ويبدو أن هذا الصنف من الرجال مصابون بداء الشك الذي يطال حتى نساءهم. ولا أعتقد أن المشي بهذه الطريقة سوف يحل مشكلة رمي الرجال عيونهم على كل امرأة لأن المشي بجوارها كفيل بالقيام بالمهمة نفسها؛ ولكنه تعبير من أولئك الأزواج عن الخوف العميق بداخلهم من المرأة، وأنها ربما تقوم بسلوك سلبي متوقع في أذهانهم في حال ضعفت الرقابة عليها! ومن هنا فإن طريقة المشي تلك إنما هي وسيلة للمراقبة الصارمة للزوجة بصرف النظر عن تبرير ذلك.

وهناك صنف آخر من الأزواج وهم الذي يمسكون بأيدي بعضهم البعض عند المشي. ورغم قلة هؤلاء الرجال وبالذات في الأماكن العامة إلا أنه يمكن القول بأن الأزواج الجدد هم الذين يقومون بذلك لأن كل طرف حريص على إبراز قدراته الذاتية في الرومانسية والرقة؛ ولهذا فإن الإمساك باليد أو وضع اليد على الكتف يعتبر من المظاهر الجميلة للزوجين والتي لانراها إلا في الأفلام أو في البلاد الأجنبية. ولأن هذا السلوك غير مألوف في مجتمعنا، فلهذا فإن بروز هذه الطريقة في مشي الزوجين قد تكون في مرحلة "الكذب على بعض"؛ وهي مرحلة بدايات التعارف، حتى إذا استمرت الحياة الزوجية وأنجبا الأطفال وسارت بهما الحياة بإيقاعها الروتيني فربما يتحولان إلى أحد الأنواع السابقة من الرجال. ومن المتوقع أن يجد هذان الزوجان بعض المضايقات من المجتمع الذي يستغرب مثل هذا السلوك وربما يستنكره؛ ذلك أن العقل الشعبي يعتقد أن الإمساك بيد المرأة أو وضع اليد على كتفها إنما هو سلوك لا يتناسب مع الزوجة بقدر ما يتناسب مع المعشوقة. وثقافتنا تفرق في الغالب بين المعشوقة وبين الزوجة ونادرًا ما تجمعهما مع بعض. فتعطي للمعشوقة الحق في التدليل والغنج ومنه الإمساك باليد والكتف، وتحرم الزوجة من ذلك لأن المجتمع وضع صورة الزوجة في إطار الأمّ وربّة المنزل التي تحسن الطبخ والتنظيف والإنجاب.

عن موقع الرياض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى