الخميس ٢٥ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

لجيل الآباء تحية

قبيل وفاته بسنوات كان والدي رحمه الله يستعين بأمي لقضاء حاجاته اليومية بعد أن أقعده المرض البيت، وكنا كلما حاولنا التقدم لمساعدته يصر أنه بخير وليس بحاجة لمساعدة أحد، في حين تخبرنا أمي لاحقا أنه كان يريد كذا وكذا، فنستغرب لماذا يخفي عنا ذلك!

عندما أصبحنا آباء وكبر أولادنا أمامنا وكبرت مسؤولياتنا، ومشاعرنا تجاههم أدركنا سر هذا الإباء الأبوي.
علمتنا الحياة أن العلاقة بين جيل (الآباء، والأمهات)، وبين جيل الأولاد باتجاه واحد، محبة وإخلاص من الآباء دون انتظار مكافأة من أحد.

جيل الآباء يحاول أن يحتفظ بآلامه ومشاكله لوحده، فيما جيل الأبناء يشكو للآباء عن كل صعب يعترض طريقهم في الحياة حتى بعد أن يصبحوا في سن يعتمدون في على أنفسهم.

قبل شهرين مرضت أمي وأجرت عملية جراحية استمرت ٦ ساعات أصيبت خلالها بجلطة دماغية خفيفة أفقدتها القدرة على النطق حتى هذه اللحظة، كما شلت قدرتها على الحركة الطبيعية فأصبحت شبه عاجزة تحتاج لمن يرعاها على مدار الساعة. فقسمنا أنفسنا إلى ورديات، ولحسن حظنا أننا كنا عشرة من الأبناء والبنات، فنال كل منا حظه في رد بعض ما قدمته لنا أمنا وهي في ريعان الشباب. ولكني أعترف أن الأخوات قمن بالدور الأكبر رغم أنهن كلهن أمهات، بل إحداهن صارت جدة.

كلما زرتها في المستشفى كنت أقرأ في عيونها قصة طويلة، لعلها كانت ملحمة تاريخية، لا يستطيع أحد أن يفهمها أو يقرأ أفكارها، قد أكون الوحيد القادر على الغوص في أعماق ذكرياتها أكثر من غيري ربما لأنني الابن الأكبر والذي ما زال يحتفظ بذاكرة قوية عن طفولته، ربما أقوى من بعض الأحداث التي تكون قد حدثت قبل أسابيع. أهو الكبر، حيث تتعب الذاكرة بعد أن تشبعت أم لأن طفولتي ارتسمت في ذهني في المكان الأقوى من الذاكرة؟

حاولنا دائما تهدئتها، والحديث معها لنسليها خصوصا أنها عاجزة عن إخراج الأصوات بالشكل الذي نفهمه، فكنا نقضي الوقت نتحدث لها، وكان أجمل ما أحكيه لها قصص الماضي، حيث كانت تستريح لحديثي، كنت أذكرها بأحداث حدثت قبل حوالي خمسين عاما، فتبتسم، وتتعجب أنني ما زلت أتذكرها.
كنت أذكرها بوالدي الذي توفي منذ عامين، فتسبق دمعتها ابتسامتها، لكأنها افتقدته في تلك المرحلة الحرجة. رفيق دربها غاب ولم يعد موجودا لتشكو له همها، فالأبناء لا يفهمون دائما مشاعر الآباء، والأمهات، لا يفهمون أن الآباء لا يحبون التشكي، والتظلم أمام أبنائهم، ولكن العكس هو الصحيح.
الآباء يريدون دوما أن يكونوا الصدر الحنون الذي يستوعبنا ويخفف عنا آلامنا وليس الجهة التي تصدر لنا همومها وأحزانها.

كل ما نحتاجه نحن جيل الآباء الشباب أن نترجم مشاعرنا مع أبنائنا لنفهم كيف يفكر آباؤنا وأمهاتنا الأحياء.
نحن جيل الآباء نحب أن نحترق لنير لأبنائنا حياتهم، لكن كلا لا نريد للأبناء أن يحترقوا لأجلنا، فنحن لا نفرح إلا للبسمة المرسومة على شفاههم.

الأبناء عندما يمرضون يشكون للآباء، والأمهات، وعندما يختلفون مع أحد يطلبون نجدتهم، لكن الآباء عندما يمرضون يحاولون إخفاء آلامهم عن أبنائهم.

ما أعظم جيل الآباء، والأمهات، وما أجدرهم بالتكريم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى