
لغتنا العربية ترجمت كافة العلوم واحتفظت ببلاغتها
استضافت اللجنة الثقافية في النادي الثقافي العربي في الشارقة، د. عز الدين الأمين في محاضرة حول “تعريب التعليم الجامعي”، قدم الضيف وعرف به د. يوسف عيدابي الذي أوضح المكانة المرموقة التي يتمتع بها د. الأمين علمياً وأدبياً كونه من ألمع الأساتذة الجامعيين في السودان وصاحب تجربة ثرية في مجال البحوث الأدبية والنقدية، حيث توج مؤخراً عميداً للأكاديميين السودانيين بعد مسيرة علمية درس فيها في عدة جامعات عربية وافريقية. وله العديد من الاصدارات منها “نشأة النقد الأدبي الحديث في مصر” و”نظرية الفن المتجدد وتطبيقها على الشعر” و”مسائل في النقد” و”نقد الشعر في السودان” وغيرها من الاصدارات النقدية والأدبية. كما أنه أول من اجترح مصطلح شعر التفعيلة.
استهل د. الأمين محاضرته بتوضيح دوره في التسمية التي أطلقت على شعر التفعيلة بعد أن حار الأدباء والنقاد فيها، إذ أن تسميته بالشعر الحديث أو الجديد سوف يقابله بالضرورة الشعر القديم، كما أن الشعر الجديد لا يحدد معالمه، وهو ما دعاه لاستخلاص التسمية من طبعه وسماته القائمة على التفعيلة أساساً.
ثم استعرض د. الأمين بتواضع العالم وزهد الكاتب رحلته الحياتية والعلمية في سبيل تعريب التعليم الجامعي في السودان والوطن العربي، مؤكداً أن شخصية أي أمة لا بد أن تتميز بالوضوح في الوقت الذي لا يجب أن تنعزل عن ملامح ومعطيات عصرها، موضحاً أن فكرة التعريب بدأت مبكراً مع ظهور المجمع اللغوي في القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر ثم استمرت في تطورها حتى تأسست مجامع اللغة العربية في أغلب العواصم العربية التي سعت الى تعريب الكلمات الأجنبية عن طريق الاشتقاق أو التعريب المباشر مثل (الراديو) من أذاع يذيع مذياعاً و(تلفزيون) تلفاز على وزن مفعال كمفتاح.
واستشهد د. الأمين بالقرآن الكريم مستعرضاً الآيات التي تؤكد على مكانة لغة الضاد، الى جانب وجود مفردات وكلمات كثيرة غير عربية فيه، ومنها (أرائك حبشية) و(سندس فارسية) و(إستبرق يونانية) و(الصراط رومية) و(هيت لك قبطية) وهو ما يؤكد انفتاح اللغة وحيويتها في التعامل العضوي مع اللغات الأخرى، وبعدها تطرق الى بدايات التعريب في السودان ومنذ مرحلة الاستقلال حيث تم تعريب الدواوين ومن ثم التعليم الثانوي والجامعي.
وأشار الى الصعوبات التي واجهت تلك المحاولات في البداية الى أن نجح قسم اللغة العربية في كلية الآداب ومنذ العام 1979 في تعريب الأقسام في الكلية وسط اعتراضات البعض باعتبار اللغات الأجنبية استأثرت، وخاصة الانجليزية، بالمعارف والعلوم العصرية، وأن تمسكنا باللغة العربية سيخلفنا عن الركب الحضاري والتطور الذي يحدث حولنا.
وبموضوعية العالم ناد د. الأمين بضرورة الاهتمام باللغتين معاً (العربية والانجليزية) لضمان وسيلة الالتقاء والتواصل مع الأمم الأخرى والعلوم والوسائل التقنية الحديثة. موضحاً أن الكليات العلمية في السودان لا تزال تعاني من مشكلة المصطلحات التي تحتاج الى وقت طويل لتعريبها، وهو ما يجسد إشكالية وصعوبة لدى الطلاب في انتقال المعرفة اليهم بالشكل المطلوب، مما دعا الجهات المعنية في الجامعات الى محاولة ترجمة المحاضرات التي تلقى باللغة الانجليزية الى العربية والعكس أيضاً.
وتطرق د. الأمين الى الدعاوى التي تسم اللغة العربية بالقصور والعجز وعدم قدرتها على أن تكون لغة علمية، مبيناً أن هذه اللغة في العصر العباسي استطاعت نقل كافة العلوم مع احتفاظها ببلاغتها، وبالتالي علينا التمسك بها لأننا نعبر من خلالها عن أفكارنا وخواطرنا وشخصيتنا وهويتنا، وهو ما لا نقدر عليه في اللغات الأخرى.
ودعا د. الأمين في ختام محاضرته الى ضرورة الاهتمام بالتوصيات الصادرة عن المجمعات والندوات والملتقيات المتخصصة باللغة العربية، والتأكيد على عملية التعريب في التعليم العام والجامعي، وتدريس كافة العلوم باللغة العربية، مع الإبقاء على الصلات المتينة مع اللغات الأخرى، وأهمية إصدار الدوريات العلمية باللغة العربية، وتوسيع أطر التعاون في الجامعات العربية، والعمل على إصدار المعاجم المتخصصة العلمية ووضع البرنامج الزمني لإنجازها بشكل سريع ومتتابع