الخميس ١٥ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم سمير الشريف

ليتني امرأة: النص الذي قضى عليه عنوانه

النص السردي القصير، ليتني امرأة لا يندرج تحت مسمى الرواية بتعدد أشخاصها وتشابك حيواتهم، ولا يشكل المكان فيها شوارع المدينة الخلفية ولا عوالمها المخفية، ومن هنا فهي أقرب فنيا للنص السردي القصصي النوفيلا.

منع هذا الكتاب من معرض الرياض للكتاب وسحب من رفوف المكتبات بسبب شبهة العنوان الذي فهم خطأ على عكس ما رمى إليه النص وقصد منه الكاتب.متتاليات سردية تنساب بسهولة ولين وبلا تعقيد مع وضوح العبارة وسلاستها ونوج الرسالة التي يهدف النص إلى إيصالها بدفق أسر.

وظف الكاتب "عبد الله زايد"تقنيات فنية كثيرة كتقنية الاسترجاع ومزج اللقطات والقفلة بلغة قوية متماسكة وأسلوب مشوق.

"ليتني امرأة" صرخة ضد الإقصاء والظلم والتهميش والقراءة السطحية.

يفضح النص عبر صفحاته السبعين محطات العسف التي تواجهها المرأة طفلة وزوجة وأما، من الزوج والأب والأخ والابن الذين اتفقوا جميعا على النظر لها قاصرا، لا تملك أمرها وحريتها، اتكاء على مفاهيم مغلوطة من تفاسير للتراث قام بها أناس انطلقوا في استنطاق النصوص من خلفيات وآراء مسبقة توارثوها، وأحكام كرسها المجتمع والعادات ضد المرأة بعيدا عن حقيقة ما ينادي ويأمر به الدين.

هذا النص صحوة ضمير متأخرة لرجل خدم ثلاثين عاما في مركز أمنيّ مرموق، قضاها لتكريس نظرته الدونية للمرأة عاملا على وأد أي جهد لتمكين المرأة من المطالبة بحقها الذي منحه لها الإسلام، هذا الرجل ،استغل منصبه لأبعد مدى لينتقم من المرأة ويعطل دورها.

يسلط النص الكثير من الأضواء على مجتمع مغلق وعادات متخلفة غادرها قطار الزمن،مفندا وموضحا وشارحا أن المشكلة ما كانت يوما في نص الهي ولن تكون ولكن في أخطاء التفسير التي يتبناها غير المؤهلين لذلك".فصل المرتد ص38.

هذا النص الذي يعرّي وينقد بموضوعية ،الكثير من المسلمات ويشكّل دعوة لقراءة النص الديني والموروث بعين أخرى أقرب للحياة والواقع ومنطق، وبعقلية تتخلص من آراءها المسبقة بهدف إنصاف المرأة وإعادة الاعتبار لإنسانيتها المفقودة وما يمارس عليها من أشكال وفنون الاضطهاد والتمييز باسم الدين حتى تتمكن من الخروج من غربتها النفسية مع ذاتها وأسرتها ومجتمعها.

"ليتني امرأة"صرخة جريئة ضد القهر والمسخ والمناهج التعليمية التي لا تعلم غير المزيد من الاغتراب، صرخة في وجه التاريخ المزور الذي تملأ الدماء والحروب صفحاته ولا يوجد فيه مكان للتسامح وحب الحياة والآخر.

صرخة في وجه الفقه المنفصم الذي يحرم الغناء من جانب بينما صفحات تاريخ خلفاء بني العباس تعج بحكايات القصور والجواري والغواني والطرب.

ينتقد النص بهدوء ويحاجج بموضوعية تفسير آيات الله المغلوطة في حق المرأة ص 40 ويوجه الإفهام إلى حقيقة وضع المرأة في الشريعة مكرمة حرة مستشهدا بالتاريخ ووقوف المرأة مسعفة وخطيبة وشاعرة وقاضية.

ينعى النص بجرأة ، التفسير الذكوري للتراث وكتبه ونصوصه التي تجمع على ظلم المرأة وتعلي من تسلط الرجل الذي لا ينظر للمرأة غير سلعة، ويقف بصلابة أمام التفاسير التي تبرر ظلم المرأة وتحلق الجور بها والوصاية عليها .

ينادي النص بالصوت العالي ضرورة إيجاد روح البحث في النصوص وليس روح تعليلها روح تبتعد عن تزوير مقاصد الدين وغاياته التي جاءت لسعادة البشر وليس لعبودية بني البشر لبعضهم ولا الإمعان في تقييد المرأة وإلغاء عقلها ودورها بحجة صيانتها والغيرة عليها.

"ليتني امرأة" محاولة جادة في تعديل فهم من يتحكمون في الخطاب العام تجاه المرأة وحقوقها.

هذه الأفكار والآراء و الإطروحات جاءت من خلال تداعيات قام بها رجل الأمن الذي ضاع في الصحراء في رحلة صيد وكيف كان يسوم بناته ألوان الإهمال والتقييد وإنكار إنسانيتهن، هذا الموظف الذي منع زوجته وبناته من مجرد بسمة وسمح لنفسه بكل شيء عندما كان موظفا في وزارة سيادة يستمد قوته وصولته من منصبه الذي وظفه لتحقيق مآربه الخاصة باسم حماية الوطن ومصلحته العليا، فنال سقفا لا يطال من الامتيازات والاختلاسات والتجاوزات فظلم وتجبر وقسا وغمط الناس حقوقهم، هذا الموظف الذي ضاع في الصحراء، استيقظ الإنسان في داخله خلال لحظة ضعف بعد أن اصبح وحيدا بلا جاه ولا سلطان ولا مال، يصارع الموت ويتلقى ضربات سياط أشعة الشمس وعسف الرمال ويقاسي ويلات العطش في لهيب صحراء لا حدود لها وأشعة شمس لا ترحم بقوانينها وأحكامها وقسوتها.

كانت مفاجأته أن تم انقاده على يد ابنتيه اللتين أهملهما في حين ظل أولاده الثلاثة (خالد وسعود ومشاري) الذين تنعموا بماله وجاهه يسهرون في لندن واليابان وديزني، غير مهتمين ولا سائلين.

بمعاونة امرأة تسكن الصحراء وتعرف طقوسها و مناخات، توصلت الابنتان لوالدهما الذي كان في الرمق الأخير يوشك أن يلفظ أنفاسه فجاءت مفاجأته درسا انتهت أليه القصة بقفلة تحمل الكثير من الفنية والترميز.

... بدأت عملية الإبصار تعود ألي، بدأت المعالم والأشكال تتضح، رأيت (هيا وشيخة) تغطان في سبات من النوم العميق أمامي .... لم يكن عقلي يكذب ... كان يقول الحقيقة: شيخة وهيا قادتا جهودا ذاتية مضنية للبحث عن أبيهما القاسي المحارب للمرأة المفقود في الصحراء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى