الثلاثاء ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم محمود قحطان

ما فاض عنهم.. وما تبقى مني

عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، الاردن صدر الديوان الشعري الثاني للشاعر اليمني محمود قحطان بعنوان «ما فاض عنهم.. وما تبقى مني» وقد جاء في 136 صفحة من الحجم المتوسط، وقد صمم غلافه الفنان نضال جمهور.

يقول الناقد العراقي الكبير د. حاتم الصكر في تقديمه للديوان:

ينتصرُ الشاعرُ على آلامهِ بتمجيده للحبِّ بهذا الأسلوب الذي يستدعيهِ حتَّى وهو في أشدِّ لحظاتِ محنتهِ الجسديةِ وعزلتهِ، فيتداوى من الحبِّ بهِ، ومن المرأةِ بها، ويراجع حساباته ليرصدَ ما فاض عنهم وما تبقَّى منه بعد جولة الكرِّ والفرِّ في معركةِ الحبِّ التي لا رابح فيها ولا مُنتصر.

لكنَّ التحول الباعث على الأملِ في الديوانِ الجديد هو تطعيم الغزل بما حول الشاعر من وقائعَ تثير مشاعرَه وتدخل في برنامجهِ الغزلي، فيتحدَّثُ في آخرِ قصائد الديوان عن قلبهِ العربي المحتل، ومذابحِ فلسطين ومَقاتل أبنائِها نساءً ورجالاً، وفنيًّا يُطعِّمُ أحزانَهُ بما يستعيرُ من أقنعةٍ كما في قصيدته (ديك الجنِّ الصنعاني) مُتناصًا مع أسطورة الشاعر القتيل "ديك الجن". لكنَّ أصداءً نزاريةً لا تزال تتردَّدُ في قصائدهِ لعلَّها تأخذُ طريقها إلى الخفوتِ فالتلاشي في أعمالٍ قادمة، رُغم أنَّ رقعةَ الموضوع الغزلي تفترضُ مثلَ هذه الشراكةِ والتأثر.

أحسبُ وبعد قراءةِ تجربة محمود قحطان في ديوانه الجديد أنَّهُ يتقدَّم ُصوب صوتهِ الخاص، محاولاً أن يُقدِّمَ ما فاضَ عن الآخرين وما تبقَّى منهُ، لكنَّه ُعرض ما تبقَّى من نسائهِ في الذاكرةِ وما فاضَ عنهُ من أحاسيس دوَّنها فنيًّا وبحريَّةٍ، فهو يجرِّب الوزنية الحرَّة بلا تردُّد، مع المحافظةِ أحيانًا على القصيدةِ البيتيَّةِ خفيفة الوقعِ، والمؤطَّرة كسائرِ شعرهِ بعاطفةٍ نبيلةٍ، زادَها المرضُ والعزلَةُ رِقَّةً وعذوبةً وشاعريةً.

أمَّا الشَّاعر د. عبدالعزيز المقالح (مستشار رئيس الجمهورية اليمنية الثقافي) فيقول في كلمته التي جاءت على الغلاف الخلفي:
هذا هو الديوان الثَّاني للشَّاعر محمود قحطان. وقد كان ديوانُهُ الأولُ قادرًا على أن يكشفَ عن موهبةٍ قادرةٍ على التقاطِ تفاصيل الواقع شعريًا. وقليلٌ هم الشُّعراء الذين يُلفتون انتباه القارئ من خلالِ بداياتهم الشِّعرية. ورغم هذه الإشارة المحتفلة بهذا المبدع. فما أحوجَ الشَّاعر مبتدئًا كان أو متمرِّسًا إلى متابعةِ السَّفر في عوالمِ الشِّعر اللانهائية، واعتبار ما يكتبه من قصائد مجرَّد محاولاتٍ وظيفتُها الأولى تعميقُ الموهبة وشحذُ عزيمةِ المبدعِ والانتقالُ به من هامش الشِّعر إلى مَتْنٍهِ، ومن حوافِهِ وأطرافِهِ إلى أعمقِ أعماقهِ. وإذا توهَّم الشَّاعرُ سواء كان في بدايةِ الطريق أو في القربِ من نهايتها بأنَّهُ قد أَوْفَى واستوفى فإنَّهُ يكون قد خانَ موهبتَه وخانَ الشِّعرَ أيضًا.

وأمَلِي في الشَّاعر محمود قحطان أن يظلَّ على تواضعهِ مؤمنًا بأنَّهُ مازال يبحثُ عن مدخلٍ إلى القصيدةِ التي يحلم بكتابتها. وأنَّ كل قصيدة مُنجزة سوف تسلمهُ إلى قصيدةٍ في طورِ الإنجاز. وتجربتي الطويلة مع عددٍ من الشُّعراءِ الشبَّان تجعلني أقول إنَّهم يبدأون كبارًا ثمَّ ينتهون صغارًا. وهو عكس ما ينبغي أن يكون حيث يبدأ الشَّاعرُ صغيرًا ثمَّ يكبر. وسبب ما يحدث في واقعنا للبعض من الشُّعراء المبدعين؛ أنَّهم ما يكادون يضعون أقدامَهم على طريقِ الشِّعر –وهي طريق طويلة- حتَّى يهملوا القراءة وينصرفوا عن متابعةِ التجربةِ الشعرية سواء في بلادنا والوطن العربي أو العالم معتمدين على إنجازهم المحدود. وهو إنجازٌ –مهما كان حظَّه من النجاحِ- لا يخرج عن كونهِ الخطوةَ الأولى التي يبدأون منها رحلةَ السَّفرِ الطويلِ.

والمقارنةُ العابرةُ بين الديوانِ الأولِ لمحمود قحطان وديوانِه الجديد يُثبت حرصَه على أن يتفوَّقَ على نفسه، وأن يتجاوزَ ماضيه في رؤيةٍ صاعدةٍ نحو المستقبل. وكما شدَّني، بل أسرني عنوانُ ديوانه الجديد (مَا فاضَ عنْهُم.. ومَا تَبقَّى مِنِّي). فقد شدَّني وأسرتني –أيضًا- معظمُ قصائد الديوان ومنها القصيدةُ التي صار عنوانُها عتبةً للديوان:

ذهبَ الَّذين أحبُّهمْ 
من بعدِهم، وأنا أُمارسُ لعبةَ الصَّبرِ المعتَّقِ بالمدادْ 
فلنصفُ إحساسي صهيلْ 
والنِّصفُ خيباتٌ.. دوارٌ مستحيلْ 
ولقد تلوحُ بشاشةٌ وسْطَ الرُّكامْ 
لكنَّ ليلي موحشٌ 
فوقَ السَّريرِ غمامةٌ 
بالأسفلِ الآنَ احتضارْ 
الليلُ يُورقُ بالبُكاءْ!

لقد استقبلتُ الديوانَ الأول للشَّاعر محمود قحطان بمجموعةٍ من الإشاراتِ المتفائلةِ وختمتُها بالإشارةِ إلى أنَّهُ يُعدُّ بدايةً مسكونةً بقلقٍ عاطفي شفيف وبروحٍ إنسانيةٍ بالغةِ الرِّقةِ والرَّهافةِ. والأملُ معقودٌ في أن يتواصلَ إنجازُ الشَّاعرِ وتطورُه المتصاعدُ وأن يولي اللغةَ والإيقاعَ ما يستحقَّانه من جهدٍ وإصرار لتجنُّبِ الهناتِ والعثراتِ الصغيرةِ التي لا يسلمُ منها إلاَّ كبارُ الشُّعراءِ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى