متلدا صياغة أولى
عائدٌ من السوق النحاسي من المطاعم السرية
من اللغة السوداء في الشارع العربي
طفلاً من الريف يمارس الشعر والتحديق في عينيك والقهوة
وفي الصوت.
صوتك يخرج من شرفة الأنهار
زورقاً للأناشيد الصغيرة
لحليب البحر
في بلاد لا تقامر بالخيول.
هذه قصائدي فاصطفي من الندى ما تشائين
ليكن ما بيننا شفرةً للزهور
كي نفهم المطر عندما نلتقي سراً وجهراً
تأخر البدر قليلاً فاخترقنا حدود البوح والنسيان
نطل على ما نشاء إذا شئنا أن يعرف البرق ما تخبئ من حنين في العقيق
فمري رويداً على عشب قلبي
كل شيءٍ عسليٌ حين تمر يداك
ونغوص في الصمت يسيجنا البرتقال
وخمرةٌ غامضةٌ إذا اتقدنا في جليد الكلام
اهمسي بثلث الحروف واتركي ما تبقى في جدار الشفاه الذابلة
كي أفهم الكرز
أنا وأنت بيرقٌ ونخلةٌ هائمة في رذاذ المطر
تدخلين الآن نشوة الكتابة في لذة الشعر عند المخاض الفريد
لا حواء قبلك عانقتني وأنا أمخر بحر القصيدة
من أين جئتِ بهذا الغناء؟
تغامرين في ضلوع الشعر وأراك في الندى
على ضفاف قدميك تستجم بحارٌ ومدى
كان النسيم يقرأ شَعْرَك لي
يسرق من مقلتيك مواويلاً وصدى
وعيناك سنبلة وقصيدة
سنبلةٌ لي وقصيدةٌ لوطن موغلٍ في العشق
نسرٌ بصدره قال الكثير
لدي من النجوى ما يثير الجليد فانتظرت متلدا
قالت تمهل وارتشفن
اخلع نعالكَ وقصائد العشق القديمة
لمن كتبتَ من النساء ومن الفراش
ساحبكَ الآن في وهج المحار
فاشرب حليب أناملي
سأزيل عن شفتيك وشم البن والقبل اللئيمة
سأزيل عن عينيك تعويذة الحب المعلب وتمائماً نسجت في الشارع الخلفي للمنفى
لم يكن ذاك المخاض الأحمر الليلي في بغداد عشقاً
كان دماء البيد في النخل المهجن والتقارير الحميمة
نبيذٌ أخر للبحر
كأس برتقالي من مقلة الشفق كي يتمادى
يا لغتي من أين يهبط هذا اللوز ...؟
في كل امرأة مدينة
وفي صمت متلدا بوابة التوت
كل المدن في أساورها فقط
ماذا تشرب الآن مولاتي ...؟
نجيع القهوة السمراء برغوة العنبر وفاكهة الكلام في قدح بلا وطن ولا منفى
في قدح تنكَّر للتضاريس وللحدود الهامشية
هذا الأقحوان يعرفنا
وذاك اليراع الذي شكل أسماءنا في ضلوع الغبش
وذاك البرق الذي لاذ بعينيك وما رمش
ألديكَ بعض الوقت كي تخبرني أيها النجم! عن رغبتها الفضية؟
وعن المسافة بين عينيها وصوتي
ألديها ما يكفي لطفل ظامئ للوجد
تقاسمتْ الكاهنات حليبه وبكاءه وشعره الكستنائي في صمت الرفاق
يمنحنا الهجر قوةً فائضةً لا لنعرف أنَّا عاشقان
تلك اكتشافات الشجر
ولكن لنعرف طعم الجبال.
هو العشق لا يشبه ترسيم الحدود
هو العشق كالوطنِ لا يعلبُ في رقائق القصدير الغبية
ربما لا أحسن تدليل اليمامة
كما لا يحسن اللقلق تقبيل البحر
لكنَّ لي انغماسَ الجبال في لذة الصمت المعتق
أكره الشعر حين يأتي فوق نهد حامض
أكره الغصون التي لا تعرف أسماء العصافير القديمة
أكره امرأة تخرج من فقاعة الماكياج تحمل زهرة برية
أنا الطفل الخرافي في بوابة الليل
أقود سرباَ من السباع الجريحة إلى شفرة في الصخور
فإذا تمرد في يدي قمرٌ
زرعتُ وطناً في رموش الصغار
لم أعتذر لصبية تصحو بطنجة عند الفجر
تكحل عينيها بلسان قبرة فيمضي إليها النهار بالشعر والياسمين
عائد لا قرأ يديكِ
فامكثي في عروق القمح، أو انبجسي من زئير التلال
أول ثورة في الأرض كانت سنبلةً عاشقة
وفرقدين يفجران العطر في شرفة زهرية تحت المطر ناراً وماء.
وتفيق عيناك من رذاذ الأطلسي
ترشق قلبي بظلالٍ كسولة
وتغني متلدا ... متلدا وجه آخر للبحر
لزهر اللوز للثورة
مر القمر وقال الله
مر التاريخ بعينيك وصلى
متلدا!
من ينفث في قلمي الشارد هذا الشوق سوى عينيك
تترعرع عند شواطئها طنجة
والتقينا
لم أفكر في اعتذارٍ عابرٍ للخريف الرخامي في حديث الأصدقاء
لم أزُرْ طنجة يوماً
لم أشدُ في مرابدها
فاخترعتُ التمني
وسمّيْتُ المحيطات متلدا
متلدا وطنٌ لشقائق النعمان
ومسرحٌ لغموض الأنوثة والياسمين
تقطف من أناملي شالها
ومن صمتي عناقيد الكلام
وتزين البحر بشَعْرٍ خجولٍ لهدهدٍ لا ينام
يسألني:
من أين تأتي بهذا الصدى للمسك؟
حين أكتب قصيدة للوطن يمنحني الزيزفون وقتا سريا للثورة
وتمنحني الأحجار وقتا خرافيا كي أكتب الشعر للفراشة.
من أين تأتي بهذا الشوق للياقوت ولهمس متلدا؟
عند انبجاس الفجر من الهديل القديم أرسم خارطة لاسمها السوسني
فتسكن لهجتُها تضاريس صوتي وتدخلني من وريد القصيدة.
للرمل مواسمه وللرغبة نخلتها حين يهيج الكرم
في موعده الأول
يجيء الصهيل مبللا بكؤوس الضوء الأخضر
يعلمنا كيف نقرأ الرحيق ونفلسف العنبر
متلدا !، عصافيرٌ بعينيك فراشةٌ للحنين
وفاكهةٌ أزليةٌ للحب
وأنا بوحٌ متلدا إغفاءةٌ عينيها
حين تخرج من غيمة الشجن الأقحواني
ومن نبيذ العقيق ومن لغة النافذة الاطلسية
تعالي متلدا !، تعالي ملياً
قبل أن أوقف الأشجار
أسألها عن اسمي الذي ترجمته العصافير هذا المساء
الى أبجدية تبحث عن هويتها في رخام المدينة العائدة من فيض الصدى المُهجَّن
تعالي ملياً قبل ولوج الحنين في قبلة شاردة
ماذا لديك كي توقفي شدو السلاسل في معاصم البَرَد
وفي انحدار الأمسيات البائدة
صمتين أو أكثر، همسين أو أكثر
كي يولد الآن من الآذان ومن خيال متلدا
طفلُ يرفرف في العيون الخالدة
تعالي ملياً
ادخلي أوردتي
كنشوة الرياح التي ألهمتني الجبال
وأنا انتظر انبجاس متلدا من أنامل الفيروز
ومن اللؤلؤ البري ومن الأبجديات المحايدة
قولي: لحقول البرتقال أن تكف عن الغناء
قولي: للكهوف النائيات أن تزيل عن رحيق النحلة البرية رعدة الشفتين
قولي: لغيمة تلد الدموع في المنفى الشفيف
أن تكف عن امتصاص البريد
يسكنني صمتُكِ
لكن صوتكِ ذائعٌ في الوريد
قولي: إذاً شيئاً إذا سرنا على مهجة البحر
أو طرقنا بوابة الوتر الوحيد وأعلنا التمرد على البروق الخامدة
قولي: إذاً شيئاً إذا عدنا من الموال يسكرنا غموضُ الوجد
سأفتش الأحجار عن إصغائها
هل تحسنين الغناء؟
قولي: إذا شيئاً في موسم العائدين من القمح ومن المطر
قمرٌ لكأسٍ يموج بالضوء شغوفاً
كامرأةٍ تهطل عند الفجر نورساً وشماً يرفل في حلة الزهر
يصمت حيناً ويرفُّ حيناً فوق رموش المدى
نامي متلدا! تلك أناملي عندما يصمت الوَدْقُ
ذاك عبير حمامة مهاجرة إلى الحروف التي كتبتها الغيوم لعينيكِ
وعيناكِ نافذةُ العطر وأسرارُ شراعٍ يستفحل في شريان الليل المتسكع في كبد العاشق
ما بَعَّدَ هذا الصوفيَ عن لغتي غيرُ متلدا
ما قَرَّب هذا الصوفيَ من لغتي غيرُ متلدا
طرق بعينيك تهديني ولا روما
طرق إلى جذور العطر في نيسان
مدن زجاجية تغار من ولعي بأنثى الحبر والثورة مدن تغار
تخوض في شفق البدايات نبيذاً حائراً دوماً وتواقاً إلى النسيان
فرسٌ بعينيكِ يجاذبني همسَ الرمل لحوافر بدأت خطواتها الأولى
بعينيكِ مبخرة خزامية ومشكاة خماسية تمضي الى قلبي بلا كلمات
تدلي شَعرها العسلي في شرفة البحر
فماذا لديكَ الآن؟
للعابرين خليج الصمت ماذا لديكَ الآن للون خصلتها
تتدفق في كل المسافة في البنفسج
تلهو بضحكتها أصابع الريح ولم تغفو منذ القبلة الأولى في شريان هذا الشعر
ماذا لديكَ الآن
ومتلدا حدود الماء وخرائط الضوء وحنين الزيتون المتأنق لموعده الأول
متلدا
حين يمر البحر بذاكرة الأشجار أغادرُ عصفوراً
أحملُ ريشته ومحبرة َالأشجان
أرسو في شرفة عينيكِ
ماذا تقول: قطرات النور لهذا العطر؟فيموج الصمت كالوتر المشدود بقوس الشوق
يسكب نكهة القمر الحريري في كلماتي
لقهوة لا تنضب إن ولجتْ عيناكِ حقول الحلم
ماذا يقول: السرو غير سلامٍ لمتلدا
تعويذةُ صوفي
ومئذنةٌ للبحر ونفحةُ طلٍ تتجذر في بوح الغابات
وحنينٌ أبديٌ وتميمةٌ صيفٍ لثلوجٍ ترشحُ في رئة الصفصاف
كانت الأمطار تلهو في المدينة
شراع يبحث عن سفينته
شاعر يبحث عن هويته
عاشق يبحث عن امرأة تجفف شعرها من نبيذ الشمس
لم تضحك في رحاب الورد
ولم تجلس على الميناء تنتظر السفينة
والشاعر الريفي يسكب صوته
في الصمت مفتونا يمارس التحديق في الريح
تمُرُّ سكينٌ وجوزاءٌ وكاهنةٌ وانثى تمُرُّ
تمُرُّ الفُ جوزاء ولا جوزاء
والشاعر الريفي يبحث...!
يَمٌ بكفيه وحروفٌ صغيرة
وسربٌ من الكلمات
مازالتْ في شاطئ المهد يعلمها التمردَ والسكينة
ويبحث عن امرأة تزرع الألوان في رذاذ الشوق
وتغزل من بوح الندى البحري غابة للحب
ومنديلاً للعاشق الريفي
تذيله بأغنية حزينة
كل هذا اللحن ِصمتُ متلدا
فادنُ من ثورة الوجد قليلاً
أدنُ خجولاً من أناملها في السنابل
وادنُ من حدود حنينها اللازوردي المؤجج
وادنُ لا تدنُ كثيرا
دع للمسافة بينكما مسافة كي لا يغار البنفسج.