الثلاثاء ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم حسن عبادي

متنفَّس عبرَ القضبان «١٣٢»

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
ونشرت في حينه خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.

عُدت لزيارة الدامون لمواكبة وضع حرائرنا وما آلت إليه حالتهن بعد انقطاع بسبب الحرب على إيران؛

وجدت الوضع كارثيّاً؛ قمعات متكرّرة، اقتحامات الزنازين برفقة الغاز والكلاب، أسيرات حوامل يعانين الأمرّين، مريضات سرطان وإهمال طبّي صارخ، دون علاج، طفولة سليبة، كاميرات تُلاحق الأسيرات في كل مكان وانتهاكات دائمة للخصوصيّة، تجويع وضرب وصراخ... ونحن كعادتنا نستنكر بشدّة ونُحمّل المسئولية...

عقّب الروائي وليد الهودلي: "رواية البؤساء تتجلى بقلمك من جديد ... قاتل الله صناع البؤس والشقاء وهذه السادية المفرطة".

عقّب فراس ناصر (والد الأسيرة ربى): "ستخرجين يا ابنتي وسينعم شعبنا بالحرية بفضل الله ثم جهود المخلصين الأوفياء من أمثالكن، ولكنّ دائما للحرية ثمناً لا بد من دفعه.

وعقّبت آمال شيخة (والدة الأسيرة كرمل): "أستاذ حسن شكرًا لك على إنسانيتك، وشكرًا لمواقفك التي تُحفظ في القلب ولا تُنسى. دمت صوتًا للحق وضميرًا حيًا لا يعرف الصمت. يا رفيقة الكرمل في الطفولة ومقاعد الدارسة والأحلام الصغيرة، والآن رفيقة الحلم بالحرية. من خلف الجدران العالية، تخرج أصواتكنّ كالضوء، تخترق العتمة، وتروي حكايات عزّ لا تنكسر".
وعقّب الصديق الخليليّ مفيد الشرباتي: "أبدعت الوصف صديقي استمر بالاثنتين زيارة وتوثيق للتاريخ وبلكي هالعالم يحس. ويحاسب المحتل يوماً ما. الحرية لهن جميعا".

وعقبت الشاعرة فاطمة نزال: "فرّج الله عن جميع أسرانا وأسيراتنا، جزاك الله خير الجزاء على ما تقوم به من جهود فردية يا أستاذ حسن. الله يعطيك العافية والصحة".

وعقّبت تقى أبو حماد: "ياسمين صاحبة العزيمة والقوة المخلصة الصامدة لا يكسرها عدو، مدرسة في التضحية والإخلاص تغلبت على السجن؛ في كل مرة كانت أقوى من السجان وقيود الزنزانة اللي ما بعرف ياسمين هي أم وأخت وصديقة لجميع الأسيرات معنوياتها تعانق السماء. أستاذ حسن أنت كمان مدرسة في الإنسانية والوطنية يعطيك كل الخير. أنت النافذة التي يطل منها أسيراتنا إلى العالم الخارجي بوركت جهودك الجبارة".

وعقّبت الأسيرة المحرّرة لمى خاطر: "أعانها الله وفرج كربها وجميع الغاليات. مع الشكر الدائم لجهدك أستاذ حسن ولإبقاء هذه النافذة مشرّعة، على ما تفيض به من معرفة، تؤلم لكنها تحول دون نسيان أسيراتنا وأسرانا".

وعقّبت الأسيرة المحرّرة أم أمير سلامة (والدة الأسرى منير ونور الدين): "فعلا استاذ احنا كنا ندرك أنه لا يوجد عالم خارجي. نحن فقط من هو على قيد الحياة، لأننا لا تصلنا اخبار الاهل والعالم. عندما كنت تحضر لزيارة الاسيرات وتعود الاسيرة الى القسم تركض بلهفة، تنادي عليها الاسيرات ليعرفن الاخبار ومن لها سلام من أهلها. كانت ترد الروح لنا. جزاك الله كل خير وصحة وعافية وربنا يفك أسر جميع الاسرى والاسيرات يا رب".

"عيّدت عيدين بالسجن، وعيد ميلادي كمان"

زرت صباح الأحد 29 حزيران 2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، لألتقي بالأسيرة ربى فراس عبد الرحيم دار ناصر (مواليد 21.05.2003) من دير قديس/ رام الله.

قالت مباشرة (بلا شور ولا دستور): "قمع متكرّر، إغلاق تام عدّة أيام، القسم كان مسكّر. بعد زيارتك الأخيرة تصلّح الوضع شويّة، العدد على الرُكَب، الفورة صارت ساعة. بعدني عايشة رعب القمعة الأخيرة – قنابل صوت وقنابل دخان وهجوم على الغرف. أخذوا وحدة وحدة على الحمام للتفتيش، قسم تفتيش عادي وقسم تفتيش عاري، ع المزاج، مع كلب كبير، الحوامل ومريضات السرطان طلّعوهن برّا".

ربى بغرفة 2 (برفقة ياسمين شعبان وشاتيلا أبو عيادة).

طلبت إيصال سلامات ميرفت الغزاوية لأهلها وطمأنتهم، ومعايدات دلال (لحفيدتها حور، وإسلام لبنتها)، أم خليل (منيحة وبتسلّم ع الجميع ومعنوياتها عالية)، كرمل وأخريات.

تطمئن أهلها وملتزمة بحفظ القرآن؛ أذكار الصباح والمساء وقيام الليل، وبتسلّم على ستّها وستّها وسيدها أبو فراس "لا ارتشّيت بالغاز ولا تفتّشت بالعاري".

بتسلّم على بنات التخصّص وصاحباتها (دانيا ومرام وشذى وربى)، على المعلمة آمال (خالة سلام كساب-منيحة وبخير ومعنوياتها عالية ومرتاحة)، إخوتها محمد ومعاذ ومؤمن، وأسماء تدير بالها ع دراستها – مشتاقة وعلى الجميع.

اعتقلت يوم 06.01.2025، من البيت إلى بيت إيل، إلى عوفر، إلى الشارون (ليلة واحدة) وإلى الدامون، وفجأة قالت (عيّدت عيدين بالسجن، وعيد ميلادي كمان"، إداري وتمديد. حدّثتني بحرقة حول مجريات 06.05.2025 (خلّصت التمديد، مدير القسم خبّرني "أنت اليوم مروّحة"، جهّزت حالي للترويحة وسامعة اسمي "شِحرور"، ودّعت الصبايا، وخلّوني "0n hold"، لعب أعصاب، معلّقة بالهوى، وبس يوم 09.05 خبّروني بالتمديد مجدّدا).

قلقانة عالوردات وبدها يديروا بالهم عليهن.

"الليّ بتديّن شي لازم يرجّع دينته. نقطة "

مباشرة بعد لقائي بربى أطلّت الأسيرة ياسمين تيسير عبد الرحمن شعبان (مواليد 24.01.1983، الجلمة/ جنين) بخطى متثاقلة، مكبّلة الأيدي والأرجل.

هاي السجنة الثالثة؛ الأولى 5 سنوات، الثانية 6 سنوات وتحرّرت بصفقة تبادل الطوفان، والحالية منذ 18.05.2025 "عالوحدة نص ليل، حوّطوا الحارة والبيت وفاتوا ع الدار بهمجيّة وأخذوني".

ياسمين بغرفة 2 (برفقة شاتيلا أبو عيادة وربى دار عاصي).

قلقة على الحوامل والمرضى، وهناء وسالي القاصرات.

أوصلتني بداية سلامات الصبايا، ورسالة شاتيلا لإمها "مروّحة يمّا، أنا منيحة كثير، حضّريلي فستان الترويحة وقهوة ومنسف وكنافة وسلام خاص للجميع". أخبرت ياسمين أنّ الفستان علينا (تواصلت مع والدتها حال مغادرة السجن وخبّرتني أنها صارت محضّرة فستانين لترويحة الغالية).

حدّثتني عن قمعة 24.06.2025؛ "مع كلاب، التعامل كثير سيئ، شتائم، جرّونا جرّ، فش احترام لخصوصيّة المرأة، بنتحمّم والسجّان عالباب، غيار بنلبس وغيار بالغسّالة، فش تهوئة، فش فتح شبابيك، حبس كل الوقت بالغرف، مليان بق وحشرات، الحبسة هاي شهر ونص أصعب من السبع سنين، الشعور باقهر صعب، ما بنقدر نطالب بإشي، المحامين ما بخافوا الله، بتاجروا فينا، فش صحون للأكل، الأشياء الحياتية الصغيرة صعبة".

صادروا اليانس الأسود، جابوا 70 يانس شاباص، بني غامق، من فوق بدون تنانير "دبّرنا حالنا"، شحّ كبير جداً بالملابس الداخلية.

مشتاقة لأولادها الأربعة؛ مصطفى، أحمد، عبد الرحمن وإبراهيم.

طلبت إيصال سلاماتها للجميع، خاصة أولادها وزوجها، وخواتها نسرين وشذى، ووالدتها، وصاحبتها تقى (أم ويليام).
الليّ بتديّن شي لازم يرجّع دينته. نقطة.

لكما عزيزتيَّ ربى وياسمين أحلى التحيّات، والحريّة لكما ولجميع أسرى الحريّة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى