السبت ٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٤
بقلم جمال الطحان

مرثية المدن النائمة

كان النهارُ يدافعُ الشمسَ الكسيرةَ عندما
رأسٌ تدحرج باتّجاه المدرسةْ
ويدان تجتاحان أبنيةَ الصديد
وتذيب في دمها أفانينَ الحديدْ
في كلّ دربٍ زفرةٌ
في كل ركنٍ صرخةٌ
في كل بيتٍ جُثَّةٌ
في كلّ أغنيةٍ شهيدْ
ومدينتي
جلست تداعبُ حلمَها
متثائبةْ
أغفت على وَهَنٍ يراودها الأملْ
حَلَمت بأمن رضيعها
حلمت وملّ الحُلْمُ من حُلُمٍ يرافقه الكسلْ
دقّت طبولُ الحربِ في وجه المدينةِ
فاستفاقت ميّتهْ

* * *

يا أمّةً نامت على آلامها
حتّى نَمَت كلُّ الطحالب فوق عينيها
وما اهتزّت لأضلعها الجفونْ
ما المسألة ؟
طرقٌ تفتّشُ عن مسالك أهلها
دُورٌ يحاصرها الرصاصْ
وتفسّخت حِلَمُ النساء شريدةً
من ذعرها
والطفلُ يبحث - خائفاً - عن مرضعةْ
مَنْ يسحبُ الأثداءَ من سيقانها
حتّى يعانقَها الحليبْ ؟
مَن يستجيبْ
إلاّ المعنّى درّةٌ أو حنظله
ماهمَّهُ لو عاد - وحدَهُ - حافياً،
وجعُ الطريقْ
لاشيء يوقفهُ ولا مَدُّ الحريقْ
وَي … درّةُ هو حنظله
يادرّةَ الآلامِ كنتَ مسالماً
وغدوتَ شعلةَ أمّةٍ لاتستكينْ
وغدوتَ باقةَ ياسمينْ
سنظلُّ نذكرُ ماحدثْ :
قد كان شمَّر كي يداعبَ حُلمَهُ
فتساقطت حِمَمُ القنابلِ وابلَهْ
خرج الجنينُ مقاتلاً بدمٍ تبارك نزفُهُ
وتركتموهُ بلا سلاحْ
سَقَطَ القلمْ
كلُّ القصائد ليس تنفعُهُ ولا هذي الهِمَمْ
يا شاعراً كتب القصيدةَ ثمّ أغفى برهةً
فوق الحريرِ ليفتكرْ
لاتعتذرْ
آنَ الأوانُ لننفجرْ
آن الأوانُ ليزدهر تشريننا
بصراخ درّةَ أو أبيه
آن الأوانْ
لنغربلَ التاريخَ عن غدنا ونختصرَ المراحلْ
لتكن شجاعتُنا على حجم المقاصلْ

* * *

كم ثورةً يلزمْ
ياسيّدي الأعجمْ
كم معجماً للصوتِ يلزمُكُمْ وكم مَرسَمْ
كم شاعراً مُلهَمْ
كم خنجراً كي يستوي نيسانُنا
ويعودَ فينا ماجدٌ أو درّةٌ أو حنظله

* * *

بدأ الألـمْ
سقط القلمْ
وتجمَّع الحزنُ الأشمّْ
في السنبله
ما المسألةْ ؟
قف سيّدي واقرأ بقايا المرحلةْ
هي خطوةٌ حتّى اقتحمنا كلَّ أسوارِ الصخور
فجلالُ صرخةِ درّةٍ نسفت طواحينَ الفجورْ
هي برهةٌ حتى غدونا غابة ً تجتاحُ
كلَّ سدودها
وتوزّعُ الأشجارَ بين البائسينْ
من معبد الظلم انتشرنا أوبئةْ
ونفضنا عن أهدابِنا وجَعَ السنينْ
للموتِ أغنيةٌ ويتقنُها سليلُ الثائرينْ

* * *

مابين بيتي والطريقْ
عشرونَ مشنقةً ونرجسةٌ
وكابوسٌ عتيقْ
باعوا الرصيفَ لضفّةٍ أخرى وأوقد حقدُهم
في كلّ أجنحتي الحريقْ
سرقوا الضياءَ فكيف أعبرُ
في الليالي المدلجاتِ إلى الصديقْ
ذبحوا السماءَ بطولهم
وتكدّسوا مثل النّمال على الدروبْ
فكيف أعبرُ .. كيف تعبرُ ..
كيف نعبرُ يابطلْ

* * *

ياشاعري .. لاتنتظر
سدّد سلاحَك بالمدافعِ والأظافرِ والعَلَمْ
سدّد رصاصَك بالقلمْ
قف صامداً
حطّم نواقيسَ الخطرْ
كن دائماً
كن مرّةً
كن مرّةً درعَ البشرْ
واشتم بقايا هيئةٍ لاتلتزمْ
بوعودها
اشتم فتاتَ ذكورةٍ لاتشتعلْ
لذبولها
ارجم خصال الصهينةْ
وابصق على كرسي سلالتها التي لاتعترفْ بسقوطها
انسف جدارَ الخوفِ من أعصابنا
للموت أغنيةٌ ويتقنها بنوها الثائرون:
ياسادةَ الطغيانِ إنّا صامدون
لا تحفروا قبر المسيحِ فلم يمتْ
في كلِّ مصلوبٍ ستُطوى مرحلةْ
فلقد تعلَّمنا الجَلَدْ
لا موتَ في هذا البلد
يا سادتي الأوباش إنّا قادمون
فغداً سينهالُ الدَّمُ العربيُّ
فوقَ رؤوسكمْ
وستُرجَمونَ
ستُرجمونَ
ستُرجمونْ
يادرَّةَ القدسِ انتظرْ
بدمائنا
بحجارةِ الأقصى وللأقصى
نناضلُ بالعزيمةِ والأملْ
وبحبّنا
وسننتصرْ
وسننتصرْ
وسننتصرْ


مشاركة منتدى

  • القصيدة من أجمل ما قرأت وأتمنى للشاعر مزيدا من الإبداع الرائع لإننا في أمس الحاجة إلى مثل هذا القلم المنهمرفي الروح كشلال عطر عربي أصيل

    مع اعتزازي وتقديري

    نجاة فارس
    فلسطينية مقيمة في الإمارات

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى