الأحد ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

مطار أثينا.. مطار العريش

ما الذي يربط بين مطار أثينا ومطار العريش؟ سؤال ربما يثيره، ابتداءً، قارئ العنوان. واذا ما تذكر المرء دريد لحام ونهاد قلعي - ان لم تخني الذاكرة بخصوص الاسم الثاني لنهاد - فانه سيتذكر عبارة الأخير: اذا اردنا ان نعرف ما يجري في ايطاليا فعلينا ان نعرف ما يجري في البرازيل.
واذا اردنا ان نعرف ماذا يجري في مطار العريش، فعلينا ان نتذكر قصيدة محمود درويش: "مطار اثينا"، وهي قصيدة كتبها في اواسط الثمانينيات من ق 20، وتحديداً بعد الخروج الفلسطيني من بيروت. وفيها يكتب:
"ماذا
يريدون منا؟

وكان مطار اثينا يغير سكانه كل يوم، ونحن بقينا مقاعد فوق المقاعد ننتظر البحر، كم سنة يا مطار اثينا؟ ومنذ خمسة واربعين يوماً، وبعض الفلسطينيين عالقون في مطار العريش ينتظرون حلا لمشكلتهم، فلا هم قادرون على العودة الى غزة التي جاؤوا لزيارتها، ولا هم قادرون على الخروج من منطقة المطار للاقامة في بيوت يستأجرونها، ما ادى الى مصادمات مع قوات الأمن المصرية، نجم عنها جراح بعض المواطنين.
في خبر مواز لهذا الخبر الذي نشرته "الأيام" مع صورة لهؤلاء، يوم الأربعاء، المنصرم، خبر محزن آخر يروي قصة المواطنة سناء احمد شنن، ابنة مخيم جباليا العائدة من مصر، من رحلة علاج مرض السرطان. توفيت سناء ابنة السابعة والعشرين ربيعاً، لأنها لم تحتمل الانتظار.
وسأتذكر، وأنا أقرأ الخبرين وامعن في الصورة، رسالة الغفران لأبي العلاء المعري. لماذا؟ لأنه صور فيها انتظار الناس يوم الحساب، حيث اليوم عند الله الف سنة مما نعد في هذه الفانية. كان المعري ساخراً، وأظن انه، لو امتد به العمر وشاهد ما نشاهده في زماننا، ومر بتجربة الانتظار التي مر بها الفلسطيني في مخيمات الشتات والوطن، ولما يزل يمر بها، وتجربة الفلسطيني على المعابر وفي المطارات، أظن لو انه مر بهذه التجارب لكتب عنها، ولسخر من الجهات الحاكمة، لا من المنتظرين.

هل تجربتنا هذه في الانتظار، في المخيمات وعلى المعابر وفي المطارات هي التجربة الصغرى لتلك التجربة الكبرى؟، وهل يريد الحكام والدول المعنية بالأمر، ان يهيئونا لها، حتى لا نفاجأ بما يخبأ لنا أيضاً؟، فقد يكون أبناء، العمومة، أبناء شعب الله المختار، وغيرهم من حكامنا الذين يعود نسلهم الى نسل النبي، او نسل الفاطميين، قد يكون هؤلاء يعرفون هذا، ويملكون، من ثم، مفاتيح الآخرة. قد...

وأنا اتذكر معاناتنا على الجسور، او وأنا أقرأ عن معاناة الفلسطينيين على معابر القطاع وفي مطار العريش، وما نجم عن ذلك من اشتباكات مع الجنود المصريين، تذكرت ايضاً رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس". مات ابطالها الثلاثة في الخزان، وقد قتلهم الروائي لأنهم لم يدقوا جدران الخزان. كان لسان غسان: "لو دقفتم ما متم". والخزان مثل المعبر ومثل المطار ومثل المخيم. كلها خزانات انتظار. كلها جهنم الفلسطيني في حياته الدنيا.
ومنذ اربعين عاماً والفلسطيني يدق. ومنذ اربعين عاماً وهو يقتل ويموت ويستشهد ويجرح، ولا حل. ومنذ اربعين عاماً تكبر المأساة والجرح يزداد اتساعاً.

الفلسطينيون، في مطار العريش، مثل اهل الضفة والقطاع بعد هزيمة العام .1967 كم مرة دق هؤلاء جدران الخزان وانتفضوا. قاوموا المحتل بعد الهزيمة، وانتفضوا في العام 1987 وفي العام 2000، وماذا جنوا؟ ازدادت المعابر وازداد عدد القتلى والشهداء، وازدادت الخزانات. كانت الضفة خزاناً واحداً فغدت عشرة. وقل الشيء نفسه عن فلسطينيي الشتات، من عمان الى بيروت الى بغداد.
دقوا الجدران في عمان وفي لبنان، وازداد في الأخيرة اختناقهم.

كم يذكر الخبر بالخبر. كم يذكر الحدث بالحدث. كم تذكر المأساة بالمأساة وكم يذكر النص بالنص. سأتذكر رواية زياد عبد الفتاح "ما علينا"، ولن أقول انه تأثر، في اثناء كتابتها بقصيدة محمود درويش "مطار اثينا"، القصيدة التي تختزل تجربة عشرات آلاف الفلسطينيين. والرواية تعبر عن تجربة واحد من هؤلاء. كم تتشابه التجارب، كم تعبر الكتابة عن الفكرة نفسها.

في تموز هذا فكرت ان تكون الدفاتر التي اكتبها متشابهة في اسلوبها، لأقول: ان تجربة الفلسطيني، في تكرارها، تجربة تموزية بامتياز، دائما نقتل ودائماً نعود لنولد من جديد، ولنمر بالتجارب نفسها التي مر بها اجدادنا واباؤنا. ماذا يريدون منا؟ وكم سنة يا مطار اثينا ... كم سنة يا مطار العريش؟!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى